"لا بد من صنعاء وإن طال السفر"، هكذا يقول اليمنيون عن مدينتهم القديمة، وهكذا شاع عنها بينهم برغم الاختلاف في اصل القول التأريخي بين ان يكون قد تدوول في العصر الجاهلي حين كانت صنعاء "وجهة لكل تاجر وعالم" وواحداً من اشهر اسواق العرب، او انه مقطع من قصيدة للامام محمد بن ادريس الشافعي حين زار عبدالرزاق الصنعاني في اليمن في القرن الثاني الهجري. وصنعاء القديمة التي تعد حالياً حياً من احياء العاصمة اليمنية، ظلت رمزاً للتراث اليمني وحافظت على تفرّدها المعماري الاجتماعي على مر الحقب الزمنية المتلاحقة، لتصبح بأسواقها ومبانيها العتيقة وأزقتها وشوارعها الشهيرة كالذهب الذي يزداد بريقاً كلما مر عليه الزمن. وتؤكد المصادر التأريخية انها من اقدم المدن العربية، وان سام بن نوح هو الذي بناها وانتقل من الشمال الى الجنوب فوجد حقل صنعاء الذي انشأ عليه المدينة التي يطلق عليها حتى اليوم مدينة سام. وإن تردد ان اسم المدينةصنعاء جاء من اصل الفعل العربي "صنع - يصنع" لاشتهارها بتنوع الصناعات، الا ان الصواب لأصل التسمية الى كلمة "تصنع" وتعني في اللغة اليمنية القديمة التحصن والمنعة. كما تسمى صنعاء ذات الاسماء المتعددة "آزال" وهو يعني ايضاً في اللغة القديمة المدينة المنيعة والحصينة، ويستدل على تحصين المدينة القديمة من سورها القديم الذي كان يحيط بها من كل الجهات بمسافة تصل الى حوالى خمسة اميال، بمداخله التي لم يعد منها بارزاً بحلته القديمة سوى باب اليمن من اصل سبعة ابواب رئيسية هي ابواب شعوب والسباح وستران والشقادف وخزيمة وباب الروم، وأبواب فرعية كالبلقة والقاع. وفي السابق كانت تلك الابواب تغلق على المدينة كلما حل المساء. وكان السور القديم يضم بين جوانحه المدينة العتيقة بنمطها الخاص، وبأسواقها ال49. ويعدّ سوق الملح اشهرها على الاطلاق وسمامرها ال29 التي استخدمت بيوتاً للضيافة في ادوارها العليا ومخازن تجارية لكل القادمين اليها في الادوار السفلى منها، وما زالت تقوم بدور المخازن ويتم تجديد بعضها حالياً لتكون مراكز سياحية متعددة الاغراض. وتشتهر صنعاء بأنها صاحبة اول ناطحات سحاب في العالم بوجود قصور عديدة عالية فيها، ويعد قصر غمدان اشهرها. وتؤكد بعض الروايات التاريخية انه كان يتكون من عشرين طابقاً، وحكم القائد الاسطوري سيف بن ذي يزن اليمن منه بعد ان نجح في اجلاء الاحباش عن اليمن بعد حروب طويلة وبعد ان اصبحت صنعاء عاصمة لليمن حيث كانت المدينة الثانية في عصور الدولة الحميرية ودولة سبأ. ولم يعد من قصر غمدان القديم اليوم غير سوره وبعض الملامح القليلة للأدوار السفلية. غير ان العاصمة اليمنية ما تزال تحتضن كثيراً من القصور والمنازل ذات الارتفاعات الكبيرة والنمط المعماري المتميز عن ما هو موجود خارج السور القديم، حيث انتشرت المباني الكثيرة وفي كل الاتجاهات ليكوّن كل ذلك العاصمة الحديثة بمبانيها ومعمارها "المتجاذب" بين النمط المعماري اليمني القديم ونمط البناء الحديث. وكانت صنعاء تُعرف ببساتينها الخضراء المقاشم التي كانت تميز كل حي عن الآخر، وقد انحسرت تلك البساتين بفعل الاهمال والتوسع في بعض احياء المدينة التي يتوسطها واحد من اقدم المساجد الاسلامية هو الجامع الكبير الذي انشئ برغبة من الرسول صلى الله عليه وسلم في العام الهجري السادس، وهو واحد من اصل 100 مسجد في المدينة القديمة. الى ذلك فإن صنعاء القديمة تتسم بتناغم اجتماعي لافت للنظر، وعادات وتقاليد متشابهة الى حد الصرامة، تختلف قليلاً عن ما هو متبع في كثير من المدن اليمنية من حيث العادات في حفلات الزواج والمناسبات الاجتماعية المختلفة وطريقة التعامل معها، وحتى في طريقة اعداد المأكولات وتقديمها. ومنذ مطلع الثمانينات والمدينة تحظى باهتمام المنظمة الدولية للتربية والثقافة والعلوم اليونسكو التي اتخذت في مؤتمر بلغراد في العام 1980 م قراراً يقضي بالشروع في حملة دولية للحفاظ على المدينة القديمة وصيانة مآثرها وبنيانها وأسواقها وصونها بالتعاون مع عدد من المنظمات الدولية والحكومة اليمنية ممثلة في الهيئة الوطنية للحفاظ على المدن التاريخية. وقد تم تنفيذ عدد من المشاريع اهمها رصف شوارع المدينة وأزقتها وساحاتها بالحجارة، وتجديد بعض معالمها التاريخية، وأخيراً بُدئ بتنفيذ مشروع "السايلة" وهو ممر مائي وطريق للسيارات والعربات يساعد في حال الانتهاء منه نهاية العام المقبل في الحفاظ على رونق المدينة ونظافتها، وشكلها القديم المميز بالصيانة الحديثة ذات الطابع التقليدي