مهما تباينت الفئات السياسية لالبان كوسوفو، فانها جميعاً تتوزع حول قطبين متعاكسين، احدهما يوصف بالايجابية ويمثله ابراهيم روغوفا، والآخر يشكل السلبية ومركزه آدم ديماتشي. ويروج ديماتشي لخطه السياسي بفشل روغوفا الذي صار عاجزاً عن ضمان حل يقبله الالبان في خضم تفاقم العنف الصربي. وانطلاقاً من هذا الموقف يرفض ديماتشي المشاركة في اي اجراء يقدم عليه روغوفا، سواء من خلال معارضته المبدئية له او تشككه في صدقيته. عرف ديماتشي بأنه صعب المراس، وتميز بذلك في الوسط القيادي الالباني منذ 14 آب اغسطس الماضي عندما اختاره جيش تحرير كوسوفو رئيساً لجناحه السياسي، فانحاز الى صف الجماعات الاكثر تشدداً في هذا التنظيم العسكري، التي يمثلها عضو قيادته العليا والناطق الاعلامي باسمه ياكوب كراسنيجي، ما ادى الى غضب قائد منطقة وسط الاقليم للجيش نايم ماليوكو المعروف باسلوبه الداعي للتفاهم، واعلان تأييده اقتراحات التسوية السلمية الدولية، ومؤازرته موقف روغوفا منها، فظهر علناً تياران في مجال الكفاح المسلح لالبان كوسوفو، على رغم خطورة هذا الوضع على الحركةالوطنية الالبانية. ويبدو التشدد طبيعياً عندما يصدر من شخص امضى جُل شبابه في المعتقلات والسجون، وهو مصمم على آرائه ومواقفه، رافضاً الاستجابة لعروض المساومة من سلطة كانت في عنفوان قوتها وسطوتها، دعته الى القبول بمكافآتها في مقابل التهادن معها ومجاراة الواقع. ولد آدم اسمه ديماتشي لقبه في مدينة بريشتينا عاصمة كوسوفو العام 1936 وفيها اكمل دراسته الابتدائية والثانوية، لينتقل الى بلغراد طالباً في كلية الآداب ويتخرج عام 1959، ولكن، بدل ان يستفيد من شهادته في عمل وظيفي، انضم الى دعاة الفكر القومي الالباني، ووجد نفسه في خصام مع النظام الشيوعي، متنقلاً بين مراكز الشرطة وقاعات المحاكم ومعاناة السجون حتى 1990 عندما شمله عفو عام عن السياسيين المناوئين للنظام مع بدء انهيار يوغوسلافيا السابقة، واصبح مجموع ما قضاه فاقداً حريته 28 سنة، جعلت مواطنيه يعتبرونه رمزاً للمقاومة القومية الالبانية ويلقبونه "مانديلا كوسوفو" تيمناً بپ"نيلسون مانديلا" الجنوب افريقي، وانتخب عام 1991 رئيساً للجنة حقوق الانسان في كوسوفو. برز ديماتشي صحافياً وروائياً وكاتب مذكرات، اذ عمل اثناء دراسته الجامعية في صحيفة "ريلينديا" اي "النهضة" التي كانت الجريدة اليومية الوحيدة باللغة الالبانية في كوسوفو والصادرة عن مؤسسة اعلامية تابعة للدولة منذ 1945 وحتى 1992 عندما اوقفتها الحكومة الصربية، فانتقل طاقمها في 1993 الى تيرانا البانيا وفرانكفورت المانيا لتواصل صدورها في المنفى حتى الآن. وصدرت لديماتشي مجموعات قصصية عدة حول معاناة الشعب الالباني وتجاربه الشخصية، منها "دم الافعى" و"التضحية بالنفس". وفي عام 1992 شارك في تأسيس الحزب البرلماني لالبان كوسوفو، الذي تولى رئاسته حتى اختياره رئيساً للجناح السياسي لجيش تحرير كوسوفو، حيث جمد منصبه الحزبي للانصراف الى مهمته الجديدة، واسندت رئاسة الحزب البرلماني الى نائبه بايرام كوسومي، ويشكل هذا التنظيم حالياً المعارضة السياسية الرئيسية للاتحاد الديموقراطي لالبان كوسوفو الذي يتزعمه ابراهيم روغوفا. ويؤخذ على آدم ديماتشي المفارقات الشاسعة بين طروحاته، فهو، عندما كان يصر روغوفا على الاستقلال، اعلن اقتراحه الخاص بمشروع "الدولة البلقانية" التي تضم صربيا والجبل الاسود وكوسوفو، وشارك في التظاهرات الصاخبة التي نظمتها المعارضة الصربية اواخر 1996، على رغم ان الالبان كانوا يعتبرونها شأناً صربياً لا علاقة لهم به، وخاطب القائمين بها في كلمة تضامنية القاها امام البرلمان اليوغوسلافي في بلغراد، جاء فيها "ما اروع نضالكم في سبيل الديموقراطية، الذي جعلني لا افقد ثقتي بالشعب الصربي الصديق". وحين اخذ روغوفا يرضى بالحكم الذاتي، صار ديماتشي لا يقبل عن الاستقلال بديلاً، معلناً ان جيش تحرير كوسوفو سيبقى شاهراً سلاح الكفاح في هذا السبيل حتى لو تطلب ذلك عشرات السنين من حرب العصابات. ويعتبر مراقبون ان عقدة ديماتشي تتمثل اصلاً في انه يشعر بالضيم، لاعتقاده ان آخرين انقضوا عليه وازاحوه عن الصدارة التي هو الاجدر بها، لانهم لم يجاروه في نضاله الطويل ومشاقه التي صبر عليها، ولذا التجأ الى جيش تحرير كوسوفو، في مراهنة لا توسط فيها وفق ما اعتاد عليه، فاما المجد الرفيع او الخسارة القاضية والانزواء مكتفياً بسجل الماضي وحده، وفي كل الاحوال فان حظوظ ديماتشي تبدو مجهولة كمصير اقليم كوسوفو، الذي ينحدر سريعاً نحو كارثة لا تبقي ولا تذر