يجوز القول ان الاسابيع القليلة المقبلة تحمل في طيّاتها احتمالات عدة لانفجار الخلاف بين ايران وحركة "طالبان" على خلفية مقتل عشرة ديبلوماسيين ايرانيين وصحافي من وكالة الانباء الايرانية في مزار الشريف. وما يزيد فرص الانفجار ينطوي على تعقيدات وتداخلات كثيرة، بعضها ايديولوجي ومذهبي وسياسي، وبعضها الآخر داخلي واقليمي ودولي. واذا تجاوزنا الترتيبات الجارية على الارض من حشود عسكرية متقابلة، يمكن الاشارة الى تصاعد الحدة في لهجة المسؤولين في العاصمتين طهرانوكابول. وآخره خطاب مرشد ايران علي خامنئي الذي اشار الى انه كان يحبذ الحلول المعتدلة مع "طالبان"، لكنه الآن يجد لزاماً عليه التنبيه الى احتمالات اتساع النيران لتشمل المنطقة كلها. والحقيقة ان المراقب للشأن الايراني يمكنه ملاحظة ان ايران اصبحت تعيش في الايام القليلة الماضية حال نفاد صبر حيال تطورات الوضع الداخلي الافغاني واقدام حركة "طالبان" على قتل عدد من رعاياها. فالشعور السائد بين الايرانيين في الداخل والخارج ان افغانستان وجهت صفعة شديدة لبلادهم ودورها ومكانتها الدينية. وانه قد يصعب الخروج من انعكاسات تلك الصفعة النفسية والسياسية والعسكرية، من دون رد مناسب يكفل استرداد التوازن الى موقف ايران داخلياً واقليمياً ودولياً. واللافت ان المطالبة الداخلية بالثأر اصبحت تشمل لا اوساط المتشددين ومؤسسات الجيش والحرس الثوري فحسب، بل ايضاً اوساط المعتدلين من الشباب والطلبة المعروفين بالتعاطف مع تيار الرئيس الاصلاحي محمد خاتمي. لكن طهران بتياريها المتشدد والمعتدل، لا يبدو انها تحبذ الاستعجال رغم نفاد صبرها. بل الواضح انها تنتظر نضوج العوامل والارضيات المناسبة قبل اقدامها على اي رد عسكري. فالمسألة دينياً تمتلك حساسية مفرطة نظراً لابعادها المذهبية. وفي حال الرد العسكري السريع، يمكن للعامل المذهبي ان يساعد على تكتيل الكثير من الدول والاوساط الاسلامية وراء "طالبان". ويصح القول نفسه بالنسبة لاميركا التي لا تزال تعيش جواً مشحوناً من العداء مع طهران رغم شراكتهما، الى بعض الحدود، في الهم الافغاني. كذلك الحال مع اوروبا والكثير من الدول العربية. ومن وجهة نظر الايرانيين فانه من الصعوبة التعويل على الخلاف الاميركي - الافغاني في قضية بن لادن. فافغانستان اذا شعرت بخطر الحرب مع ايران، يمكن لها ان تقدم على تسوية سريعة مع الاميركيين في خصوص قضية بن لادن. ويمكن لباكستان ان تلعب دوراً اساسياً في ذلك الصدد. كذلك من الخطأ التعويل على دعم هندي او روسي فاعل. فالدولتان تعيشان صعوبات واوضاعاً خاصة قد لا تسمح لهما بالوقوف جدياً وراء موقف ايران العسكري. لكن الاهم ان الذريعة المتوفرة، اي مقتل الديبلوماسيين، ورقة رابحة يجب عدم التفريط بها. بل لا بد من استثمارها الى اقصى الحدود لتبيان المظلومية وخطل الدعوات القائلة بدور ايران في دعم الارهاب الدولي. ولا يمكن لمثل ذلك الاستثمار ان يعطي ثماره اذا لم يُمنح وقتاً واذا لم تسبق الخطى العسكرية الايرانية تهيئة سياسية وتنظيمية بالغة الدقة. انطلاقاً من كل ذلك يعتقد الايرانيون انه من المهم ان يعطى الرئيس محمد خاتمي فرصة كافية لتكتيل الرأي الدولي الى جانب ايران في الموضوع الافغاني عند مشاركته في اجتماع الجمعية العامة للامم المتحدة في الاسبوع المقبل. وان يسمح له بمطالبة الجمعية ومجلس الامن والامين العام