تجمع القصيم الصحي يستضيف ملتقى "العقود المستمرةت حديات وحلول"    تشغيل 4 محطات جديدة لتنقية مياه الشرب في حي الشعلة بالدمام    رئيس وزراء سنغافورة يستقبل وزير الخارجية    3202 موقعًا جديدًا تُضاف للسجل الوطني للتراث العمراني    برعاية أمير الرياض ..الجمعية السعودية لطب الأسنان بجامعة الملك سعود تنظم المؤتمر الاقليمي للاتحاد العالمي لطب الأسنان    اختيار معلم سعودي ضمن أفضل 50 معلماً على مستوى العالم    "الخلاص" و "السكري" يتصدران إنتاج السعودية من التمور بأكثر من مليون طن    اعتقال رئيس كوريا الجنوبية.. وبدء استجوابه    ارتفاع أسعار الذهب مع ترقب بيانات تضخم أمريكية    الإيسيسكو ومؤسسة سلطان بن عبدالعزيز الخيرية تطلقان مشروعًا لتعزيز تعليم العربية في موريشيوس    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال11 لمساعدة الشعب السوري الشقيق    الأقل بين دول ال20.. التضخم السنوي في السعودية يتباطأ إلى 1.9%    استشهاد خمسة فلسطينيين في قصف إسرائيلي على مركز إيواء للنازحين بمدينة غزة    «وزارة الصناعة» توقع مذكرات تفاهم مع 6 دول لتطوير قطاع التعدين والمعادن في المملكة    «إثراء الضيافة القابضة» تدشن هويتها الجديدة بحضور وزير الحج والعمرة    شبح الإيقاف يطارد الدوسري    «التعليم»: الفحص اللياقي.. شرط لقبول الطلاب المستجدين العام القادم    حج آمن    رونالدو وبنزيما يهددان ميتروفيتش بخطف صدارة هدافي «روشن»    أمير القصيم يدشن مشروعات محافظة أبانات    المتحدث الأمني لوزارة الداخلية يؤكد أهمية تكامل الجهود الإعلامية بمنظومة الحج    أمير الشرقية يتسلم تقرير الملتقى العلمي    فيصل بن نواف يطلق ملتقى «جسور»    سعود بن بندر يستقبل مدير الالتزام البيئي ورئيس «رياضة الأساتذة»    المملكة والسَّعي لِرفع العقوبات عن سورية    "سلامة الأغذية" بالرس يحصل على "الأيزو"    فيصل بن بندر يطلع على أعمال أمن المنشآت    الشباب ينهي عقد كويلار    الاتحاد يتخلى عن صدارته    البروتين البديل    سعود بن خالد يشهد اتفاقية «الفاحص الذكي»    مستشفى المذنب يُجري 1539 عملية جراحية    مفتي الطائفة العلوية ل«عكاظ»: السعودية محل ثقة.. ودورها محوري في سورية    «أمن الدولة»: انتقلنا من مرحلة توفير الأمن إلى صناعته    مدير الجوازات: أجهزة ذكية لقياس مدة بقاء الحجاج في «الكاونتر»    زمن السيارات الصينية    بايدن يرفع كوبا عن اللائحة الأميركية للدول الراعية للإرهاب وهافانا ترحب    أمريكا والتربية    م ق ج خطوة على الطريق    برينتفورد يفرض التعادل على مانشستر سيتي بالدوري الإنجليزي    يا رجال الفتح: كونوا في الموعد    مجلس الوزراء: