الكتاب: السور رواية قصيرة المؤلف: شيرزاد حسن اصدار: مطبعة مديرية التربية - أربيل/ العراق - 1996 من المآخذ الكتابة القصصية والروائية الكردية، حالها كحال الاجناس الادبية الاخرى، انها لا تجرؤ على لمس قضايا غير مطروحة او تدشين مضامين حُسبت كمناطق الغام قابلة على تهميش البنية المجتمعية الكردية في حال كشف الغبار عنها. لا نغالي حين نقول بسبب جبروت التأريخ الماضوي لم يطرق القاصون الاكراد أبواباً مغلقه خوفاً من مواجهة مرايا تعكس الشلل التام تجاه قضايا مستقبلية وافرازات ربما تكون لتداعيها عواقب وخيمة، حسب المفاهيم المرحلية لماهية الأدب. كان القاص الكردي ميالاً الى الاصلاح اكثر منه الى تشكيل سمات وهوية جديدة للكتابة القصصية. رواية السور للقاص شيرزاد حسن تتجاوز تلك القوالب القديمة حين يحاول الغوص في مناطق محرمة على الفهم. تُسرد الاحداث، التي تقع داخل سور شيّد بعيداً عن المجتمعات المدنية/ الحضرية وعلائقها الاجتماعية، على لسان الابن البكر، احداث تشبه كابوساً مظلماً يختلط فيه الحلم بالواقع بما يستخدم فيه من فانتازيا والتقنيات الروائية المعاصرة الاخرى بوعي وادراك لوظائفها المتشعبة في ابراز الحدث المحلي في ضوء ابعاده ومضامينه الانسانية. الابن البكر، الذي هو راوي الاحداث وشاهد على مجريات الامور، يقع على عاتقه مسؤولية مواجهة السلطة الكلية لأب لا يفكر الا باشباع نزواته اللامحدودة وإرضاء غرائزه. يقوم الابن البكر، بعد معاناة نفسية طويلة وبعد محاولات فاشلة عديدة من قبل الآخرين وتحت ضغط اخواته واخوانه وزيجات الأب يتآمر على والده وقتله وهو مع زوجته الصغرى الاكثر تحبباً الى نفسه منفذاً بذلك النبؤة التي صرحت بها امرأة غجرية كان الأب يتردد عليها. تخبر الزوجة الصغرى الابن بأن هذه فرصة مناسبة للانتقام من شخص استلبها حقوقها وتزوجها بالاكراه، فتُنفذ الانتقام في موقف يتجسد فيه شهوة الخلاص من سطوة أب فقد كل الشرعية في رعاية أفراده اذ وصل الابن الى التفكير في قتله كبديل وحيد لاسترداد الحرية الفردية لنفسه واخواته والآخرين. بعد حادث القتل مباشرة، وفي الليلة نفسها التي احس افراد المملكة بطعم الحرية وبأنهم طليقون، بدت التشتت والفوضى تسودها، فغذت الحرية تفقد معانيها اذ قادت الجميع الى المجهول، فالأخوات وزوجات الأب المقتول اصبحوا يبحثون عن طريقة لترجمة احلامهم ويلهثون لإيجاد عشّاق. لكن هذا الحال لم يدم طويلاً، فسرعان ما أدانوا الابن البكر لأنه تسبب في اشاعة الفوضى بعد ان كان الامن والنظام في شكل من الاشكال مستتباً. ويتم طرده من السور وقضاء بقية حياته متأنب الضمير وهو جالس بجانب ضريح الأب. بقدر ما تعكس "السور"، ذلك المكان النائي والمغلق على نفسه الذي لا يمنح افقاً للنظر خلف بنيانه العالي اذ يمارس الأب سلطته الجنونية العمياء لالغاء ذواتهم واستلاب فرديتهم وخصوصيتهم المحلية تتجاوز بالقدر نفسه تلك الخصوصية نحو بيئات مجاورة تعاني من تراكمات تاريخية مترسبة في الذات المجتمعية. عبر "السور" يحاول شيرزاد اقامة حوارية جدلية مع قيم اجتماعية ممتدة عبر العصور تركت مهملة من دون توجيه اسئلة نقدية اليها تخدم التطور. هذا الفضاء اللامتناهي والزمن المفتوح تمنحان الرواية زخماً وقوة ابداعية وإثارة الجدل. تتكاثف في الرواية رؤية الروائي تجاه قضايا مصيرية اذ توصله الى مرحلة من اليقين والقناعة من الصعب الارتداد عنه او عدم الامتداد او الاضافة الى تلك المفاهيم الجوهرية الملتصقة بوجوده الانساني التي اكدها في الرواية