يتوقع ان تكثف الدول العربية برامج الإصلاح الاقتصادي في الفترة المقبلة بسبب انخفاض اسعار النفط. وحض محللون اقتصاديون على التركيز على عمليات التخصيص وتحسين مناخ الاستثمار لاستعادة رؤوس الأموال الضخمة في الخارج. وأشار هؤلاء الى ان هناك تكهنات ببقاء اسعار النفط ضعيفة في السنوات القليلة المقبلة ما يعني انخفاض ايرادات الدول الخليجية وبالتالي تدني المعونات المالية للدول العربية الأخرى. وقال الخبير الاقتصادي إحسان أبو حليقة: "ان الدول العربية كانت تعتمد بشكل رئيسي على المساعدات الخليجية في دخلها من العملة الصعبة إضافة الى تحويلات مواطنيها العاملين في الخارج". وأضاف: "أعتقد انه في ظل انخفاض اسعار النفط والمشاكل المالية لدول الخليج سيصل هذا الدخل الى أدنى مستوى له ولن يشكل مصدراً مهماً للعملة الصعبة مما سيدفع الدول العربية الى الاستمرار بالاصلاحات بل وتسريعها". وبدأت دول الخليج خفض معوناتها الخارجية في أعقاب أزمة الخليج الأخيرة بسبب الانخفاض الحاد في ايراداتها النفطية وارتفاع العجوزات المالية فيها نتيجة المساهمات المادية الكبيرة خلال الأزمة. وتقدر تلك المعونات حالياً بنحو بليون دولار سنوياً، ويتوقع ان تشهد مزيداً من الخفض في ضوء ارتفاع الحاجات التنموية لدول الخليج. ووصلت المساعدات أوجها أثناء الفورة النفطية، إذ بلغت 31.8 بليون دولار بين 1975 و1979 و32.7 بليون دولار بين 1980 و1984 ووصل اجمالي المعونات الى نحو 105 بلايين دولار تلقت الدول العربية أكثر من 70 في المئة منها. وقدمت السعودية معظم هذه المعونات أكثر من 60 في المئة تلتها الكويت والامارات وشكلت مع تحويلات المغتربين نحو ثلثي دخل بعض الدول العربية من العملة الصعبة. وقال الخبير الاقتصادي هنري عزام ان انخفاض أسعار النفط "سيدفع دول الخليج وغيرها من الدول العربية الى الاسراع في خطط الاصلاح الاقتصادي التي لا تزال تسير ببطء على رغم المصاعب الاقتصادية والمالية لمعظم الدول العربية". وأ ضاف: "اعتقد انه ليس لدى هذه الدول أي خيار سوى إعادة هيكلة اقتصادها خصوصاً توسيع دور القطاع الخاص وجذب الاستثمار الاجنبي الذي يشكل عاملاً حاسماً في تحقيق معدلات نمو قابلة للاستمرار". وأطلقت دول عربية عدة برامج اصلاح اقتصادي في الاعوام الأخيرة بمساعدة صندوق النقد الدولي وغيره من المؤسسات المالية المحلية والدولية، بعد تفاقم مشاكلها الاقتصادية بسبب تراكم الديون ومحدودية الانتاج والنقص الحاد في العملات الصعبة خصوصاً في المساعدات الخارجية وتحويلات المهاجرين. وأعلن بعض هذه الدول حصول تقدم في برامج الاصلاح من جهة انخفاض البطالة والتضخم وارتفاع معدلات النمو وتدفق الاستثمارات. لكن صندوق النقد العربي حض هذه الدول على مواصلة الاصلاحات لإنعاش الاقتصاد الوطني ومواجهة التطورات الاقتصادية العالمية خصوصاً انفتاح الدول على بعضها بعد تأسيس منظمة التجارة الدولية. وأشار الصندوق في دراسة حديثة الى انه "ينبغي على الدول العربية الاخرى ان تطبق برامج اصلاح لمعالجة مشاكلها الاقتصادية، خصوصاً مشكلة البطالة التي باتت تهدد مجتمعات هذه الدول ومشكلة التضخم التي تجاوز معدلها 100 في المئة في السودان والعراق والصومال". وقدر الصندوق، ومقره في أبو ظبي، جميع ديون الدول العربية بأكثر من 150 بليون دولار، وتشكل خدمة الدين الخارجي في عدد من الدول الاعضاء أكثر من نصف صادراتها ما يستنزف ايراداتها من العملة الصعبة. وقال الاقتصادي الاماراتي زهير كسواني ان على الدول العربية التركيز على جذب الاستثمار الخارجي لتمويل برامج الاصلاح من خلال تحسين قوانين الاستثمار واعطاء مزيد من الحوافز للمستثمر الاجنبي. وأشار الى ان هناك "بوادر على عودة بعض رؤوس الاموال العربية من الخارج، لكن هذه الاستثمارات لا تشكل سوى جزء يسير من الموجودات العربية في الخارج". وقدر مصرفيون الاستثمارات العربية في الخارج بما يراوح بين 600 و800 بليون دولار تتركز في الدول الغربية على شكل ودائع مصرفية وعقارات وسندات حكومية وأوراق مالية.