"ملف الإعلام مفتوح بالمطلق" جملة أطلقها رئيس الحكومة اللبنانية سليم الحص غداة صدور قرار من مجلس الوزراء، في اجتماعه الأول، قضى باسترداد المراسيم المتعلقة بتوزيع أقنية البث والترددات، قبل أن يصبح ذلك عسيراً "بمرور الزمن"، وبتكليف وزير الإعلام وضع دراسة في وقت قريب للملف الإعلامي تأخذ في الاعتبار اعادة النظر في القانون المتعلق بالبث التلفزيوني والإذاعي. والإعلام كان من أكثر الملفات "الشائكة" التي واجهت العهد السابق، تعقيداً وتشعباً. وكانت الحلول ونتائجها، المرتجل منها والمدروس، غير خالية من "تحاصص" و"غبن" لحق بمؤسسات إعلامية، تلفزيونات وإذاعات، كثيرة كان بعضها يعمل بأجهزة وموظفين يصل عددهم الى نحو 350. لكن واقعها هذا، لم يشفع لها لتنال ترخيصاً إذ غلب التحاصص السياسي كل اعتبار وحلت مؤسسات حديثة النشأة، أو كانت لم تؤسس بعد، محل مؤسسات كثيرة نشأت خلال الحرب. ولحظت وثيقة الوفاق الوطني الطائف صراحة "اعادة تنظيم جميع وسائل الإعلام" التي بلغ عددها نحو 30 تلفزيوناً و152 إذاعة. وتطبيقاً لبند وثيقة الوفاق الوطني، أصدرت الدولة، بعد مخاض عسير دام عامين بين مجلسي الوزراء والنواب واللجان النيابية، القانون الرقم 382 في العام 1994 ويتعلق "بالبث التلفزيوني والإذاعي" تضمن بنوداً كثيرة لناحية تنظيم المؤسسة الإعلامية من رأس المال والملكية والأجهزة التقنية والبشرية ومصادر التمويل منها تأمين مصاريف العام الأول ورسم الترخيص 250 مليون ليرة ونوع البرامج التي يجب أن يكون معظمها انتاجاً محلياً، وحدد فئات المؤسسات أولى وثانية وثالثة وغيرها الكثير من البنود. لكن القانون لم يأخذ في الاعتبار المؤسسات الموجودة، بل وضع شروطاً على كل مؤسسة إعلامية تتأسس، أو تعمل، ان تلتزمها وتستوفيها، وبهذا يرى البعض أنه القانون خالف الطائف الذي نص على اعادة تنظيم "جميع" المؤسسات. وأنشىء بموجب القانون "المجلس الوطني للإعلام" لإبداء الرأي والمراقبة، انتهت ولايته في 30 تشرين الأول/ اكتوبر الماضي، و"الهيئة الوطنية للبث الإذاعي والتلفزيوني" لتتولى درس كل ما يتعلق بالجانب الفني، ووضع دفتر شروط وطلب من المؤسسات تقديم طلبات، في وزارة الإعلام، الترخيص بناء عليه. وبعيد صدور القانون وتقديم الطلبات، برزت سجالات ونقاشات عدة بين المؤسسات الإعلامية والوزير وأبرزها نقاش تقني عن مدى سعة الفضاء اللبناني، فبعضهم قال "واحدة" وبعضهم "اثنتين" وبعضهم "ستاً" وبعضهم قال بين "عشرات قنوات و12". وهذا رأي المؤسسات الإعلامية التي ألّفت في حينه لجنة فنية درست الإمكانات، مستبقة الدولة التي اعتبرت "ان الفضاء يتسع لست". وسئل حينها الوزير "ماذا ستفعلون إذا استوفت عشر مؤسسات الشروط"؟. أجاب "سنختار ستاً". وهذا ما حصل فعلاً، ولجأت الحكومة الى الاستنساب والتحاصص إذ رخصت ل"المؤسسة اللبنانية للإرسال" و"تلفزيون المستقبل" يسهم فيه رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري و"الشبكة الوطنية للإرسال" يسهم فيه رئيس المجلس النيابي نبيه بري، وكانت في حينه غير قائمة بعد وأعطيت ترخيصاً بناءً على التزام على "ورقتين" أنها ستلتزم دفتر الشروط وتستوفيه، و"أم.