اعتاد اللبنانيون أن ينتظروا السيدة فيروز تطل عاماً تلو عام، عشية عيد الفصح لدى الطوائف المسيحية لتؤدي تراتيل الجمعة العظيمة، جاثية على ركبتيها، متشحة بمنديل أسود. هذا الموعد الذي أصبح تقليداً شعبياً في لبنان على اختلاف طوائفه، شاءته السيدة فيروز وابنتها ريما مختلفاً هذه السنة. فعوض أن تطل المطربة أمام جمهور المصلين كما درجت العادة ارتأت أن تصوّر التراتيل في فيلم فيديو قصير وزّع على المحطات التلفزيونية اللبنانية التي راحت تتعاقب على بثه في أوقات مختلفة طوال ليل الجمعة الفائت. أطلت فيروز كعادتها، جاثية على ركبتيها، ترتل بصوتها الدافئ والبديع، التي بات محفوراً في ذاكرة اللبنانيين، ومصلية بورع وتقشف، ترافقها فرقة كورس على وقع أنغام آرغن وقانون شرقي. وكالعادة أيضاً اختلط الطقسان البيزنطي والسرياني في هذه التراتيل التي وسمت بصوت فيروز ووسم صوت فيروز بها حتى استحال تقليدها أو أداؤها بصوت آخر. وقد اختارت فيروز وريما كنيسة مار ميخائيل في بلدة سرعل في البقاع لتكون المكان الذي يضم هذه الاطلالة، بعيداً من الصخب والزحام. وبصمت وهدوء رافقت الكاميرا السيدة، من قرب حيناً وبُعد حيناً آخر، ناقلة بجمالية اشراقية الجداريات المرسومة التي تعتلي الجدران والسقف. وكأن الرسوم الدينية هذه تكمل التراتيل المرفوعة بهذا الصوت الشفاف والآسر، الذي يزداد رقة وعذوبة، هذا الصوت الطالع من القلب، من الأعماق الدفينة المسكونة بالحنين والرأفة. ونجحت كاميرا ريما في ترسيخ مناخ ملائم للتراتيل، عبر الحركة التي قامت بها متنقلة بين فيروز والرسوم، وقد بدا اللون الأزرق في الرسوم سماوياً بامتياز وكأنه الأفق الآخر لصوت فيروز. اختارت السيدة فيروز هذه السنة أن تكون تراتيلها فصحية تماماً وكانت هذه أجمل هدية تقدم الى جمهورها الذي تابعها على الشاشات الصغيرة التي اجتمعت للمرة الأولى على بث هذا الفيلم القصير من دون تنافس. ولئن حاول الكثيرون أن يقلدوا فيروز في هذا الموعد الجميل، فهم بدوا عاجزين حتى عن تقليدها، وقد فشلوا في تخطي الصيغة التي رسختها فيروز مع الأخوين رحباني.