لم تُرضِ الطبعة الأولى من "معجم البابطين" كلّ الشعراء العرب على ما بدا فاعترض بعض الشعراء المعروفين على إدراجهم مع شعراء مجهولين ومبتدئين واحتجّوا على مبدأ الصفحتين اللتين فاز بهما كل شاعرٍ أيّاً كان حجمه. فالمساواة في الصفحات جعلت في نظرهم كلّ الشعراء متساويين في الحجم على رغم اختلاف طبقاتهم. بل إن الشعراء كلهم غدوا في طبقة واحدة: الشعراء الروّاد والشعراء العاديّون والشعراء المبتدئون... وكذلك شعراء العمود وشعراء التفعيلة وشعراء النثر... إلا أنّ شعراء آخرين اعترضوا على تجاهل المعجم لهم وعلى تناسيه إيّاهم عمداً أو سهواً فلم تُدرَج أسماؤهم ضمن ما أدرج من أسماء معروفة وغير معروفة. ولم تخيّب لجنة المعجم هؤلاء المعترضين فشرعت في ادراج أسمائهم وأسماء سواهم في ملحق يصدر قريباً. ولم تمضِ اللجنة في عملها هذا نزولاً عند رغبة المعترضين فقط وإنما إيماناً منها بأنّ على المعجم ألا ينسى من لا ينبغي نسيانهم. وقد لا يلام كثيراً المندوبون والمراسلون الذين جمعوا الأسماء طالما أنّ صاحب المعجم سمّاهم "رواة" يتنافسون في جمع طبقات الشعراء وفي التعريف حتى بالمقلّين منهم والمجهولين. فالرواة غالباً ما تخونهم الذاكرة وهم معرّضون كذلك للتحريف العفوي وغير العفويّ أحياناً في ما يروونه، وكان لا بدّ من أن يشوب عمليّةَ الاختيار بعضُ الميول والنزعات والعواطف فغاب من غاب وحضر مَن حضر وطغت أقطار على أقطار وبلدان على بلدان على رغم أن المعجم "لم يقصر جهده على منطقة جغرافية دون أخرى" كما جاء في المقدّمة. وأصرّت اللجنة على "الصفة" العربيّة العامّة في تعاملها مع الشعراء وليس على الصفة القطريّة. إلا أنّ الأبحاث التي أُرفقت بالمعجم تناولت الحركة الشعرية العربية تناولاً قطرياً فتمتّعت بعض الأقطار شعرياً باهتمام وفير وافتقرت بعض الأقطار الى الاعتناء الحقيقي والمفترض. وفي حين برزت أسماء شابّة وواعدة في بعض الأبحاث غابت عن أبحاث أخرى أسماء يصعب بل يستحيل تجاهلها أو تناسيها. ولئن حمل عنوان المعجم صفة "المعاصرة" كهوية شعرية فهو لم يسعَ الى بلورة مفهوم الشعر العربي المعاصر ولا الى التمييز بين الشعر المعاصر والشعر الراهن. فالمعاصرة لا تعني أبداً الاكتفاء بالشعراء الأحياء بل هي تعني أكثر ما تعني الحركة الشعرية التي طبعت المرحلة المعاصرة سواء رحل شعراء هذه المرحلة أم كانوا أحياء. وبدا فعلاً من غير المقنع تغيّب أسماء كبيرة عن الشعر العربي المعاصر ومنها مثلاً: بدر شاكر السيّاب وصلاح عبد لصبور ويوسف الخال وخليل حاوي وأمل دنقل وسواهم. وخطيئة هؤلاء أنّهم توفّوا قبل الأوان في حين صمد رفاقهم بل أسلافهم من أمثال سعيد عقل ومحمد مهدي الجواهري الذي رحل بعد صدور المعجم... وما أصعب أن يحضر عبدالوهاب البيّاتي ونازك الملائكة وأن يغيب رفيقهما بدر شاكر السيّاب الذي شاركهما أو شاركاه ثورة الحداثة الأولى. أمّا غياب أو تغيّب أو تغييب شعراء أمثال أدونيس ومحمد الماغوط وفؤاد رفقة وسركون بولص وسواهم فهو يترك فراغاً واضحاً في المعجم إذ يستحيل الكلام عن الشعر العربي المعاصر من دون التوقف عند تجربة أدونيس الحديثة وتجربة محمد الماغوط المضيئة. وربّما رفض بعض الشعراء أن يملأوا "الأضبارات" بأنفسهم وأن يكتبوا عن أنفسهم مادحين أيّاها مثلما فعل بعض الشعراء العاديين في المعجم. وهذه طريقة غير سويّة في انشاء المعاجم الشعرية والأدبية. فالمفترض أن تختار لجنة المعجم الأسماء وأن تعمد الى تقديمها بحسب ما تستحقّ وأن تمنحها الصفحات التي تليق بها. أمّا إفراد صفحتين لكلّ شاعر مبتدئاً كان أم رائداً فهذا ما لا يمكن الاقتناع به. وكم من شعراء ضمّهم المعجم لم يصدروا أيّ كتاب! بل كم من نقاد وروائيين وباحثين جامعيين استفادوا من الفرصة التي أتاحها المعجم ليُدرجوا فيه أسماءهم كشعراء وهم إمّا كتبوا الشعر باكراً وهجروه وإمّا فشلوا في أن يصبحوا شعراء فعلاً. ألف وستمئة وأربعة وأربعون شاعراً ضمّتهم الطبعة الأولى من "معجم البابطين" وسوف يزدادون قريباً غداة صدور الملحق. وهم في معظمهم يميلون الى الشعر العموديّ والشعر الحرّ أو شعر التفعيلة. أمّا شعراء قصيدة النثر فهم القلّة القليلة التي لم تستطع أن تبرز في المعجم. على أنّ صفحات كثيرة أُفردت لقصائد تدّعي النثر وهي براء منه مثلما هي براء من الشعر نفسه. وكذلك حال بعض القصائد العمودية والحرّة التي غدت مجرّد نظم موزون ومقفّى. غير أنّ "معجم البابطين" الذي ليس له ما يماثله في المكتبة العربية يظلّ مرجعاً لقراءة بعض السير المختصرة وبعض القصائد. ويكفي أن يوفّر للقراء العرب بعض الإفادات عن شعراء "الوطن" العربي. وان كانت الأعمال بالنّيات فإنّ معجم البابطين هو ثمرة نيّات طيّبة وطيّبة جداً.