إستكمالا منا لما بدأناها الأسبوع الماضى, سنواصل الحديث فى مقالنا لليوم أيضا عن المثقف الموسوعى الراحل عنا منذ أيام قليلة "خليل كلفت" والذى ترك لنا إرث ثقافى يجب أن تسلط عليه الأضواء, ويحتفى به فى الأوساط الثقافية والسياسية, حتى يتثنى الأستفادة مما خلفه لنا من ترجمات وآراء فى السياسة, الأدب, وعلوم اللغة, ف" كلفت" رحلة بحث تنويرية بداية من معرفة الآخر وصولا إلى معرفة الذات. فقد آمن"كلفت" إيمانا مطلقا بقيم الحق والخير والجمال, وعبر عن ذلك فى إنتاجه الثقافى المميز على مدى مراحل حياته, فقد أخد كل عمل قام به على محمل الجدية, فأخرج لنا أبداع حقيقى. ولكن وبرغم كل ذلك إلا أنه لم تسلط عليه الأضواء كما تسلط اليوم على مدعى الثقافة والفنون وأصحاب أقلام الرصاص, ممن أحترفوا فنون الإساءة والتشوية وإفساد الذوق العام, وما عدت أستغرب الأمر كثيرا فتلك التداعيات الثقافية والسلوكية والقيمية أصبحت واقع نعيشه ويتطور, فغلبت العشوائية على أساليب ممارستنا للحياة كلها. ولذلك لا أدرى إن كان كثير منا يعرف عن"خليل كلفت" أم أننا مجرد قلة, لذا قررت أن أخصص ما تبقى من مقالى هذا لإلقاء المزيد من الضوء على بعض من حياة "كلفت" وإنتاجه الثقافى الغزير, كأهداء لروحه التى ستظل باقية بكل ما خلدته لنا من إبداع, وكنوع من الوفاء لهذا الصرح الثقافى الضخم, الذى ندر وجود أمثاله فى زماننا هذا. فهو فى الأدب : الكاتب والمؤلف, صاحب القصة القصيرة, والناقد الأدبى , مترجم عتيد للغتين ( الأنجليزية و الفرنسية) حيث ترجم لنا أبداعات "يود قيس", وهو أيضا مكتشف الكاتب البرازيلى "ماشادو ده أسيس"والذى يعد الأب الروحى وعميد الأدب البرازيلى, وقد ترجم له الرائعتين( السرايا الخضراء و دون كازمورو), ومن أهم ترجماته أيضا : تغريب العالم , تجارة عادلة للجميع , مدرسة فرانكفورت. وكذلك هو المؤلف المعجمى البارز, فقد أنشأ العديد من المعاجم اللغوية والقواميس ومنها ( معجم ألياس, تصريف الأفعال, هاراب التجارى ), وهو اللغوى القدير وله العديد من الاسهامات فى عدد من قضايا اللغة الهامة كالأذواج اللغوى ما بين الفصحى والعامية, وتجديد النحو وتطويره, كما له أسهام جليل فى جمع كل معوقات نمو وتطور اللغة العربية وأسباب تأخرها عن اللغات الحية الآخرى, ولا يفوتنا أيضا أن نذكر أنه بدأ حياته كناقد أدبى فى جريدة المساء, كتب عن شعراء كبار أمثال العراقى/ عبد الوهاب البياتى, والفلسطينى/ توفيق زيادة, وفى مجال الشعر والقصة القصيرة له العديد من الابداعات الادبية الرائعة . وأما فى السياسة : فله العديد من المؤلفات السياسية مثل (الأقطاع و الرأسمالية الزراعية فى مصر – من عصر محمد على الى عهد عبد الناصر) وقد تمت ترجمت هدا الكتاب الى اللغة اليابانية, أيضا له عدة دراسات عن أسلوب الأنتاج الأسيوى, و البرجوازية البيروقراطية , والقومية العربية, ومن درر أنتاجه كتاب هام بعنوان " الكارثة الفلسطينية" عام 1982م أنتقد فيه بعض السياسات التى رأها ستقضى على ما تبقى من المقاومة. فأبداعاته السياسية لا تقل ابدا عن أبداعاته الأدبية, حيث أنها شاركت فى تشكيل و صياغة بعض أتجاهات الفكر السياسى العالمى. ومازال لحديثنا بقية …..فخليل كلفت رحلت إبداع عبقرية لن تنتهى…..