الكتاب: الأسطورة والحداثة تأليف: بول. ب. ديكسون ترجمة: خليل كلفت الناشر: المشروع القومي للترجمة - المجلس الأعلى للثقافة - 1998 مَنْ هو "ماشادو ده أسيس": وُلدّ جواكين ماشادو ده أسيس في ريو دي جانيرو في العام 1839، لأم برتغالية وأب برازيلي، وكانت الأُسرة فقيرة للغاية، لذا لم يتجاوز ابنها المستوى الأول في التعليم الرسمي. ورغم ذلك انشغل ماشادو بالكلمة المطبوعة مُنذ صباه المبكر، حيث عمل في البداية جامع حروف في مطبعة ومُصحح بروفات طباعة، ثم كاتب أعمدة لصُحف متباينة؟ حول الأفكار السائدة والأحداث الجارية. وانهمك الصبي في القراءة والكتابة بشراهة. ومن خلال حضوره المناقشات الأدبية في أفضل مكتبة في المدينة لفت انتباه بعض الكُتاب البارزين آنذاك، وبدأت شهرته تنمو، وهبطت عليه سلسلة من الوظائف المهمة، وتولى بعد ذلك منصب رئيس الأكاديمية البرازيلية للآداب، وعند وفاته عام 1908 كان ماشادو قد تسنم ذروة المؤسسة الثقافية للبرازيل. وتقع أعمال ماشادو ده أسيس في 31 مجلداً، مما يُشكل عبئاً ضخماً على من يتصدون لمهمة ترجمة أعماله للعربية. ومن أعماله التي تُرجمت للعربية: - في سنة 1963 صدرت في دمشق رواية "كرنكاس بوربا" ترجمة سامي الدروبي ، وفي 1983 صدرت طبعة ثانية لهذه الرواية - بترجمة أخرى - بعنوان "الفيلسوف والكلب" ضمن روايات الهلال. - وفي 1991 صدرت في القاهرة رواية "دون كازمورو" ترجمة خليل كلفت عن دار إلياس العصرية. - وترجمت رواية مهمة وقصيرة لماشادو مرتين: الأولى العام 1967 بعنوان "مستشفى المجاذيب"، والثانية العام 1991 بعنوان "السراية الخضراء". وبرغم غزارة أعمال ماشادو وعمقها وتنوعها وتفردها إلا أنه أحس بإحباط للظروف التي أحاطت به. فرغم أنه من الصعب أن يوجد كاتب أكثر منه عالمية، لم يرد العالم له الجميل، ليس لجهل العالم بعبقريته الخاصة، وانما لحقيقة أن الأقدار حكمت عليه أن يكتب بالبرتغالية، اللغة التي وصفها أحد مُعاصريه الشاعر اولافو بيلاك بأنها "مقبرة الأدب". وما من كاتب يُعد أكثر جاذبية لكُتاب السيرة الذاتية أو لأدعياء كتابة السيرة مِن ماشادو، وبرغم ذلك فالمعلومات الشخصية عنه نادرة، والاشارات لحياته الخاصة أكثر ندرة، باستثناء أنه كان يتلعثم في كلامه ويُعاني من نوباب الصرع، وربما كان يُعاني من مشكلات تتصل بقبول هويته العرقية ما جعل بعض النقاد يشيرون إلى اللحية والشعر الناعم في صوره الفوتوغرافية بوصفها محاولة لإخفاء ملامحه الافريقية. وكان ماشادو يؤكد أن الطريق الى تأليف كتاب مُمتع هو ترك الأمور الخاصة خارجه، مما يُحفز خيال القارىء. "دون كازمورو".. رائعة الإبهام: تُعد رواية "دون كازمورو" رائعة ماشادو، وقد تُرجمت الى لُغات عدة برغم أن عنوانها يُقاوم الترجمة بعناد، ولذا فلقد ظهرت غالباً حاملة عنوانها الاصلي "دون كازمورو". اما محاولات الترجمة وفقاً للمعنى فجاءت تافهة مثل ترجمتها الى "السيد النّكدِي". ورواية "دون كازمورو" غنية الطبقات، تتناول مسائل مثل: الايمان والحقيقة والمعرفة والفن والدين والسياسة. وفوق كل ذلك فهي قصة حب بسيطة ورائعة. وتقوم الرواية على شخصيتين رئيستين بنتو سنتياجو، كابيتو، ويروي الراوي "بنتو" كيف أنه عندما كان مُراهقاً وقع في حب "كابيتو" بنت الجيران، وكانت فتاة ماكرة وفاتنة للغاية، شجعته على أن يحبها وأبدت اهتماماً مماثلاً به. وهنا تظهر أول اسئلة الرواية: هل هو "بنتو" بالفعل ما تجده جذاباً، أم المركز الاجتماعي الأعلى الذي يمثله؟ ف"كابيتو" من أسرة فقيرة، ولم يكن بوسعها أن تقيم في هذا الحي إلا أن أباها فاز بالجائزة الكبرى في اليانصيب. وتواعدا في عُمر مُبكر على الزواج، وهنا تظهر عقبة في طريقهما، ذلك أن أم "بنتو" المترملة كانت قد نذرته للرب أن يغدو، وهو ابنها الوحيد، قسيساً. وهكذا اصبح لزاماً على العاشقين الصغيرين ان يتحايلا بطريقة أو بأخرى على هذا "النذر" دون إغضاب "الأم". ويتحايل الاثنان ويقنعا الأم ان تكفل شاباً آخر ليصير قسيساً، وهكذا يصبح في إمكانهما الزواج. وبعد خمس سنوات من القلق، يولد لهما "حزقيال" وبه سمتان بارزتان: نزوعه الى تقليد الناس، والشبه الذي يجمعه بصديق حميم للأسرة وهو إسكوبار. ويظهر هنا التساؤل الثاني: هل هذا الشبه هو ببساطة شذوذ عرضي للطبيعة، عززته موهبة التقليد لدى الطفل، أم هناك ما هو أكثر من ذلك؟ وبرغم انتباه "بنتو سنتياجو" لهذه المسألة، فإنه لا يشغل تفكيره بها إلى أن يموت "اسكوبار" فجأة، ويرى "كابيتو" تبكي على جثمان الميت قبل دفنه، ويصدمه ذلك صدمة مريرة، ورغم ذلك لا يصارحها وإنما يشعر مع الوقت أنه لم يعد قادراً على أن يحبها هي أو ابنها ويؤلمه هذا الى الحد الذي يدفعه لمصالحة كابيتو بأنها خانته. ثم تأبى كابيتو تأكيد أو نفي مزاعمه مع تأكيدها أن زواجهما قد انتهى أمره، وتقضي بقية أيامها في سويسرا، ويموت "حزقيال" شاباً خلال بعثة علمية في الشرق الأدنى، ويزداد إبهام كل شيء: مسألة إخلاص كابيتو، مسألة نسب الطفل، مسألة الدافع الرئيسي لارتباط كابيتو ببنتو سنتياجو، ويمتد هذا الإبهام الى بقية حياة الراوي والى المعرفة والقيم التي تطبع علاقاتنا. "دون كازمورو" علامة فاصلة: تعتبر رواية "دون كازمورو" المنشورة عام 1900، واحدة من أوائل الروايات التي واجهت عوالم روائية جديدة، لتميزها بما أشار إليه ألبير كامو بقوله: "ما يُميز الإدراك الحديث من الكلاسيكي هو أن هذا الأخير يزدهر على المشكلات الأخلاقية بينما الأول على المُشكلات الميتافيزيقية. هذه الرواية جمعت الكثير من السمات التي أوجزها فوينتيس لجيل الروائيين الرواد في أميركا اللاتينية ويأتي على رأسهم ماشادو ده أسيس، وهي: التحويل الأسطوري، الاتحاد بين النقد والخيال، الإبهام، المحاكاة الساخرة، إضفاء الطابع الشخصي. ويُقدم كتاب "الأسطورة والحداثة" كتابات ناقد أساطير بول. ب. ديكسون الذي يبحث عن نماذج أصلية ويدرس بنتو سنتياجو بوصفه العاشق النوستالجي، ويُقدم بالاضافة الى ذلك عمل ناقد أكثر "شكوكية" يهتم أكثر بمسألة كيف يجري تحوير الأسطورة. ويؤكد المؤلف أن هذه الرواية لا تلفت نظر المرء في الحال إلى كونها عملاً أسطورياً، فليس هناك سوى القليل جداً مما يدعو صراحة الى التحليل الأسطوري كما في يوليسيس أو مئة عام من العُزلة. غير أن القراءة المُتسمة بروح التعاون ستكشف وجود توافق بعيد مع الخطاب الأسطوري، وثمة بون شاسع بين الأسطورة الضمنية والتصوير الأدبي، وهو الذي يُعزز إحساس التوتر والاغتراب في الحداثة. وتدور أبحاث هذا الكتاب حول توتر هذا العمل الروائي بين نمطي تفكير مُتعارضين: عقلية بدائية تؤثر اللازمني والمُطلق المثالي، وعقلية حديثة تعترف بواقع أكثر انتقالية وعرضية بكثير. ويتألف الكتاب من دراسات مُستقلة هي الأسطورة - وتحولاتها - إلغاء الزمن - الميلاد والموت والميلاد الجديد - الأمومية والأبوية - رحلة عبر عينين مثل مد البحر - رموز الخلاص - جوهر أم غياب.