سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
المناصب لم تعط ضمانات للموارنة والمرحلة المقبلة تتطلب وفاقاً حقيقياً . روبير غانم : دستور الطائف ليس منزلاً ولم يتمكن من اعادة العافية الى الجسم السياسي
الوزير السابق، والنائب المحامي روبير اسكندر غانم، أحد المرشحين الذين تتردد أسماؤهم في انتخابات الرئاسة الأولى في لبنان، على رغم حداثة عهده في الملعب السياسي اللبناني. فهو دخل المعترك نائباً منتخباً في العام 1992، ودخل حكومة الرئيس رفيق الحريري الثانية وزيراً للتربية، فغاب عن حكومته الثالثة بعد انتخابات 96 لأنه لم يعلن فوزه في انتخابات 96، عن البقاع الغربي في محافظة البقاع، لكنه عاد نائباً بالتزكية بعد أشهر قليلة في انتخابات فرعية تقررت نتيجة قبول الطعن الذي تقدم به ضد منافسه. ومع حداثة غانم في اللعبة، فإن طرح اسمه يرتبط في نظر البعض، باتزانه واعتداله وبصداقته مع رئيس الحكومة رفيق الحريري ومع المسؤولين السوريين. لكن نجل قائد الجيش السابق في السبعينات يدرك، حسب قول الذين يتتبعون تحركاته واتصالاته أن مرشحين آخرين يتقدمونه في الخطوط، في شكل جعله لا يتصرف على الدوام على أنه مرشح فعلي، تاركاً للاعتبارات المختلفة في اختيار الرئيس العتيد أن تأخذ مداها، على رغم ان البعض كان راهن على ان اسمه في اللائحة القصيرة من المرشحين، قد يجعله يقفز الى الصدارة كونه من الأطراف. وأجاب غانم عن أسئلة "الحياة" كالآتي: فشل تجربة الإصلاح الإداري كان له اسباب عدة ما هي في رأيك: هل ان تغيير الاشخاص في السلطة يسمح بنجاح الإصلاح؟ - أجريت محاولات عدة للاصلاح الاداري. والاولى المهمة في عهد الرئيس فؤاد شهاب اذ انشئت المؤسسات الرقابية ومجلس الخدمة المدنية وهيئات التفتيش. وأدت دوراً مميزاً الا ان تدخل السياسيين حال دون استكمال تحصين هذه الاجهزة. اما المحاولات الباقية فجاءت مجتزأة ومن دون معايير صحيحة. فالاصلاح الاداري لا يمكن ان يكون مرحلياً أو ظرفياً لأنه يرتكز الى مقومات ومعايير تقتضي استمراره. ولأن وضع الادارة لم يكن سليماً، خصوصاً بعد الاحداث اللبنانية التي استمرت سنين، كان يقتضي لملمة الادارة وليس "فلشها" باضافة ادارات ووزارات متشابكة الصلاحية والمهمات، وهذا شبيه ببناء يلزمه دعم فاذا بنا نضيف اليه طبقات جديدة. ان اي عملية اصلاح تتطلب أولاً قراراً سياسياً وارادة أكيدة بقيام دولة المؤسسات، اذ لا يمكن وجود الدولة الا بوجود ادارة فاعلة هي أداة للدرس والتخطيط والتنفيذ. ويجب اعادة النظر في وضع الهيئات الرقابية من حيث هيكليتها واشخاصها وصلاحياتها ودورها، وتحصينها باشخاص مشهود لهم بكفاياتهم ونزاهتهم وتجردهم. فالحصانة تأتي اولاً من شخصية المسؤولين عن الادارة لا من التشريعات التي تحمي هؤلاء المسؤولين. لا يمكن الفصل عضوياً بين الادارة والسياسة لان الادارات الرسمية يترأسها وزير يتمتع بالتالي بصفتين: سياسية وادارية. لكن المهم فصل السياسة عن الادارة والتزام الكفاية بدلاً من المحسوبية. وبمقدار ما