تي.في" يسهم فيها شقيق وزير الداخلية نائب رئيس الحكومة ميشال المر، و"المنار" ل"حزب الله" و"تلفزيون لبنان" صاحب الحق الحصري في البث على موجة V.H.F. اضافة الى مؤسسات لا تزال تبث من دون ترخيص ولا يجرؤ أحد على اقفالها. والطريف أن ثمة مؤسسات جاء في تصريحها عن سبل تمويلها عملاً بنص القانون انها "تعتمد مساعدات المحسنين" ومثلها إذاعة طلبت ترخيصاً بإسم "مطعم وكاباريه وإذاعة... كذا". وقبل أن تعطى التراخيص كلفت "هيئة البث" وضع تقرير فني ليرخص بموجبه بناء على توصية "المجلس الوطني" لكن "الدولة أصدرت التراخيص قبل صدور التقرير. وهو لم يصل الينا حتى اليوم" على ما قال ل "الحياة" عضو المجلس الوطني المحامي توما عريضة. وفي حين يرى عريضة ان الحكومة ارتكبت خطأين، الأول كان وليد قرار سياسي إذ انشأت مجلساً للإعلام وأعطته "هالة معنوية من دون وسائل التطوير ليقوم بدوره"، والثاني "ان السلطات الرسمية والإدارات المخولة تطبيق القانون لم تقرأه والدليل على ذلك اتخاذ قرار الترخيص". ورأى ابراهيم الحلبي، وهو يعمل في احدى المؤسسات التي لم يرخص لها وتحولت شركة انتاج، ان بقية المؤسسات لم تعطَ تراخيص "لأسباب سياسية لا لأسباب إدارية أو قانونية". ويقول: "هناك مؤسسات استوفت الشروط ولكن كان في الترخيص استنساب سياسي"، معتبراً ان الغاية من ذلك الهيمنة على السوق الإعلامية لتليها في ما بعد هيمنة على السوق الإعلانية". وإذ اعتبر الحلبي أن في السوق الإعلانية اللبنانية "مبالغ كبيرة تتفاوت بين 80 مليون دولار و90مليوناً"، يوضح بعض الخبراء ل "الحياة" "ان سوق الإعلان التلفزيوني في لبنان تقدر بنحو 55 مليون دولار". وهذا المبلغ يكفي محطتي تلفزيون أو ثلاثاً على الأكثر. ويعتبر الحلبي "ان المردود الإعلاني سيبلغ مئتي مليون دولار إذا أصبحت المؤسسات اللبنانية تبث فضائياً واستقطبت السوق العربية والعالمية". ويقول: "ان احتكار هذه السوق يعني احتكار المال وتالياً اخضاع السياسة البرامجية والأخبارية في الإعلام لسياسة محتكر السوق الإعلانية". وهنا تبرز معضلة وجملة أسئلة تطرح، وخصوصاً على الحكومة الجديدة التي ستعالج الموضوع الإعلامي وترد "الغبن اللاحق ببعض المؤسسات"، هل تكفي السوق الإعلانية المحلية لتمويل كل المحطات؟. وكيف ستستقطب الأسواق العالمية؟. هل هناك إمكان لتصبح كل المؤسسات على الفضاء، علماً أن تلفزيون لبنان لا يزال منذ أعوام منتظراً دوراً أو خلو محطة فضائية ليبث عليها؟. وهل تبقي الحكومة السوق الاعلانية من دون قانون ينظم عملها؟. وهذا ما أغفلته الحكومة السابقة. أما قانون الإعلام الذي يشعر البعض أن فيه تناقضات بين فقراته ومواده، ويرى البعض الآخر أنه لم يطبق لمعرفة "مكامن الخلل فيه"، وتنوي الحكومة تعديله، يعتبره عريضة جيداً مقارنة مع القوانين التلفزيونية الدولية "لما فيه من شفافية حتى في تفاصيله"، موضحاً "ان كل المؤسسات المرخصة تعهدت التزام القانون ودفتر