تشكيل لجنة مركزية دائمة للجهات الأمنية في المنافذ الجمركية    مفوض الإفتاء في جازان يحذر من خطر الجماعات المنحرفة خلال كلمته بالكلية التقنية بالعيدابي    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين.. نائب أمير منطقة مكة المكرمة يفتتح» مؤتمر ومعرض الحج 2025»    من أعلام جازان.. الشيخ الجليل ناصر بن خلوقة طياش مباركي    ولي العهد يتلقى اتصالاً هاتفياً من رئيس جمهورية البرازيل الاتحادية    "سلمان للإغاثة" يحلق عالمياً    الآثار المدمرة بسبب تعاطي المخدرات    «الغذاء والدواء»: الجنسنغ بجرعات عالية مضر بالصحة    أفكار قبل يوم التأسيس!    انطلاق فعاليات معرض مبادرتي "دن وأكسجين" غدًا في جازان    ألمانيا.. بين دعم السلام والأسلحة الفتاكة!    الدكتور علي مرزوق إلى رتبة أستاذ مشارك بجامعة الملك خالد    نائب أمير تبوك يتسلم التقرير السنوي لانجازات واعمال فرع وزارة التجارة    أمير الشرقية يقدم التعازي لأسرة السماري    إنجاز علمي جديد.. «محمية الملك عبدالعزيز الملكية» تنضم للقائمة الخضراء الدولية    أمير الجوف يشيد بدور "حقوق الإنسان"    برعاية الأمير فيصل بن خالد.. إطلاق جائزة الملك خالد لعام 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"التوق"... رواية أميمة الخش الثالثة . أنثوية الرؤية وواقعية الكتابة
نشر في الحياة يوم 26 - 08 - 1998

تجربة الروائية السورية أميمة الخش الثالثة "التوق"، تبدو الأكثر نضجاً وتميزاً، بعد روايتين، تفاوتت أولاهما في مساحة الخطاب السياسي المباشر، فيما جاءت الثانية أشبه بتمرين كتابي حمل دفقات فنية بشّرت بولادة كاتبة تستعيد الوقائع، وتعيد تظهيرها من جديد في سياقات وأشكال، تقترب من روح القارىء.
"التوق" ]دار الكنوز الأدبية - بيروت[، تذهب هي الأخرى، الى فضاءات التجربة السياسية لمحيط من الناس في لحظة اجتماعية بالغة التوتر: صيدلانية شابة تضطر لمعالجة طفل مريض - تحت ضغط أمه المتوترة - ممّا يتسبب في وفاته، لتبدأ من هذه الحادثة رحلة عذاب، تتعرض خلالها للضغوط المباشرة مرة، وللتهديدات مرات أخرى. من بوابة هذه الحادثة المشؤومة، تتقدم أهوال حياة هذه البطلة الروائية، فيما يغيب "حبيبها" خلف الجدران سنوات طويلة، تستعيده في الرواية مرات ومرات، لتكتشف في النهاية - ونكتشف معا أيضاً - أن ذلك الحب الذي أججت ناره سنوات الفراق والمبادىء المشتركة، لم يكن أكثر من صداقة حميمة جمعت ذات يوم رجلاً وامرأة، فيما الحبيب - الحلم لم يكن قد ظهر لعينيها بعد، ولكنه بمجرد ظهوره، قلب حياتها رأساً على عقب... الحبيب الفنان، الذي سوف يمشي معها عذابات حياتها، فيواجهان معاً ما كانت تواجهه وحيدة.
