تمتلئ منطقة الزبداني، أحد أشهر مصايف دمشق في شهري تموز يوليو وآب أغسطس بزوارها الخليجيين الذين يأتون من أجل الهواء النقي و الفواكه المتنوعة، التي تعتبر وحدها كافية للخروج من دمشق الى مناطق لا تبعد سوى بضعة عشر كليو متراً، لكنها تختلف كثيراً عن العاصمة، طقساً وتضاريساً . ومع بداية كل صيف، يشد الدمشقيون عزالهم للتوجه الى مصايف بلودان التي لايعودون منها الا عندما يرون نتف الثلج تنثر على جبال المنطقة ووديانها، بعدما يكونون قضوا بضعة أشهر مختلطين مع العرب والاجانب الذين يزورون منطقة الزبداني سنوياً. ولاشك ان سكان بلودان سعداء بطقس بلدتهم الذي يجلب إليهم الزائرين ومعهم فرص العمل، إذ يتضاعف عدد المقيمين في البلدة في أشهر الصيف، من خمسة الاف شخص الى اكثر من 60 الفاً، يرتفع يومي الخميس والجمعة إلى 80 الفاً. ويؤجر معظم السكان المحليين شققهم الى السياح العرب الى حد تتحول فيه بلودان إلى "مدينة خليجية". ويمكن ملاحظة هذا التحول في كثرة لوحات السيارات التي تحمل أرقاماً من دول الخليج. ويتندَّر الدمشقيون على مثل هذا الوضع بقول إنهم في الصيف يحتاجون الى فيزا لدخول بلودان. ويبلغ عدد الشقق المفروشة المعدة للايجار في الزبداني نحو اربعة الاف شقة تتراوح اسعارها بين 50 و300 دولار أميركي يومياً، حسب الموقع والحجم، ما أدى الى تحول معظم السكان الاصليين الى "تجار عقارات". وقال احدهم، "في فصل الصيف، أؤجر بيتي وانتقل مع اسرتي الى منزل اهلي في بلدة مجاورة". وابو حسن ليس الوحيد الذي يقوم بذلك بل إن اكثر العائلات يحاول الاستفادة من الوضع. ويعتبر التأجير مصدر الدخل الاساسي لسكان بلودان في فصل الصيف إذ يوجد فيها 24 مكتباً عقارياً، وإن بدأ عمل هذه المكاتب يخف تدريجيا بسبب زيادة اعتماد الخليجيين على اتصالاتهم الشخصية، لجهة عملية التأجير. وقال ابو طارق : "أصبح السائح الخليجي يتصل بصاحب العقار الذي كان استأجره في صيف سابق، من دون حاجة الى وسيط عقاري". وعلق موظف في احد المكاتب العقارية في البلدة، "لم ُنحرم من نسبة العشرة في المئة التي كنا نحصل عليها في هيئة عمولة لقاء تأجير منازل البلدة فحسب، بل ان بعض الخليجيين أصبح منافساً لمكاتبنا لجهة تجارة العقارات في المنطقة". وأعطى مثلاً على ذلك ان خليجياً اشترى العام الماضي فيلا كبيرة في منطقة حاليّا، ليقضي أشهر الصيف فيها بصحبة عائلته، "وفوجئت به هذة السنة وقد استأجر شقة مقابل أربعة آلاف دولار فيما قام بتأجير الفيلا الذي اشتراها العام الماضي، لقاء تسعة الاف دولار". ويفضل الخليجيون، خاصة العائلات كبيرة العدد، الشقق المفروشة على الفنادق لانها اوسع، اضافة الى افتقار منطقة الزبداني الى العدد الكافي من الغرف الموجه لغرض التأجير، إذ ليس في المنطقة ما يذكر سوى فندق "بلودان الكبير" الذي يعتبر من المعالم المهمة لبلدة بلودان لا سيما وانه شهد الكثير من الاحداث التاريخية والسياسية، وعقد فيه اول مؤتمر للجامعة العربية عند التأسيس. وتعود إقامة الفندق الى عام 1930، و كان المقر الصيفي لعائلة المشير عبدالحكيم عامر، وأحب المصايف الى قلب الموسيقار عبدالوهاب. بيد ان الفندق تغير كثيراً خلال العشر سنوات الماضية. واوضح احد السكان المحليين ان التغيير اصاب نوعية الخدمة وكذلك الزوار، فيما يرى معظم المصطافين ان "بلودان الكبير" من اهم واجمل المواقع الفندقية في المنطقة إذ يتوسط بلدة بلودان مرتفع على تلة صغيرة تحيط بها اشجار السرو، ليشرف على البلدة من الجهات كلها. وترتفع بلدة بلودان 1500 متر عن مستوى سطح البحر، وتنتشر على سفح جبل يعتبر امتداداً لسلاسل جبال لبنانالشرقية، لتطل على سهل الزبداني المشهور بالاشجار المثمرة بالفواكه والخضار التي تزدهر تجارتها في فصل الصيف. وتنتشر عربات الفواكه على طول الطريق بين دمشق والزبداني، على رغم توافر هذه في السوق الرئيسية لبلودان، قرب نبع الماء الشهير. ويعتبر التفاح الزبداني أكثر الأنواع المنتجة شهرة، إضافة إلى الدراق و الخوخ و الكرز، التي تتميز جميعها بالطعم الشهي. ويمتلك معظم العائلات في بلودان حقولاً تمتد على سفوح الجبال المحيطة. وقال أحد الباعة ل "الحياة"، "إن التفاح الزبداني مشهور جدا، والمصطافين الخليجيين يشترونه