حتى الحزن قد يصير له عيد... اليوم، يتذكر الناس ديانا، يضعون الزهور عند باب قصرها، بعضهم يصارع دموعاً... والأغلبية تمضي في صمت كأنهم لا يزالون يسمعون أصداء أجراس الكنائس في تشييع جنازتها العام الماضي. هل يمكن لهذا الشعور ان يتوارى، ويقبل الناس ان الأميرة قتلت في حادثة سير عابثة لا مبرر لها؟ وأنها مثل أي انسان آخر تركت سيرة حياة مختلطة، مضطربة، لامعة، لا أحد يريد ان يتوقف عند هذا الحد... انهم يريدون اعادة صنع ديانا... حية في الخيال ورمزاً لوحدة في الشعور العام. كأنها مباراة كرة القدم، الفريق الوطني ينتصر فيها باستمرار. هذا الشعور هو أيضاً رمز للتمسك بوحدة الكيان. موت ديانا كأنه جاء في وقت مناسب. ضاعت فيها القيم الروحية وتفرق الناس نحو الألعاب والشخصيات والمذاهب البديلة. اليوم عودة الى منبع الحزن. وترى الناس يكتبون البطاقات، لكنها أقل حدة وأكثر وعياً بآلات التصوير... لن تموت ديانا إلا إذا أرادت وسائل الاعلام تلك النهاية لذكراها. وهناك صراع بين هذه وبين مؤسسات النظام حول ان تصير ديانا "قديسة" أم لا. لقد وصف أحد رجال الكنيسة ديانا بالقديسة الفاتنة ذات المعايير الأخلاقية الخاطئة. هل كان يتحدث عن شخصية في العصور الوسطى أم عن امرأة ماتت قبل سنة فقط؟ الكل يحمل صورة عن ديانا في رأسه، حتى الذين يكرهون هذه الظاهرة التي تشكلت حولها. الأفلام والكتب والبرامج والتلفزيون، لم تصل الى حقيقة ثابتة عن هذه المرأة... لكنها غدت صناعة مزدهرة، الكل يريد جزءاً من ذكراها. ربما ايقظت في الناس شعوراً بأن الحياة مجرد عبث، ربما ايقظت في آخرين العمل على التغيير... حتى القصر الملكي أعلن خططاً للتجديد والتقرب من الشعب والاستماع الى قضايا الشارع سيجند لها كل الامكانات الاعلامية المتاحة. الهدف هو اعادة الملكية الى شهرتها قبل ديانا. القصر يعترف بأن أميرة ويلز كانت على صلة بنبض الشارع، وباهتمامات الشباب، بدأت الملكة في هدوء تقليد خطوات الأميرة وتظهر في أماكن لم تفكر في زيارتها من قبل، على الأقل تحت أضواء وسائل الاعلام. عوض ان تنعزل ديانا وتغرق في منفى الشراب بعد مشاكلها الزوجية، استغلت مكانتها الاعلامية ودورها كأم لملك المستقبل. الهدف لم يتوقف عند هذا الحد. فبعد فراقها عن الأمير تشارلز قادت هجوماً مضاداً. وفي مقابلتها الشهيرة في برنامج بانوراما خاطبت الشعب مباشرة. قالت ان اسرة وندسور جامدة التفكير، وانها هي التي تمثل اتجاه المستقبل وتتحدث باسم الانسان العادي. وهكذا وضعت نفسها "مرشحة" للحصول على تأييد الشعب، بل انها عبرت عن شكوكها في تشارلز ملكاً في المستقبل، ولمحت الى انه من الأفضل ان يترك لأبنه الجلوس على العرش... وهكذا استمر الصراع بينهما. ولعل نشاطها الخيري الواسع كان رداً على مهمات تشارلز الرسمية في ذلك الوقت. من دون شك استطاعت ان تخطف أضواء الأسرة المالكة. تعود الأضواء لتسلط على الأسرة المالكة هل تستطيع ان تجذب الاهتمام اليها؟ لعل التدابير التي أعلنت الاسبوع الماضي هي جزء من مخطط طويل المدى. الملكية تريد ان تستفيد من ديانا ايضاً. في استفتاء اجري قبل فترة أظهر ان الناس يعيدون التفكير في دور الملكية ومستقبلها. لقد بدأت علاقة ديانا بالصحف الشعبية التابلويد منذ ان ظهرت صورتها في 1980 على الصفحة الأولى لجريدة "الصن" في عنوان يقول: "انه في حب آخر: الليدي ديانا الفتاة الجديدة" في تلك الفترة نقلت عنها صحيفة أخرى قولها "أجد المصورين في أي مكان أذهب، انه شيء متعب... لقد استمرت هذه الحالة الآن أكثر من اسبوعين". لم تكن تدرك ان ذلك سيستمر كل ما تبقى من حياتها. تلك الصحف ساهمت ايضاً في اقناع الأمير تشارلز بالزواج منها في عناوين تكررت على الصفحات الأولى: "لقد حان الوقت ليتزوج الأمير تشارلز، وديانا هي المرأة المناسبة". ديانا لم تكن تقول الكثير في المناسبات العامة، فقد اتخذت من مظهرها وسيلة للتعبير عن شعورها وعن حالتها الداخلية، واعتمدت على "الباباراتزي" في توصيل تلك الحالة. مسرحية "تشارلز وديانا: القصة الحقيقية" التي تعرض حالياً في مهرجان أدنبره تصور جزءاً من تلك الحقيقة. مسرحية تحول العلاقة بين الاثنين الى ميثولوجية معاصرة... لقد فشلت علاقتهما في شكل شنيع، لكنهما ظلا يمثلان أحداثها على الخشبة وامام الجميع... المسرحية تشير الى ان هناك خطراً للتعامل مع ديانا كما لو انها قديسة. لو كانت لا تزال حية لتعاملت معها الصحف بالطريقة التي كانت تتعامل معها دائماً بها: جذابة مثيرة للاهتمام وتستهويها المتعة... يؤدي دور ديانا رجل ليظل هناك حاجز بين الحقيقة وبين مواقف المسرحية. عندما كانت ديانا تغيب عن الانظار وعن الحياة العامة كان اصدقاؤها يقولون انها تعيش حالة عصبية متوترة من جراء ما كانت تعانيه من علاقة تشارلز مع كاميلا. هذه الحالة استغلها مقربون من القصر فطالبوا بوضعها في مستشفى للأمراض العقلية... ثم جاءت غرامياتها التي غذت الصحف لفترة طويلة. لقد فتحت الباب على مصراعيه للملاحقات في علاقتها المضطربة مع عدسة الصحافة. كانت تهرب من الباباراتزي، لكنها كانت تحب الظهور على صفحات المجلات الراقية وفي صور تنشر دعاية لها. كانت تعرف كيف تسخّر الصحافة، وفي الوقت نفسه كانت تتأثر كثيراً بما ينشر عنها. وخصوصاً عن علاقتها بدودي الفايد، في الصحف الانكليزية الى انها قررت ان تلتقي به في باريس هرباً من تلك الحملة، ولكنها لم تستطع ان تهرب أبداً.