لاحظت أوساط ديبلوماسية وصحافية اللهجة الحادة في تصريحات رئيس الوزراء التركي الجديد، بولند اجاويد، وانتقاده السياسة الأميركية تجاه العراق، حيث عبّر في مقابلة تلفزيونية عن قلقه من أن "الغارات الجوية ستزداد بعد نهاية شهر رمضان". وقال: "لا أفهم ماذا تريد الولاياتالمتحدة أن تفعل" و"بالنسبة لي فهي تمتلك تكتيكاً لكن تفتقد السياسة الواضحة والاستراتيجية". وأضاف لو أن الهدف اسقاط صدام حسين فلقد مر ما يكفي من الوقت لو أنها كانت قادرة على فعل ذلك. وعلى الرغم من العلاقات الممتازة بين واشنطنوانقرة وتأكيد اجاويد في برنامج حكومته على ضرورة تعزيز العلاقات بين البلدين، فلقد كانت السياسة الأميركية تجاه العراق، وخصوصاً، بشأن اكراده، مصدر قلق ومخاوف من أن تمهد الطريق لقيام كيان كردي مستقل. وكان الموقف التركي على الدوام يصر على تمسكه بوحدة أراضي العراق. ومن المعروف أن اجاويد من أكثر السياسيين الأتراك تشدداً في السياسة الخارجية في ما يعتبر مساً بالموضوع الأمني والوطني التركي، وتصفه أوساط برلمانية أوروبية بالسياسي الذي لا يساوم بشأن المسألة الكردية أو قضية قبرص. لهذا يحظى بدعم واحترام المؤسسة العسكرية. موقف اجاويد المعارض والمنتقد لسياسة واشنطنالعراقية، يعود الى بداية حرب الخليج. في 1991 كان أول سياسي تركي يزور العراق كزعيم لحزب اليسار الديموقراطي المعارض، حيث التقى طارق عزيز وهاجم نية الولاياتالمتحدة الحفاظ على تواجدها العسكري في شمال العراق لفترة غير محددة. وفي العام الماضي كان موقفه بارزاً في انتقاد واشنطن لرعايتها لقاء المصالحة بين الزعيمين الكرديين العراقيين مسعود البارزاني وجلال الطالباني واستبعاد انقرة، واعلن كنائب لرئيس الوزراء عن قرار تعيين سفير تركي لدى بغداد. وفي حين اكتفى موقف الحكومة السابقة من عملية "ثعلب الصحراء" بالاعلان عن مراقبة الوضع عن كثب فإن تصريحات اجاويد الأخيرة، ومواقفه السابقة، تفسح المجال أمام التساؤل عن احتمال ازدياد التناقض بين واشنطنوانقرة نحو العراق. من ناحيتها التزمت الادارة الأميركية الصمت ولم تعلق على ما قاله اجاويد. فتأكيدات المسؤولين الأميركيين على استمرار جهودهم لمواجهة الخرق العراقي لمنطقتي الحظر الجوي في الشمال والجنوب، وبالتالي تصعيد المواجهة مع صدام حسين تثير قلق تركيا من احتمال تفتت العراق وقيام الأكراد باعلان دولتهم في الشمال. ولقد حرص رئيس الوزراء التركي على التأكيد على ان بلاده لن تسمح باستعمال قاعدة "انجرليك" الجوية التركية خارج نطاق مهام الرقابة، وعن انطلاق الطائرات الأميركية من القاعدة المذكورة واطلاقها النار على رادار عراقي، ثلاث مرات في الاسبوع الماضي، بعذر تعرضها لنيران عراقية قال: "إنها حجة يستعملونها". بالطبع ونظراً لأهمية العلاقة مع اميركا لا تسعى "انقرة" لمناقضة السياسة الأميركية إلا أن ما قاله اجاويد يشرح احباطاً تركياً من لاسياسة واشنطن وعدم جدوى ما تقوم به في ايجاد حل مهما كان للمشكلة العراقية، والتي يشكل استمرارها مخاطر جدية بامكانية تحول منطقة شمال العراق الى كيان كردي مستقل بمرور الوقت وانعكاس ذلك على القضية الكردية في تركيا. وكانت الدولة التركية، على الدوام، تنظر بعين الحذر وتقبل على مضض التطمينات الأميركية والبريطانية بأخذ مصالحها بعين الاعتبار. ان موضوعاً بحساسية العلاقة مع واشنطن والموقف من العراق لا يقرره اجاويد أو غيره من رؤساء الحكومات، والاقدام على تغيير كبير في الموقف التركي شأن يقرره مجلس الأمن القومي حيث للمؤسسة العسكرية ثقلها ورأيها في اتجاه السياسة التركية الخارجية والداخلية. إلا أن وجود اجاويد على رأس الحكومة يعني ان انقرة لن تتردد للحظة في معارضة سياسة واشنطن، بغض النظر عن النتائج، اذا شعرت بمخاطر تهدد فعلاً مصالحها وأمنها ووحدة اراضيها. فأجاويد قبل لقاء المصالحة في العاصمة الأميركية بين مسعود البارزاني وجلال الطالباني حذر من أن العاصمة التركية لن تقبل استعمال كلمات من نوع "فيدرالية" أو "حكم ذاتي" أو "كردستان". فلننتظر آثار الجديد التركي على القديم العراقي - الأميركي.