تشهد مدينة زوريخ السويسريّة منذ أواسط شهر آب أغسطس الجاري، تظاهرة ثقافيّة وفنيّة شاملة مخصّصة للعالم العربي. نظّم التظاهرة التي تجذب جمهوراً واسعا وتنال اهتمام الصحافة، كل من مؤسّسة "برو هلفيتيا"، المؤسسة السويسريّة من أجل الثقافة التي يشرف عليها فيكتور دورشي ومقرّها جنيف، و"زوركر تياتر سبكتاكل" المسرح المعروف الذي يديره في زوريخ ماركوس لوسينجر. وفي البرنامج عدد من العروض العربيّة من المغرب والمشرق، في مجالات الرقص والمسرح والموسيقى، ويختتم اليوم وغداً بندوة شاملة عنوانها: "من يخاف الضفّة الأخرى للمتوسّط". بين الأعمال المسرحيّة التي عرضت، نشير إلى مسرحيّة "فمتلا" التي نفّذها التونسي توفيق الجبالي قبل سنوات عدّة، وما زال يجول بها في مدن عالميّة بصفتها نموذج المسرح الراديكالي الذي يتخطّى القوالب المتعارف عليها في العالم العربي، لكنّ العرض فقد الكثير من وهجه وتألّقه مع السنوات، وصار نوعاً من "الفذلكة" التي تثير فضول واعجاب بعض المشاهدين الغربيين. كما كانت السوريّة رولا فتّال في عداد المشاركين في التظاهرة، بعرضها الجديد "ذاكرة الرماد" الذي كتب نصّه المؤلّف التونسي المقيم في دمشق الحكيم المرزوقي. وهذا الثنائي المميّز الذي أطلق "مسرح الرصيف" يراهن على أشكال وموضوعات وجماليّات من خارج المؤسّسة الرسميّة، وقيودها الابداعيّة والفكريّة. وكان النجاح الأبرز لمسرحيّة تونسية عنوانها "سهرة خاصة"، من اخراج الفاضل الجعايبي وتأليفه بالاشتراك مع رفيقة دربه جليلة بكّار التي تتألّق أيضاً في أحد الأدوار الرئيسيّة للمسرحيّة. يشرّح الفاضل الجعايبي في عمله الجديد العلاقات بين الرجل والمرأة، انطلاقاً من تجربة جيله الخمسيني، جيل كلّّ الأحلام وكلّ الخيبات والاخفاقات، ويستوحي عوالم أوغست ستريندبرغ وإنغمار برغمان ووودي آلان. كما يقوم العرض على جماليّة أقرب إلى الأسلوب التعبيري المؤسلب والعنيف، وينعكس ذلك في التمثيل فاطمة بن سعيدان، فتحي العكّاري، زهيرة بن عمّار، حاتم دربال، رمزي عزيز، وفي السينوغرافيا قيس رستم وتصميم الرقصات نوال اسكندراني. كما أحيا الفنّان العراقي نصير شمّا أمسية موسيقيّة، واكتشف الجمهور فن "الكناوى" المغربي العريق. أما الندوة التي تقام اليوم السبت وغداً الأحد، فتنقسم إلى محورين. الأوّل بعنوان "الغرب والشرق: نقاط اللقاء والافتراق"، يبدأ بمحاضرة لجمال الدين بن شيخ، تتبعها مائدة مستديرة يديرها الزميل بيار أبي صعب ويشارك فيها: منحة البطراوي، طارق أبو الفتوح، الفاضل الجعايبي، هارتموت هاندريش، رينهارت شولتز وفرنسوا زبّال. والمحور الثاني بعنوان: "أي حريّة في متناول المسرح؟"، تبدأ بمحاضرة لالياس خوري، تتبعها مائدة مستديرة يديرها ماركوس لوسينجر، ويشارك فيها توفيق الجبالي، باسكال فغالي، رولا فتّال، فراي لايسن، فيليا بابا. كما يقدّم محمد بكري غداً عرضه المونودرامي "المتشائل" المأخوذ عن رواية إميل حبيبي الشهيرة.