يترفع الوزير عن مصالحه السياسية أو الفئوية تستقيم أمور ادارته. الادارة في لبنان ترهلت ونحن اليوم في عصر الانترنت والتكنولوجيا المتقدمة في سرعة فائقة. ويجب انشاء وزارة للتخطيط وتفعيل بعض الادارات كالابحاث والتوجيه وجعلها مستقلة تسهم في التحديث من اجل اختصار المعاملات وفرض الرقابة الذاتية التسلسلية ودمج بعض المصالح والمؤسسات العامة وتحديث التشريعات لمنع التضارب بين صلاحيات الوزارات والادارات أو المؤسسات الرسمية، فضلاً عن المباشرة بوضع اللاحصرية الادارية موضع التنفيذ. كذلك ينبغي تفعيل المعهد الوطني للادارة والانماء بجعله مؤسسة عامة تحت وصاية مجلس الخدمة المدنية لتخريج موظفي الادارات العامة من الفئة الثالثة وما دون، من جهة، ولمتابعة دوراتهم التدريبية من جهة اخرى. هل تعتقد ان تركيبة ما بعد الطائف ناضجة لإجراء تعديلات دستورية كالتي اعلن الرئيس الياس الهراوي نية اقتراحها؟ وهل تتطلب الصلاحيات إعادة نظر أم ان الامر يتعلق بالممارسة؟ - الطائف لم يكن عملاً دستورياً طبيعياً أنجز وكتب في ظروف عادية بعد مناقشات مستفيضة حرة متوازنة بين الاطراف، بل كان عملية قيصرية تهدف قبل كل شيء الى وقف لغة المدفع وصوغ نقاط اتفاق بمباركة عربية ودولية. فدستور الطائف ليس منزلاً، انما هو مدخل لبناء جمهورية لبنانية جديدة هدفها إقامة توازن حقيقي بين السلطات وتعزيز المؤسسات الدستورية. فهو وان اعتبر اداة عدالة سياسية، لم يتمكن من اعادة العافية كلياً الى الجسم السياسي في الممارسة والتطبيق. فأحسن دستور مكتوب يلزمه انسان جدير بتطبيقه والا بقيت قيمته حبراً على ورق. لذلك اذا حزم اللبنانيون امرهم ووجدوا بعد الممارسة الصحيحة للدستور ان ثمة تعديلاً، من شأنه ان يصحح بعض الخلل ويحد من شخصنة السلطات، لمصلحة المؤسسات، ويكون مدخلاً لتطوير النظام البرلماني الديموقراطي في لبنان، فيمكن التوافق علىه. قانون الإنتخاب، على رغم نص اتفاق الطائف على إنجازه، ما زال يتم التطرق إليه موسمياً. متى تتوقع إنجازه؟ أي دائرة تفضل الواحدة، المحافظة، ام الصغرى؟ - نص اتفاق الطائف على إصلاحات دستورية وقانونية، نفذ بعضها كالمجلس الدستوري لمراقبة دستورية القوانين، والمجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي، فيما نفذ بعضها الآخر في صورة أثارت خلافاً وجدلاً، كقانون الانتخاب الذي نصّ، بحسب الطائف، على اعتماد المحافظة دائرة انتخابية. لكن النص لم يطبق في انتخابات العام 1992. اما انتخابات 1996 التي اجريت على اساس المحافظة فكان فيها استثناءات فرضتها ظروف معينة. عملياً، حصل خرق للنص. والموضوع ليس لماذا حصل ومن استفاد منه؟ المهم ان الخرق يؤكد ان في لبنان لا يمكن تطبيق اي نص بحرفيته لان الحكم فيه قائم على التراضي والتوافق بين المواقع والقوى السياسية. ويظهر ان ذهنية الذين يتعاطون بالشأن العام ويقومون بدور على الملعب السياسي لم تصل بعد الى مستوى النظر الى الوطن وحدة كاملة، بل بقيت على صعيد المنطقة والطائفة والمذهب. وهذا الخرق يساعد على طرح السؤال الصحيح لجهة التمثيل في المجلس النيابي: هل يتوخى التمثيل المنطقة أم الطائفة أم المذهب؟ أم يهدف الى تمثيل حزب أو مشروع أو صيغة؟ لو كانت في لبنان حياة حزبية صحيحة، كأن يكون هناك حزبان أو ثلاثة، تتوزّع عليهم اختيارات المواطنين، لكان قانون الانتخاب لا يحدث مشكلة، لان اختيار المواطن، أكان في دائرة ضيقة، أم في محافظة، أم على صعيد البلد ككل، يتجه نحو الاحزاب والمبادىء. اما وان الحياة الحزبية غائبة عندنا، وما يسمى حزباً لا يعدو كونه يمثل تجمعاً طائفياً معيناً الا في حالات نادرة لم يتح لها ان تتسع لتشمل كل شرائح المجتمع، فان توسيع الدائرة أو تضييقها يكون جواباً عن أي تمثيل نريد. وما لم نحسم أمرنا لالغاء الطائفية، سيظل قانون الانتخاب مرهوناً لاعتبارات مناطقية وطائفية لا يمكن تجاوزها بخفة أو القفز فوقها. وفي انتظار الوصول الى الدائرة الواحدة لا بد من اعتماد القضاء أو المحافظة التي تراعي معظم الاعتبارات المذكورة اعلاه. وهذا القانون يجب انجازه خلال سنة 1999. هل يعوض تصحيح التمثيل المسيحي الذي يكثر الحديث عنه عن اجراء تعديلات دستورية؟ - اذا كانت مرحلة ما بعد الطائف أدت الى ابتعاد بعض الشرائح المسيحية عن المشاركة في بناء الوطن لاسباب نفسية أو اجتماعية او سياسية ادت الى احباط هذه الشرائح، فالمهم في المرحلة المقبلة ان تعمل الدولة على احتضان كل الشرائح ولا سيما المسيحية منها. العيش المشترك والوفاق الوطني اللذان نعتبرهما الاساس لبنيان الوطن يقتضيان انخراط الجميع في عملية اعادة البناء، فالمسيحي الذي ادى دوراً مهماً في محيطه العربي والنهضة العربية وحمل لواء الثقافة واللغة العربيتين والروح الاستقلالية والقومية، لا يمكنه التنكر لماضيه المشرق والانكفاء. وأدعو المسيحيين والموارنة تحديداً الى العودة الى اصالتهم والاضطلاع بما يترتب عليهم من مسؤوليات وهم يعرفون ان دورهم اساسي. ولن يكون لبنان بلد رسالة وذا دور تاريخي فريد الا اذا حافظ على اللقاء المسيحي - الاسلامي. وجاء في السينودس من اجل لبنان: ان الاتفاق بين الطوائف المسيحية والاسلامية لا يقوم فقط على تلاقي مصالح عابرة، ولكنه ثمرة اتحاد مؤمنين راسخين كل في ايمانه... وهم رفاق عمل في مدينة الارض ورفاق حجة نحو مدينة الله". ودور الموارنة تحديداً يجب ان يبقى مميزاً بين المسيحيين. وهل يمكن ان نفهم تاريخ لبنان من دون الرجوع الى ما كان عليه الدور الماروني؟ حين أتكلم على الموارنة وشؤون الوطن أتكلم كماروني مؤمن لم يتنكر يوماً لمارونيته. ومارونيتي التي لم تعرف التعصب يوماً شئتها ان تكون من وحي رسالة لبنان الحضارية، وأرى فيها اشراقة ثقافة ودوراً رائداً في العطاء من اجل البناء. وأردد قولاً لفقيد الصحافة ميشال ابو جودة: "على الموارنة ان يعملوا على اساس انه حتى لو فقد جميع الآخرين في لبنان عقولهم وتوازنهم، يجب ان يحتفظوا بعقولهم وتوازنهم. وكما كان الموارنة اول المتمسكين بقيام لبنان، يجب ان يظلوا آخر المتمسكين ببقائه... فالموارنة