تذهب أحداث رواية "التوق" في خطوط متعددة، بعضها يقدم حياة المناضل المضطهد "أدهم" وما يواجهه من صعوبات استثنائية، فيما يأخذ خط آخر مشاهد من حياة الفنان، لا بوصفه إنساناً مغايراً فحسب، ولكن أيضاً باعتباره حارساً على القيم الكبرى والمثل الإنسانية العظمى، إذ يجد نفسه ملتزماً بالدفاع عنها ليس فقط من خلال إبداعاته الفنية، ولكن كذلك من خلال مواقفه اليومية حيث يواجه أشكال الانتهازية ويخوض صراعات مريرة معها، في الوقت الذي يصرف ساعات طويلة من أيامه في نقاشات نظرية مع حبيبته حول هذه المسائل... نقاشات صيغت في الرواية على شكل حوارات رومانسية الطابع والجمل. في كل هذه المواقف يمكن ملاحظة كثافة الجوانب الخيّرة أو الشريرة لدى هذه الشخصية أو تلك، بحسب حقيقتها الروائية، الى الحد الذي توشك كل شخصية معه أن تكون أحادية التكوين، فهي إما بيضاء، تنتمي الى عالم الخير والقيم والفضيلة وتصارع من أجل انتصارها، أو سوداء لوثتها الحياة المادية الى الدرجة التي لا يتورع صاحبها عن أية أفعال في سبيل تحقيق مآربه وأطماعه. ربما اعتبرنا هذه المسألة، أكثر سلبيات الرواية، والتي ساهمت - إلى حدٍ ما - في إفقادها دم الحياة ونسفها على رغم الأحداث المهمة التي قدمتها الكاتبة في سياقات فنية مشوّقة، فقارىء رواية أميمية الخش هذه يقف على أبطال منحوتين من أفكار أكثر مما هم قادمين من الحياة الحقيقية بصخبها وإيقاعها، وحروبها الصغيرة والكبيرة على حدٍ سواء. سوف يتساءل قارىء "التوق"، عن سرّ التحوّل عن حب المناضل "أدهم"، لصالح الفنان "غيث". هل هو الانعتاق من دائرة الإيديولوجيا الى رحابة الفن وظلاله التي بلا حدود؟
أعتقد أن قراءة هذا التحول في هذا السياق، لا تخلو من مشروعية فكرية وفنية، إذ أنها قراءة تواكب ما جرى في واقع الإنسانية من تحوّلات وأحداث انقلابية كبرى لا تزال نار مناقشاتها مشتعلة بين المثقفين في كل مكان، ولكنها هنا، لا تبدو ممتلكة لسياقاتها الدرامية التي يمكن أن تسوّغها في ذهن القارىء، إذ أن هذا التحول لم يقدم من خلال قناعات فكرية، أو محاكمات عقلية لدى البطلة، بقدر ما وقع من خلال انبهار فجائي عاشته بطلة الرواية عند لقائها بالفنان "غيث"، وبالتحديد من خلال لوحته الفنية التي يصور فيها بطلة الرواية في هيئة مشوّهة تدينها في قضية علاج الطفل وهو ما تقدمه الكاتبة كمحرض للبطلة للتعرف على "غيث" ومحاولة اقناعه ببراءتها. إن شيئاً من التدخل القسري يبدو قد وقع في هذه النقطة بالذات، وأعتقد أن الكاتبة قد قدمت بالمقابل حوارات جميلة بين بطلي الرواية أعادت لهذا العمل توازنه وجددت علاقته بالقارىء في النصف الثاني من الرواية. من المهم هنا الإشارة الى الأجواء الحميمة التي تقدمها أميمة الخش، والتي تنطلق أساساً من صدق المخيلة في عملها على بناء أجواء ومناخات روائية تقارب المشاعر الداخلية للمرأة في بحثها عن الرجل النموذج الذي تحلم بلقائه، فبعض مقاطع "التوق" يوشك أن يكون أناشيد حب عذبة، جميلة، وعالية الصدق، كتبت في لغة بوح متلعثمة، وإن تكن جديرة بجذب القارىء واستدراجه على المتابعة باهتمام ومتعة فائقين، ولعل الخاتمة التي اختارتها أميمة الخش لعملها الروائي أهم ما يميزها على الإطلاق، إذ أشارت هذه الخاتمة الى لقاء العاطفة والعقل، عند نقطة الوثوب نحو المستقبل في لحظة شفافية عالية: "في تلك اللحظات الدهرية، شعر للمرة الأولى في حياته، أنه تحول الى مقتبل صرف... للمرة الأولى في تلك الحياة البور وعى نفسه ذلك العنصر الترابي النبيل السخي، في عطائه وأخذه الذي كان يتجاهله.".
رواية "التوق" للكاتبة أميمة الخش، جهد كبير لا تقلل من أهميته الملاحظات السابقة بل لعلها تؤكد جدارته كعمل روائي متميز لكاتبة مثابرة على تحقيق انجازات ابداعية في هذا الجنس الأدبي المهم والصعب


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.