ودعت مدينة إهدن شماليّ لبنان صيفها في جو من التراتيل في الهواء الطلق، إذ أحيت المغنية اللبنانية ماجدة الرومي، عيد ميلاد السيدة العذراء الذي يُصادف في تقاليد الإهدنيين عيد "سيدة الحصن، ورتلت على قمّة الجبل الموشح بالليل الأزرق والمشرف على مدى واسع من البحر الأبيض المتوسط، زهاء ساعة، ترافقها جوقة هي الأضخم في لبنان تتألف من نحو ثمانين منشدة ومنشداً الى فرقة موسيقية منسجمة، في حضور حوالي خمسة آلاف مواطن توافدوا من غير منطقة لبنانية. والحشد التف بصمت واصغاء، وكان الجمع "في السكوت" لسماع المغنية التي تموّج صوتها في اتقان ورهافة بين الطبقات العليا والطبقات الدافئة، وارتفع، مرنماً، خاشعاً. وتوزّعت التراتيل التي أدتها، بين تراثية راسخة، وحديثة لشعراء لبنانيين ومشرقيين، وكما رتّلت بعضاً من التراتيل المتوارثة في كنيسة إنطاكية وسائر المشرق باللغة السريانية، التي كان يتقنها أبناء ذلك الجبل، قبل أن يصبحوا روّاداً في نشر اللغة العربية ومساهمين في عصر نهضتها وحفظة أمناء لها. واستهلت ماجدة الرومي والجوقة "نشيد الرجاء" كتبه الشاعر جورج يمّين وضمنه رموزاً وإيحاءات من روحية المكان وفضائه، وبدا متكئاً على نبض "الإرشاد الرسولي" الذي كان وقعه البابا يوحنا بولس الثاني في لبنان قبل أكثر من سنة، ولحنه جوزف خليفة في مناخ الموسيقى الشرقية، حيث يتم اللقاء بين مقامي العجم والنهوند، ذلك أن مقام العجم ومثله "الراست"، يشكلان جامعاً مشتركاً في طقوس الإنشاد الديني لدى المسيحيين والمسلمين في الشرق. وثمة ملاحظة وهي أن الجموع بدت أشدّ حرارة في التجاوب مع التراتيل القديمة المزروعة في "الوجدان الجماعي"، وكان الحاضرون يتحولون في بعض المقاطع الى ما يشبه "جوقة عفوية" وترتفع الأصوات على إيقاع زمني متناغم مع المرتلة وجوقتها، فيما كانت الجموع تعود الى نقطة الإصغاء مع كل ترتيلة جديدة، على الرغم من أن اختيارات الرومي للنصوص كانت على جانب كبير من الدقة، وهي ترتل مثلما تغني لشعراء يتقنون النص الغنائي حبيب يونس، وسواه، الى اختيارات جريئة من قصائد أنسي الحاج ونزار قباني و... وصولاً الى نص من غسان تويني، بات جهزاً كأغنية، والى الهواء الإذاعي التلفزيوني في الوقت القريب. الى أي مدى تتلاءم هوية صوت ماجدة الرومي مع مناخ التراتيل؟ سؤال يطرح نفسه اثر انتهاء الاحتفال، وبعد مسافة وقت، والجواب يأخذ بُعدين هما: 1 - "النكهة الأوبرالية التي تميّز اداءها في الترتيل، لكن هذه النكهة تبقى فريدة وجميلة إذا بقيت من دون مبالغة. 2 - "قدرتها على التمازج كمغنية - ولو مع الجوقة في الكثير من المقاطع، حيث يتمكن السامع من التمييز بين صوتها والصوت الجماعي، على الرغم من أن التأدية تتم في لحظة واحدة أحياناً ويأتي هذا الاحتفال الديني - الفني، الذي نظمته لجنة الأمهات برئاسة السيدة ماريان فرنجية عقيلة وزير الصحة اللبناني ليطرح عرفاً وهو تكريس الاحتفالات الدينية بالإنشاد المفتوح على الناس، وكسر الإنغلاق داخل جدران المباني الدينية، بما يعيد التذكير بتلك الدعوة التي تردّدت في لبنان نهاية الستينات ومطلع السبعينات وهي "كنيسة البشر لا الحجر" ومن شأن هذا التقليد الذي كرسته السيدة فيروز في مناسبات "الجمعة الحزينة" كل سنة أن يفتح الدخول الى الطقوس من بوابة النغم والصوت، ويقول المفكر أغسطينوس أحد فلاسفة المسيحية ان من يرتل يُصلي مرتين. وعلى هامش الاحتفال، كلام عن أغنية لماجدة الرومي هي بمثابة رسالة الى الرؤساء "سيدي الرئيس" ستصدر في تشرين الأول أوكتوبر