الشروط، الذي عملنا عليه أشهراً، وتطبيقهما" ولكنها "لم تقرأه ولم تنفذه". ويقول "هناك عدم احترام كامل لدفتر الشروط ولبعض نصوص القانون". وأشار الى أن المجلس أصدر أكثر من عشرين مذكرة موجهة الى مجلس الوزراء، ونشر معظمها، تشير الى مكامن الخل وامكان تصحيحه، فأصبح الموضوع "كأنه مطروح خارج الصحن"، علماً أن للمجلس دوراً استشارياً مهماً، ولكن في الممارسة "اختلفت القصة". ولم يستطع المجلس أن يقوم بدوره الأساسي وهو الرقابة على أداء المؤسسات وبخاصة في السنة الأولى قبل اعطاء الترخيص ومدته 15 عاماً. فالسنة الأولى حددها المشترع للتثبت من أن المؤسسة استوفت دفتر الشروط الذي حدد البرامج على النحو الآتي: 36 ساعة من البرامج الدرامية في السنة الأولى للترخيص وتصبح 39 ساعة اعتباراً من السنة التالية. و678 ساعة من البرامج المختلفة التي تتناول مواضيع الأخبار والبرامج السياسية والمنوعات الغنائية والألعاب والمجلات المنوعة والمسرحيات المصورة. وعليها أن تخصص ساعة أسبوعياً لبث برامج التوجيه الوطني. وعليها أيضاً أن تحفظ حقوق الغير عن طريقتوقيع عقود مع أصحاب الحقوق تحدد فيه قيمتها. وعليها في الواجبات أن تقدم الى المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع شبكة البرامج النهائية وكل تعديل يطرأ عليها ونسخة من جدول البرمجة اليومية وكشفاً شهرياً بالبرامج المحلية التي عرضت و"مدة كل برنامج وتاريخ وساعة عرضه"، وكشفاً شهرياً بالبرامج العالمية ونسخاً عن الوثائق التي بموجبها اشترت المؤسسة حقوق البرامج التي عرضت سواء أكانت مسجلة على أشرطة أم عرضت مباشرة على الهواء، وعليها أيضاً، حفاظاً على حقوق المؤلف والملحن والناشر أن تقدم كشفاً شهرياً يتضمن تفاصيل المواد الغنائية التي بثت خلال الشهر. وإذا تخلفت أي مؤسسة عن التزام الواجبات تتعرض لعقوبة تتفاوت بين غرامة قيمتها خمسة ملايين ليرة لبنانية، وتوقيفها عن البث أسبوعاً. ولكن هل تلتزم المؤسسات؟ وهل هناك رقابة فعلية عليها؟، يقول عريضة ان المجلس لم يستطع أن يقوم بدوره لأنه لم يعط وسائل التطوير المادية والبشرية ويسأل "أنجلس امام الشاشة من الصباح الى الليل لنرى ماذا يقولون ويفعلون ونحن عشرة أعضاء؟". ويوضح أن المؤسسات التي رخص لها تعهدت التزام القانون ودفتر الشروط، لكن القيمين عليها "لم يقرأوه" على الأقل. ويؤكد "ان هناك عدم احترام كامل لدفتر الشروط ولبعض نصوص القانون". وقال "جاءت مرة شكاوى كثيرة على إحدى المؤسسات أنها تأخذ قنوات في الفضاء وتشوش على غيرها، وبعد اجتماعات طويلة، علماً أن للمجلس حق اقفالها ثلاثة أيام، لم يجرؤ أحد على اتخاذ القرار". ويعتبر أن السنة الأولى التي نص عليها القانون، يجب أن يتثبت المجلس خلالها من استيفاء المؤسسة دفتر الشروط لإعطائها الترخيص، لم تبدأ بعد". على رغم أن المؤسسات تعمل منذ نحو أربع سنوات. والى ذلك تفيد معلومات ان المؤسسات المرخصة بدأت قبل مدة قصيرة، أي حين أعيد طرح موضوع الملف الإعلامي، بتسوية أوضاعها الإدارية لناحية تسجيل موظفيها في الضمان الاجتماعي، علماً أن دراسة نشرت في بعض الصحف عام 1996 أظهرت ان عدد موظفي "أم.