بلغة الارقام، يمكن للمراقبين ان يقرأوا ماذا اراد الالمان ان يقولوا عبر الانتخابات التي جرت الاحد الماضي. فعدد المقترعين بلغ نحو خمسين مليوناً من اصل ستين يحق لهم الانتخاب. وصحيح ان نسبة المقترعين في هذه الدورة بلغت 83.3 في المئة بزيادة 3.3 في المئة عن الدورة السابقة الا ان هذا يعني ايضاً ان عشرة ملايين ناخب تخلّفوا عن المشاركة. مليون ونصف مليون صوت اعتبرت ملغاة، وبعد استبعادها توزعت المقاعد في المجلس النيابي الجديد على الشكل الآتي: 298 مقعداً للحزب الاشتراكي الديموقراطي اي بزيادة 46 مقعداً عن المجلس السابق. 245 مقعداً لاتحاد الحزبين المسيحيين: الديموقراطي والاجتماعي اي خسر الحزبان 49 مقعداً. 47 مقعداً لحزب الخضر و44 مقعداً لحزب الديموقراطيين الاحرار و35 مقعداً لحزب الاشتراكية الذي يضم قسماً من قدامى الشيوعيين. وافادت هذه الارقام ان الحزب الاشتراكي الديموقراطي هو الفائز الاكبر ومرشحه غيرهارد شرودر هو مستشار المانيا المقبل، المستشار السابع في تاريخ المانيا الحديثة والمرشح الاول الذي يهزم خصماً نافسه من موقع مستشار. وسيصبح ترودر اول مستشار الماني يحكم من العاصمة التاريخية برلين بعدما كان الحكم انتقل الى بون منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وحسبما يقول منطق الارقام والتحالفات فالحكومة المقبلة ستضم وزراء ينتمون الى حزب الخضر اضافة طبعاً الى الوزراء الاشتراكيين الديموقراطيين الذين سيشكلون القسم الابرز منها. وبدأت المفاوضات بين الحزبين بشأن الحكومة الائتلافية. الخاسر الاكبر كان المستشار هلموت كول هو وحزبه المسيحي الديموقراطي، فيما حصر حزبه الشقيق "المسيحي الاجتماعي" الخسارة بثلاثة مقاعد فقط وحافظ على قواعده في ولاية بافاريا. الاحزاب التي كانت ممثلة في المجلس السابق ورجعت اليه، ومنها حزب الاشتراكية الديموقراطية، الذي نجح هذه المرة في تجاوز نسبة الخمسة في المئة . وعزز مواقعه في شرق المانيا وكسب خمسة مقاعد اضافية. ونجاحه في شرق المانيا حجّم وجود الاحزاب اليمينية المتطرفة التي منيت بهزيمة فادحة. من الارقام يستخلص المرء ايضاً ان الالمان قالوا وداعاً لهلموت كول واهلاً برياح التغيير التي يقودها غيرهارد شرودر الذي يحظى مع حزب الخضر بغالبية مستقرة. واحزاب الائتلاف الحاكم السابق، اعلنت انها ستحول الى احزاب معارضة. اما حزب الاشتراكية الديموقراطية فسيبني مواقفه حسب القوانين التي ستسنها الحكومة. لكن حتى وان تحول الى المعارضة، ستبقى الحكومة مدعومة بغالبية تجعلها تتحرك بحرية. دون اغفال انها تحظى ايضاً بدعم مجلس الولايات، الشبيه بمجلس الشيوخ في دول اخرى، حيث يحظى الحزب الاشتراكي الديموقراطي بغالبية مريحة. هكذا خرجت الديموقراطية منتصرة في المانيا، وكانت الحملة الانتخابية اتسمت بالنزاهة والترفع عن المهاترات، وكانت حامية لكنها لم تكن حادة او عنيفة. وبعد اعلان النتائج ظهر النبل في الكلمة التي القاها المرشح الفائز شرودر لدى توجيه تحية التقدير الى سلفه هلموت كول ووصفه بأنه كان خصماً محترماً ومستشاراً سجل في التاريخ انه حقق الوحدة الالمانية، كما ظهر لدى توجيه الشكر الى حزبه الذي عاونه وخص بالذكر المستشار السابق هلموت شميت ورئيس الحزب اوسكال لافونتين. اما كول فتمنى لشرودر التوفيق واعلن انه لن يترشح مجدداً لرئاسة الحزب الديموقراطي المسيحي. واذا كان الاشتراكيون الديموقراطيون والخضر يتفاوضون على شكل الحكومة وعلى السياسة الداخلية والاقتصادية، فلن يحدث "التغيير" في السياسة الخارجية. وقد اعلن شرودر فور فوزه ان الثوابت الاوروبية ستبقى على قواعدها، واوضح ان المحور الالماني - الفرنسي سيظل اهم محور في اوروبا وله اهميته التاريخية. والطريف ان الرئيس الفرنسي جاك شيراك الديغولي بادر الى توجيه الدعوة الى شردور الاشتراكي لزيارة باريس. وهكذا العلاقات الفرنسية - الالمانية دائماً: كان الود قائماً بين هلموت شميت الاشتراكي وجيسكار ديستان اليميني ثم بين هلموت كول اليميني وفرنسوا ميتران الاشتراكي. ولن تكون مهمة شردور في الاتحاد الاوروبي معقدة، فحكومات دول هذا الاتحاد - ما عدا اسبانيا وايرلندا - وردية اللون اشتراكية.