بكميات كبيرة، فيما شكا آخر من ان السياح العرب باتوا يفاصلون في السعر أسوة بالسوريين، بعدما كانوا في الماضي لا يفاصلون، لدرجة ان الباعة كانوا يفضلون الزبون الخليجي على السوري، "لانه كان يدفع السعر الذي نطلبه، لكنه اليوم تعلم أسلوب المفاصلة وسبق السوريين في هذا المجال". وتعني "بلودان" بالفارسية "جبل التفاح". وتمتد المدينة القديمة من العين الى السوق. وتتميز بالادراج التي تصل بين بيوتها بدل من الطرقات. غير ان البلدة امتدت حاليا لتتصل مع منطقة بقين والزبداني ومضايا، كما يحيط بها جبل يونان حيث البساتين والجداول التي تجري منسابة بأعذب المياه وأصفاها، مثل عين الدولا وعين حزير. افتقار للخدمات على رغم شهرة الزبداني ومقوماتها السياحية الا انها تفتقر الى المؤسسات السياحية الخدمية. وقال احد العاملين في البلدية "إن الحاجة ماسة كي تتحرك وزارة السياحة بالتعاون مع مجلس المدينة لبناء فندق سياحي كبير يستطيع استقبال الأعداد الكبيرة من المصطافين الذين يفدون الى الزبداني كل صيف". واضافة الى فندق "بلودان الكبير"، توجد ثلاثة فنادق هي : "برج آلاء" و"فينيقيا" و"المنتزه"، الذي يتمتع جميعها بإطلالة رائعة على سهل الزبداني المشهور بأشجاره المثمرة وينابيع المياه العذبة فيه. كما انتهى العمل أخيراً في فندق "ريجنسي بارك"، ليصبح الاول في الزبداني من فئة الخمس نجوم، وتم افتتاحه الصيف الجاري. اما المطاعم فأشهرها "مورة"، الذي يعتبر رمزاً لمدينة بلودان بمأكولاته السورية، وبساطته والطبيعة الخلابة التي تحيط به، خصوصاً بساتين التفاح ونبع الماء المتدفق وسطه. ويحافظ "مورة" على طابعه المميز الذي لم تستطع المطاعم الاخرى محاكاته. كما تتميز منطقة "ابو زاد" بتجمع كبير للمطاعم و الاستراحات، منها "بيدر أبو زاد" و"وادي ابو زاد" و"شلالات ابو زاد"، ويقدم جميعها برامج فنية ليلاً. كما يحيي بعض المطربين السوريين واللبنانيين حفلات غنائية، لا سيما في كل من فندق "بلودان الكبير" و"الفيصل"، منهم المطربة نجوى كرم و سميرة توفيق و ربى الجمال. الخليجيون "يتشومون" ويبدو أن المصطافين من منطقة الخليج يستمتعون بمعاملة أبناء المصايف في ريف دمشق، اذ قال أحدهم، "نحضر كل عام للاصطياف في الزبداني نظراً للطبيعة الساحرة والبساتين الجميلة فيها، وانخفاض الاسعار نسبة الى الدول المجاورة، إضافة الى ان المنطقة مازالت محافظة على التقاليد القديمة ولها طابع خاص يميزه حسن المعاملة واستقبال الضيوف برحابة صدر". وقال اخر، "ازور مصيف الزبداني للمرة الأولى، ولمست المعاملة الحسنة من ِقبل اهلها والطقس الجميل، إضافة الى استتباب الامن فيها وتوافر الخدمات". وزاد، "نحن نتخذ من الزبداني محطة أولى للاصطياف، فنذهب لقضاء بضعة أيام على الساحل السوري، وفي اللاذقية ومصايفها، نعود بعدها الي الزبداني التي نشتري منها جميع حاجاتنا والهدايا والتذكارات". وارتفع عدد المحلات التجارية في الزبداني في السنوات الاخيرة. وافتتح معظم محلات دمشق المشهورة فروعاً موسمية في المنطقة، موجهة برمتها للسياح، إذ تغلق ابوابها مع نهاية شهر آب اغسطس من كل عام. وقال صاحب احد محلات الالبسة، "حركة السوق تزدهر في الصيف في شكل عام، لكن بافتتاحنا فرعاً لعرض منتجاتنا في بلودان، نوفر على السياح مشقة النزول الى دمشق للتسوق في مثل هذا الحر. وُيقبل الزوار على الملبوسات السورية لجودتها وانخفاض اسعارها، خصوصا ان اكثر المحلات يقدم حسومات كبيرة للسياح الخليجيين، إضافة الى ان عدداً من الشركات الاجنبية افتتح فروعاً له في سورية، للافادة من رخص الايدي العاملة وتوافر المواد الاولية. ويطالب عدد من أهالي بلودان باعتبار البلدة مدينة سياحية، وان تُعامل على هذا الاساس برفع مستوى الخدمات فيها. وقال بعض الزوار الخليجيين ان ما تفتقر اليه المنطقة هو شرطة السياحة، اضافة الى دائرة سياحية ترعى مصالح المصطافين وتؤمن لهم الخدمات السريعة، ومركز لتغيير العملات الاجنبية، لا سيما والمصطاف في ريف دمشق، يضطر حاليا الى الذهاب الى العاصمة، التي تقع على بُعد مئة كيلو متر، لهذا الغرض. أما خدمات المياه والكهرباء والهاتف فمؤمنة، كما ان المواد الغذائية متوافرة في الاسواق بكميات كبيرة و اسعار مناسبة.