مجدداً في العاصمة الفرنسية، وفي "معهد العالم العربي" تحديدا، نُظّم، المهرجان الثقافي الدولي الثاني لشباب مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وهدف الى تعريف الفرنسيين بتجربة بلدان المجلس في مجال التنمية الثقافية. افتتح المهرجان الامير سلطان بن فهد بن عبدالعزيز نائب الرئيس العام لرعاية الشباب في المملكة العربية السعودية بحضور رئيس معهد العالم العربي كميل كابانا وممثل وزارة الخارجية الفرنسية لويس هنكن. في فسحة أولى، قدّم الشباب اعادة تركيب لحياة البحر والشواطىء في الخليج مع مجسّمات لمراكب الصيد أو التجارة، وأقيم مقهى شعبي على غرار مقاهي البحارة قديما من اجل تعريف الجمهور بحياة البحارة بين العودة من رحلة والاستعداد لأخرى. وجلس بعض هؤلاء البحّارة يصغون الى "النهام" في مواويله والى راوية الحيّ في حكاياته. وفي الفسحة ذاتها التي اتّسمت بحيوية واستقبلت ايضا مَضافة عربية وبيت شعر تقليدي، جلس عند الجوانب حرفيون خليجيون ينتجون أمام أنظار الزائرين قطعا فنيّة من الخشب ومن الجير، كما عُرضت الصناعات التي اعتمدت على النخيل والغضار. أما الازياء فكانت لإبراز ملابس الحياة اليومية وثياب الأعياد والمناسبات للرجال والنساء والاولاد، وجاءت قطع الذهب والفضّة والنحاس لتعرّف بصناعة الحرفيين المختصّين في بلاد مجلس التعاون. وفي صالتين مجاورتين، كان الانتقال الى الفنون التشكيلية مع ستين لوحة من نتاج فنانين خليجيين شباب وثلاثين منحوتة من الحجر والخشب، ومنها الى صالة رسومات الأطفال 120 رسمة التي عبّرت عن جمالية مأخوذة من مواضيع الصحراء والبحر والرقص وتقاليد القهوة... وهناك رواق طويل قُدّمت فيه الصور الفوتوغرافية التي ركزّت على المواقع الدينية والآثار التاريخية وعلى المنشآت الحديثة. وشمل المهرجان محاضرات ناقشت مواضيع "التقارب بين الشعوب" و"الاختلاف المنتج للحوار" و"علاقات فرنسا مع دول الخليج" . وفي النهاية، شهد معهد العالم العربي حفلتين للفنون الشعبية، فعلى ايقاعات الات موسيقية محلية قدّمت فرقة خليجية أنواعا من الغناء ومن الرقص: غناء منفرد يؤديه البحّارة أو الرعاة، وغناء جماعي يؤدى في الأعياد، ورقصات الحرب... وفي لقاء مع "الحياة" خلال المهرجان في باريس، تحدّث السيّد عبدالرحيم الأحمدي، مدير "إدارة الشباب والرياضة في الامانة العامة لمجلس التعاون الخليجي" عن أهداف المهرجان وعن نشاط الشباب واعمالهم في دول المجلس، فقال: "يهدف المهرجان، من الناحية السياسية، الى تعميق التواصل بين الشعوب المحبّة للسلام ومع الدول الصديقة لدول المجلس. أما الهدف الآخر فهو إعطاء فكرة عن الثقافة الحالية في دول المجلس، وعن التاريخ الحضاري والثقافي العريق لهذه الدول، أي تجسيد رؤية مجلس التعاون من خلال العمل المشترك بين الشباب. وقد اختيرت دولة لها تجربة ثقافية راسخة وقوية مثل فرنسا كي يُقدّم فيها هذا العمل المشترك". وأضاف: "ادارة الشباب والرياضة تنطلق من مرتكزات يضعها وزارء الشباب والرياضة في دول مجلس التعاون قد تكون اولها الشمولية في رعاية الشباب الثقافية والعلمية والاجتماعية والرياضية بما في ذلك العنصرين: الشابّات والشبّان. ومن أجل كل عمل نقوم به توجد لجان تجتمع دورياً كي تخطّط وتنظّم. تشكّل المهرجانات الثقافية الدولية قنوات اتصال بالمجتمعات المتقدمة الصديقة، لكننا ننظّم معسكرات من اجل خدمة البيئة والمجتمع في الدول النامية الصديقة وتعمل هذه على بناء انشاءات وعلى مساهمات في التشجير وفي تأهيل الطرق... بدأنا مثلا في الصومال فأقمنا تمديدات للمياه وأنشأنا مركزا تدريبيا للفتيات على الخياطة والتطريز ووضعنا مشروع تشجير. وفي السودان، رقّمت المعسكرات مدارس عديدة ومرافق صحيّة، وفي سورية عملنا بالنمط ذاته على تمهيد بناء منشآت للشباب ونظّمنا معسكرا في الفيوم، في مصر، وقد يكون المعسكر القادم في لبنان ان شاء الله. ويشارك في المعسكرات ستون شابا من دول المجلس وستون شابا من الدولة المضيفة وأما التمويل فتؤمنه دول المجلس. هناك مشاريع شبابية عدة لتحسين البيئة وتنمية المجتمع، وتخصّص هيئة الشباب برنامجا للمرشدات اذ توجد لجنة من المرشدات من جميع دول المجلس تجتمع دوريا ولها لجانها الفرعية، وخطة طويلة المدى، كما تنفّذ مخيمات للفتيات وللمرشدات ولقاءات ودورات تدريبية. وفي بعض دول المجلس، كالامارات والبحرين والكويت، توجد أندية للفتيات من اجل الرياضة والنشاط الشبابي والاجتماعي والثقافي". وعن تجارب الشباب مع المشاريع والمعسكرات التي تجري في الدول النامية، يقول الاحمدي: "عندما يذهبون معاً، من ست دول، نجد عندهم منافسة ومسابقة وحرصا من كل واحد ان يبذل جهده وأن يمثل دولته وأن يمثل العمل المشترك. وانهم حسّاسون لعمل الفرق في كل مكان". ومعسكرات الشباب هذه تشكّل عملا مستمرا وتنظّم مرة كل سنتين، "في حين تبقى المهرجانات الثقافية الدولية نادرة بسبب جمعها مجالات عديدة ولأنها تأخذ وقتا أطول في التنظيم وتعتمد أساسا على الدولة المضيفة"، حسب كلام الاحمدي الذي أشار الى أن مهرجان طوكيو عام 1985 كان ناجحا وكان التجاوب معه أفضل لأن المؤسسات الشبابية في طوكيو كانت مشاركة في التظاهرة وفي الاستضافات في المعاهد اليابانية. شارك في مهرجان باريس الذي تم تمويله بالتساوي بين دول مجلس الخليج 130 شخصا من جامعيين وتلاميذ في الثانويات ومدرّبين ورؤساء فرق، لكن اللقاءات مع شباب فرنسيين وزيارات المعاهد والمؤسسات الفرنسية لم تتم بسبب ضيق الوقت. وكان الاعتماد على "معهد العالم العربي" من اجل تنظيم اللقاءات لكن ذلك لم يحصل، فقام الشباب بزيارات منفردة او جماعية الى الاماكن التي كانوا يرغبون بمشاهدتها والتعرّف اليها وكانت نزهات حرّة في باريس "الجذابة".