أكبر من لبنان الصغير، ولبنان الموارنة اكبر من لبنان المسيحي". وأنا بدوري، أعلن تمسكي بهذا الشعار. "ان لبنان وجد ليبقى. والموارنة وجدوا في لبنان ليبقوا فيه كله، وحتى وهم خارجه سيعودون اليه، وحتى وهم خارج بعض اجزائه الآن سيعودون اليها غداً. وأؤكد، إنسجاماً مع موقفي الماروني المنفتح، ان لا بديل من العيش المشترك في لبنان واحد موحد في ظل الحرية والعدالة. فالماروني يرفض وطناً يقوم على الحصص بل يريد وطناً يبنى على المسؤوليات. فالمناصب المارونية لم تعط ضماناً للموارنة ولم تمنع عنهم الحيف والغبن، وهل من ضمان للمواطن في غير الحق والعدالة والقانون؟ لذلك يقتضي اولاً إزالة الشكوك والهواجس بتصويب الممارسة الصحيحة للسلطة وتشكيل اقتناع بان دولة المؤسسات قائمة فعلاً وبأن القانون هو سيد الاحكام وان العدالة تشمل الجميع وان القضاء ساهر على تطبيقها وان القوانين الاساسية ومنها القانون الانتخابي يجب ان تأخذ في الاعتبار مستقبلاً مصلحة جميع اللبنانيين وتسمح بوجود تمثيل شعبي صحيح، لتصحيح أي خلل. فحرية القرار في العملية الانتخابية من شأنها ان تؤدي الى المشاركة من خلال المؤسسات والافساح في المجال امام جميع اللبنانيين للاشتراك في الانتخابات. فالمرحلة المقبلة تتطلب وفاقاً وطنياً حقيقياً يشمل جميع الذين يريدون المشاركة في بناء وطنهم حتى لو اختلفوا على الوسائل. وقيام دولة تحترم القانون وتصون المؤسسات وتنشر العدالة يزيد الطمأنينة والثقة بين اللبنانيين ودولتهم فيشعر كل لبناني ان القانون وحده قادر على حمايته وصون حقوقه. بدا كأن الحديث الاسرائيلي عن تطبيق قرار مجلس الامن الدولي الرقم 425 مشروطاً بمفاوضات على ترتيبات أمنية انحسر، هل يرجع ذلك إلى ان اسرائيل طوت الفكرة لأنها لم تلقَ تجاوباً لبنانياً وسورياً وتشجيعاً أميركياً وفرنسياً، ام تتوقع ان تعود إليها؟ - وقف لبنان رسمياً وشعبياً موقفاً واحداً في مقابل الطروحات الاسرائيلية والهجمة الديبلوماسية والاعلامية التي قادتها حكومة نتانياهو في ما يتعلق بالقرار 425، رافضاً اي تفسير أو تأويل يؤدي الى تفريغه من مضمونه لان القرار لا يتضمن اي نص يوجب مفاوضات أو ترتيبات ترتبط بانسحاب اسرائيل من الجنوب والبقاع الغربي بل على العكس يلزم اسرائيل الانسحاب من دون قيد أو شرط من هذه الاراضي. فبعد هذا الموقف اللبناني، وبعد اعلام المعنيين به من دول عربية واوروبية واميركية نقلاً عن منظمة الاممالمتحدة ان اصبح متعذراً على حكومة نتانياهو اقناع المعنيين بوجهة نظرها. فلبنان يتمسك بحقه كاملاً والرأي العام العالمي اصبح يعرف تماماً ان حكومة نتانياهو مسؤولة وحدها عن تعثر السلام في الشرق الاوسط وهي التي تضع العراقيل في طريقه. لبنان مؤمن بعدالة قضيته ومصمم على الدفاع عن حقه. سلاحه المقاومة الوطنية وقوته دماء الشهداء مدعوماً من صمود شعبه ودفاع قواته المسلحة. وصمود اللبنانيين ووحدتهم وتماسكهم في التصدي للاحتلال الاسرائىلي ومقاومته الشجاعة لم تكن لتبلغ هذه الدرجة من