للامم المتحدة اعتبار مقتل الديبلوماسيين الايرانيين في مزار الشريف وذيول سيطرة "طالبان" على مدينة باميان الافغانية، انتهاكات فظّة لحقوق الانسان وجرائم حرب بشعة تتطلب محاكمة ومعاقبة لمنفذيها. فالرد العسكري قبل الاجتماع وضمان الادانة الدولية للجريمة قد يعكر استعدادات ايران وقد يعود على "طالبان" بالنفع. وعلى صعيد آخر، يرى الايرانيون ان من الحكمة بوصول اثنين من ديبلوماسييهم الناجين من مذبحة مزار الشريف الى طهران عبر دولة مجاورة، ان يقدم هذا الحدث الى العالم أدلة وشهادات حية على ما تعرض له الديبلوماسيون الايرانيون من معاملة بشعة وقتل متعمد، اضافة الى القائه الضوء على تورط مسؤولين من "طالبان" في جريمة القتل. والارجح ان يشكل ذلك قوة معنوية وقانونية كبيرة في يد ايران لاقناع المجتمع الدولي بأن اي رد عسكري تقدم عليه لا يتجاوز حدود معاقبة مجرمين مسؤولين عن مقتل اناس محصنين ديبلوماسياً تبعاً للقوانين الدولية. ويمكن للانتظار ان يفيد ايضاً لجهة الاستعداد لاحتمالات تطور الردود العسكرية الى حرب شاملة مع افغانستان. فالايرانيون يعرفون ان بلادهم تعيش تاريخياً حالاً من التهيؤ النفسي والسياسي والعسكري، بل حتى اللوجستي من ناحية الطرق والجسور والمعسكرات الثابتة والمطارات ومرابض المدفعية على حدودها الغربية. لكن الواضح انها تفتقر الى مثل ذاك الاستعداد بالنسبة الى حدودها الشرقية مع افغانستان وباكستان. اما بعد الانتشار المفاجئ ل"طالبان" في ارجاء افغانستان، فان الحكمة تقضي بكسب زمن اضافي قبل الدخول في اية مواجهة عسكرية، بغية استغلاله لتنظيم الاعمال اللوجستية والنفسية والعسكرية التي تتطلبها الحرب في مواقع لم تشهد حروباً كبيرة. في المقابل يصح التساؤل: هل يعني ذلك ان الايرانيين في صدد شن حرب شاملة ضد افغانستان؟ عند الاجابة لا بد من الاقرار بأن طهران تعيش هاجس الحرب الشاملة نتيجة حاجتها الى انتصار عسكري سريع تذل عن طريقه حركة "طالبان" التي تريد منافستها على موقعها الاسلامي. لكن الواضح ان الايرانيين يشعرون بصعوبات اقتصادية بالغة قد تمنعهم من اللجوء الى خيار الحرب اولاً. ويتخوفون في الوقت عينه من نتائجها. فالمتشددون يرون ان دخول بلادهم ساحة حرب شاملة مع "طالبان" قد تكون موضع ترحيب واشنطن. اما الاصلاحيون فيتصورون ان عجلة الحرب قد تدمر كل جهودهم الاصلاحية على مختلف الاصعدة. لكل ذلك يمكن تلمس ملامح اتفاق عام بين جناحي ايران الداخليين على تجنب الحرب الشاملة، من دون ان يعني ذلك غلق الباب امام شكل سريع من اشكال المواجهة او الرد العسكري، كهجوم جوي او صاروخي محدود على بعض مواقع "طالبان" او على قاعدتيها الجويتين في كابول واطرافها. والذريعة وارء ذلك الشكل الحربي يمكن ايجادها في الفكرة القائلة بمعاقبة "ارهابيين" مسؤولين عن مقتل ديبلوماسيين، كما يمكن تبريرها بحملة القصف الاميركية التي استهدفت افغانستان والسودان. وفي مرحلة لاحقة تمكن العودة الى اسلوب دعم المعارضة الافغانية وتوفير ملاجئ وقواعد لها على الحدود. كذلك يمكن تنظيم صفوف القطاع الشبابي وسط اللاجئين الافغان وتسليحه ومحاولة ادخاله الى افغانستان وربطه بتحالف سياسي وعسكري مع بقايا قوات المعارضة. لكن كل ذلك، في رأي ايران، لا يمكن ان يغني عن ثأر عسكري سريع. والصبر الايراني، كائناً ما كان حجم الرد، قد لا يتحمل اكثر من اسبوعين او ثلاثة.