في شهر آذار مارس 1922 تلقت الحكومة السوفياتية، في موسكو، انذاراً يدعوها الى سحب قواتها من المناطق الاسلامية الجنوبية. وكان الانذار يحمل توقيع انور باشا "قائد قوات الجيش الوطني في تركستان وخيفا وبخارى". وبعد ذلك بنيف وعام تم اغتيال انور باشا نفسه خلال معارك جرت ضد القوات السوفياتية في منطقة تقع بالقرب من مدينة باليدان في طاجكستان. كان انور باشا يومها في الحادية والاربعين من عمره. لكنه كان قائداً عسكرياً كبيراً، وكانت سمعته العسكرية، والسياسية ايضاً، جعلت منه ما يشبه الاسطورة في تلك المناطق من العالم. وقبل ذلك كان يعتبر واحداً من اركان "تركيا الفتاة" وقادة ثورتها التي اطاحت السلطان عبدالحميد في العام 1908. انور باشا الذي ولد العام 1881 في اسطنبول، كان واحداً من ذلك الثلاثي الذي ادى انقلابه الى انفراط عقد الامبراطورية العثمانية، اكثر مما ادت الى ذلك هزيمة تركيا في الحرب العالمية الاولى. والثلاثي هم انور باشا وطلعت باشا وجمال باشا، اي الطورانيون الثلاثة الذين رسموا خطة التخلص من عبدالحميد في سالونيك وهم ضباط في الجيش مجهولون. ثم لعبوا ذلك الدور الخطير في سياسة تركيا وفي سياسة المنطقة. انور باشا تقلب كثيراً. بل انه قبل ان يتمكن السوفيات من قتله، كان يعمل متضامناً معهم. كما عمل متضامنا مع الالمان ضد الحلفاء في مسيرة حياة تفوق تشعباتها ما كان يمكن ان تسمح به سنوات عمره الاربعون. كان انور باشا في الثانية والعشرين من عمره، حين قاد العمليات العسكرية التركية ضد ثوار مقدونيا في العام 1903، هو الذي كان بعد تخرجه من الكلية العسكرية عين في الجيش العثماني الثالث المرابط في سالونيك. وفي العام 1906 نجده في موناستير حيث انضم الى حزب الاتحاد والترقي الذي كان قادته يخططون في ذلك الحين للقيام بانقلاب. وسينظر الى انور باشا لاحقاً باعتباره العقل المخطط وراء الانقلاب. وفي العام 1909، بعد التخلص من عبدالحميد، شارك انور باشا في قيادة "جيش الخلاص" تحت امرة الجنرال محمود شوكت، لقمع محاولة ثورية لاعادة عبدالحميد. اثر ذلك عين انور باشا ملحقاً عسكرياً في برلين حيث تعلم اللغة الالمانية وصار واسع الاطلاع على شؤون التكتيك الحربي الالماني. وفي العام 1921 حين اندلعت المعركة بين الدولة العثمانية وايطاليا في ليبيا، ترك انور برلين لينظم المقاومة الاسلامية في ليبيا ضد الايطاليين. وفي العام التالي عين حاكماً عسكرياً لبنغازي. اثر ذلك نراه يعود الى اسطنبول ليشارك في الانقلاب الجديد الذي قام به حزب الاتحاد والترقي في كانون الثاني يناير 1913، وهو انقلاب اعاد الحزب الى السلطة. وخلال حرب البلقان الثانية سنجد انور قائداً للجيش العثماني. وبعد شهور سيستعيد ادرنة من البلغاريين. ومنذ ذلك الحين ستكون الدولة العثمانية خاضعة لسيطرة الثلاثي انور وطلعت وجمال. في العام 1914 سيوقع انور باشا، بوصفه وزيراً للدفاع، تحالفاً دفاعياً مع المانيا ضد روسيا. وحين دخلت تركيا الحرب الى جانب المانيا ودول المحور، تعاون انور باشا تعاوناً وثيقاً مع الضباط الالمان الذين اتوا ليخدموا في الجيش العثماني. ومن الناحية السياسية كان هو صاحب خطط "النزعة الطورانية" التي كانت تهدف الى شق تركيا عن الشعوب الاسلامية الاخرى، وضمها الى شعوب وسط آسيا التركية. لكن هذه الخطط ادت الى كارثة في نهاية العام 1914 حين هزم فيها الجيش العثماني الثالث شر هزيمة في سارخميش. ولكن انتصار غاليبولي اعاد لأنور باشا بعض اعتباره. في العام 1918، وبعد ثورة 1917، انسحبت روسيا من الحرب، فاذا بأنور باشا يسرع الى احتلال باكو اذربيجان، لكن هزيمة المانيا والهدنة في اوروبا اجبرتاه على الهرب الى المانيا. وفي برلين التقى انور بالقائد البولشفي كارل راديك، ودعاه هذا الى موسكو التي زارها في العام 1920. وهناك شجعه القادة السوفيات على اقامة نوع من الاتحاد بين الجمعيات والاحزاب الثورية الاسلامية، ففعل، ثم عاد الى برلين ليحضر لهجوم تركي/ اسلامي كبير ضد الاحتلال الحليف لتركيا. غير ان هذا الامر تعارض مع رغبات السوفيات، وهكذا تحول من حليف الى عدو لهم. وزاد من بؤسه ان خطط مصطفى كمال وانتصاراته دفعته الى الظل، فعاد الى وسط آسيا، حيث راح ينظم مقاومة المسلمين هناك ضد الانكليز ثم ضد الروس السوفيات. وفي خريف 1921 انضم الى ثورة اقليم بخارى ضد الحكم السوفياتي ووجه لحكومة موسكو ذلك الانذار الشهير، وبدأ يشن ضدها حرب عصابات انتهت بقتله في مثل هذا اليوم من العام 1922.