القوة والفاعلية لولا التضامن والتنسيق مع سورية وجيشها الباسل، ولولا تلازم المسارين اللبناني والسوري حتى تحقيق السلام الشامل والعادل. لذلك تمكنا من الصمود طويلاً ونحن نقدم شهداء وخسائر جسيمة في الجنوب والبقاع الغربي، وما زلنا مستعدين للصمود دفاعاً عن حقنا وكرامتنا وسيادتنا. وعلينا ان نكون متحسبين وواعين لكل ما تحيكه اسرائيل حاضراً ومستقبلاً، بما فيه العودة الى طروحات مفخخة. وهي لن تألو جهداً لزعزعة الوضع اللبناني وضرب الوحدة الوطنية وفك المسارين اللبناني والسوري، علماً ان كل هذه المحاولات دليل قاطع الى ان تلازم المسارين يشكل قوة وضماناً في وجه اسرائيل. فرضت الظروف الاقليمية تأجيل البحث في اعادة الانتشار السوري والبعض يعتقد ان نمو قدرة الجيش اللبناني باتت تتيح ذلك. والعلاقات اللبنانية - السورية خضعت لحال من عدم الثقة. كيف يمكن اعادة هذه الثقة خصوصاً بين بعض المسيحيين وسورية؟ - العلاقة بين لبنان وسورية لا ترتكز الى مصالح مشتركة بل الى ان هناك لغة واحدة وثقافة واحدة وتاريخ واحد فضلاً عن علاقة الجوار وصلات القرب. وهي تقوم على الوثائق الرسمية من اتفاقات ومواثيق تعاون وتنسيق على أسس التواصل والحوار والتفاعل المستمر بغية الوصول الى قناعات مشتركة راسخة على ما يجمعنا من طموحات وآمال. والوجود السوري في لبنان الذي كلف سورية تضحيات كثيرة، خصوصاً في الارواح والعتاد، ضرورة استراتيجية للوقوف في وجه العدوان الاسرائيلي المستمر على لبنان ودعم قواتنا المسلحة في التصدي له. فالتحديات الاسرائىلية الخطيرة على لبنان وعلى المسيحيين في الدرجة الاولى والاحلاف المشبوهة التي ظهرت ملامحها اخيراً، تشكل تهديداً لأمن المنطقة وسلامها وتحديداً على سورية ولبنان. وهي تفرض كما تفرض طبيعة الصراع العربي الاسرائىلي، علاقة استراتيجية مع سورية بتلازم المسارين حتى تحقيق السلام الشامل والعادل. وهذه المخاطر يجب الا تغيب عن بالنا يوماً لنتلهى بأمور اخرى مهما كانت مهمة، فالاهم ان يبقى لنا وطن حتى تبقى لنا سيادة فيه. معالجة العجز في الخزينة اولوية الاولويات. هل يكفي خفض الانفاق لذلك أم انه يسبب انكماشاً إذا لم يترافق مع إعادة نظر في الاولويات الاقتصادية والاجتماعية؟ كيف تتم اعادة النظر هذه؟ - من الطبيعي ان تعتمد الدولة سياسة مالية واقتصادية توازن بين مداخيلها ومصاريفها. فارتفاع عجز الموازنة حتى آخر عام 1997 بلغ تقريباً 60 في المئة في حين انخفض في النصف الاول من العام 1998 الى حدود 36 في المئة، ومرد ذلك الى ارتفاع الايرادات العامة بنسبة محترمة قدرت بنحو 28 في المئة للنصف الاول من العام 1998، مقارنة بالمدة نفسها من العام 1997، والى انخفاض النفقات العامة ولو بنسبة محدودة جداً. يذكر ان التوقعات والاهداف المعلنة للبرنامج الاقتصادي منذ العام 1995 من جانب الحكومة والتي ارتكزت الى مبدأ التحكم بالعجز من خلال تطوير الناتج المحلي عبر التأكد من ان المشاريع الانشائية ستولد نمواً مطرداً وثابتاً في حدود 8 في المئة حتى