تي.في". المسجلين في الضمان 43 ، وعدد موظفي "المؤسسة اللبنانية للإرسال" 221، وعدد موظفي "المستقبل" 481، وعدد موظفي تلفزيون لبنان 494. وفي الموضوع التقني فرض القانون على كل مؤسسة أن تغطي كل الأقضية اللبنانية، فهل تقوم المؤسسات الحالية بذلك؟. وهل يتسع الفضاء اللبناني لأكثر من ست محطات؟ يجيب عريضة "البعض رأى ان الفضاء يتسع لقناتين والبعض الآخر لثلاث ورأي ثالث لست. هذه آراء لكن التقرير الفني هو الذي يحسم الأمر. ونحن في المجلس قررنا عدم الأخذ بأي اعتبار لناحية العدد من دون الاعتماد على دراسة علمية". وأوضح ان المجلس ظل يطالب الحكومة بالمخطط التوجيهي لاستعمال الأقنية والترددات. وفي آذار مارس الماضي أحضر المدير العام للاستثمار والصيانة في وزارة المواصلات السلكية واللاسلكية الدكتور عبدالمنعم يوسف الذي تعذر على "الحياة" الاتصال به مخططاً علمياً استغرق وضعه وقتاً طويلاً يوضح فيه أن الفضاء يتسع لست محطات معتمداً فيه على الكثافة السكانية في كل قضاء لناحية التغطية". ويضيف عريضة "قد يكون يوسف على صواب. ولكن طلبنا منه احضار الخريطة التقنية لمطابقتها من أجل معرفة ما إذا كانت التغطية تشمل كل الأقضية عملاً بالقانون، لاعتماده والسير به. ولكن انتهت ولايتنا ولم يحضر الخارطة بعد". وأضاف "وطلبنا من الوزير وكان وقتها الرئيس الحريري أن يطلب من مندوب لبنان لدى الأممالمتحدة أن يرسل خبيراً من الاتحاد الدولي حيث تسجل القنوات وهو تابع للأمم المتحدة، فقال "حاضر" وحتى اليوم لم يأتِ هذا الخبير". أما الحلبي فيرى أن المخطط التوجيهي كان يجب أن تضعه جهة محايدة كأن يستعان بشركة عالمية. وأكد أن لا مؤسسة تستطيع أن تغطي لبنان كله بسبب طبيعته، وليس في الضرورة أن يغطى كله، وتفسير القانون لناحية التغطية تعني ديموغرافياً لا جغرافياً. ويقول "بحسب تجربتنا السابقة يمكن أن نغطي معظم المناطق بنسبة 70 في المئة بثلاث محطات. الآن أعطوا لكل تلفزيون 6 محطات يستخدم منها ثلاثاً وبقي في الفضاء ست محطات من دون استعمال. ما عدا محطات الجيش. هذا على النظام الحالي أما إذا دخل الرقمي فالأعداد تتضاعف مراراً. وماذا سيفعلون عندها؟ ويقول "الآن أصبح بعض أعضاء المجلس الوطني يعترفون بخطأهم حيال بعض المؤسسات". في البداية قيل ان الفضاء يتسع ل12 إذاعة واليوم أصبح العدد 36". على أي حال الموعودون بإعادة فتح هذا الملف كثر ويترقبون اعطاءهم تراخيص. وكثر أيضاً يترقبون المعالجة المرتقبة من الحكومة. هل تجد العدد الموجود كثيراً أو قليلاً؟ وهل تعيد النظر في القانون؟ وهل تصدر قانوناً للإعلان؟ وهل تنجو من مطبات العهد السابق؟ وماذا ستفعل بالإعلام الديني وبالمؤسسات الإعلامية الدينية التي لا تزال تبث من دون ترخيص ومن دون أن يجرؤ أحد على إيقافها، علماً أن القانون حصر الإعلام الديني من خلال برامج تقدم على تلفريون لبنان، أما التلفزيونات الأخرى فإذا أرادت نقل احتفال ديني فعليها أن تحصل على اذن مسبق