سنوات ما بعد 2005، كانت فرضيات ليس لها تحليل أو تعليل. وظهر خلال العامين 1996 و1997 مدى ابتعاد هذه الاهداف والتوقعات عن الواقع، ما أدى الى تقلص الناتج المحلي مع ازدياد حجم الديون والدخول في دورة انكماش مخيفة. فالديون الداخلية الصافية ارتفعت اكثر من ثلاث مرات منذ اول العام 1994، وارتفع الدين الخارجي أكثر من اربع مرات، الامر الذي زاد في ارتفاع خدمة الدين، لان ثمانين في المئة من الاموال العامة تخصص لتغطية المصاريف العامة وخدمة الدين. والواقع ان المستفيدين من ارتفاع خدمة الدين هم طبقة ميسورة ومحدودة من اللبنانيين. لذلك فارتفاع الايرادات مع اعادة النظر في النظام الضرائبي من اجل توزيع الضريبة على طبقات المجتمع في شكل عادل، من جهة، والتركيز على المشاريع الانمائية في مختلف القطاعات التي تؤمن مردوداً أكيداً للدولة من جهة اخرى، تؤدي الى تفعيل الدورة الاقتصادية وتنشيطها. تضاف الى ذلك ضرورة وضع سياسات وبرامج اقتصادية اجتماعية تزيد نمو فرص العمل. وعامل الثقة بالدولة والقيمين عليها وبأدائهم يؤدي دوراً كبيراً في تشجيع الاستثمار، خصوصاً من جانب اللبنانيين في الخارج أو الذين يوظفون اموالهم في مشاريع خارج لبنان. متى يمكن في رأيك البدء بتطبيق البند المتعلق بالتحضير لإلغاء الطائفية السياسية بحسب الدستور؟ - الطائفية السياسية لا تلغى بل يتم الشفاء منها. فهي أشبه بضعف في الجسد يزول بتعافيه وازدياد حيويته. واعتقد ان مشكلة الطائفية في لبنان حقيقية وعميقة ولا يمكن حلها الا بالاتجاه نحو تلك السلطة التي تطمئن بأنها للجميع. والامر لا يتوقف على تغيير في اشخاص الحكم انما على تغيير في الذهنية السياسية. وهذا لا يكون الا في ظل دولة عادلة وقادرة تقوم على المؤسسات. والأهم ان يشعر المواطن ان القانون يحميه والقضاء يؤمن له حقوقه. إذ ذاك نكون بدأنا بالشفاء من الطائفية وانعكاساتها السلبية على مجتمعنا فتقوم الاحزاب ذات المبادىء والبرامج البعيدة من النظرة الفئوية والطائفية ويمارس المواطن دوره السياسي متحرراً من قيوده لبناء وطن قادر متطور تستقيم فيه ممارسة الديموقراطية. واذا كان مستحيلاً ايجاد حلول جذرية وفورية لمشكلة الطائفية فلا مانع من البدء مثلاً بالغاء طائفية الوظيفة ومن شأنها إصلاح الشأن السياسي، فينظر السياسيون الى الادارة بمنظار المصلحة العامة. وما نقوله عن الادارة نقوله عن القضاء. فنزاهة القضاء وبعده عن المحاباة والهوى شرط اساسي لاستقامة العدل. فالقضاء العادل المستقل ضمان للمواطنين ومبعث ثقتهم واطمئنانهم، ولا نرى مانعاً ان نبدأ بتأليف الهيئة المنصوص عنها في المادة ال95 في الدستور. فهذه الهيئة تتألف من كبار القوم ولا سيما منهم شخصيات سياسية وفكرية واجتماعية، هي على اتصال دائم مع القاعدة، وتتمتع بصفات وخبرة وعلم. وتأليف الهيئة هذه لا يعني الغاء الطائفية السياسية فوراً، بل يعني البدء بوضع خطة مرحلية واتخاذ تدابير تؤدي الى الشفاء من مرض الطائفية كي تلغى في ما بعد. وبذلك نكون خطونا خطوة كبيرة.