مجموعة من الباحثين المختصين تقرير الحالة الدينية في مصر - العدد الثاني مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، القاهرة. 1998 413 صفحة ترافق "تقرير الحالة الدينية في مصر" عند صدور عدده الاول في 1996، مع تصاعد ظواهر واشكاليات على صعيد تفاعلات الحقل الديني في مصر، وتشابكاته مع حقول اخرى اجتماعية وثقافية وسياسية، الامر الذي يصبح معه مشروع كهذا ضرورة مهمة في سياق تراكم المعلومات والرؤى المعينة على مراجعة وفهم هذه التفاعلات واستقصاء أبعادها. ويأتي العدد الثاني من هذا التقرير استئنافاً لمهام عدده السابق في دراسة المؤسسات الدينية الرسمية وغير الرسمية، والعمل الطوعي والاهلي في الحقل الديني الاجتماعي. ويتخطى الرصد الى تحليل الظواهر والوقائع والتفاعلات الاجتماية والثقافية، بما يمثل بانوراما حية لسيرة الواقع الديني السياسي والاجتماعي المصري في عمق حركته وآليات انتاج افكاره، الامر الذي نتج عنه تجديد في المعلومات واشتقاق لجوانب تحليلية مطورة تتلاءم ومفهوم "التقرير" علمياً. وفي افتتاحيته، يؤكد الدكتور عبدالمنعم سعيد - رئيس مركز "الاهرام" للدراسات السياسية والاستراتيجية - على انطلاق العدد الثاني من فكرة ترسيخ "ذلك التقليد المهم الذي جعل من دراسة العلاقة بين الدين والحياة العامة بتعقيداتها وتركيبها امراً على رأس قائمة الاعمال البحثية"، ناعتاً بالقصور ذلك النوع من الدراسات الضيقة الافق "التي جعلتها دوماً فريسة النظر من زاوية دراسة الظاهرة الأصولية وتفريعاتها في التطرف والارهاب". وتُحسب للتقرير تلك الموضوعية المنهجية المتوخاة، التي اتسم بها فريق العمل الذي يزيد على ثلاثين باحثاً مختصاً، وتجلت هذه الموضوعية لا في التناول والتحليل فحسب، بل في المواضيع ايضا، حيث رسّخت "المماثلة" عند النظر الى الدلالات السياسية والاجتماعية للاديان في مصر في حركيتها وتفاعلاتها، ومن ثم سقط من افق الدراسات عامل كثرة أو قلة عدد المنتمين الى دين أو مذهب، كمعيار للاهتمام من عدمه. وفي هذا الاطار أفرد التقرير دراسة للطائفة اليهودية في مصر، مضافاً اليها حوارات مع بعض افرادها رغم قلة وجودهم العددي الآن في الواقع المصري. حوى التقرير في متنه أربعة أقسام، كان الطابع المعلوماتي الرصدي والتوثيقي هو القاسم المشترك بينها. القسم الاول: جاء في عشرة فصول، خُصصت للمؤسسات الدينية الرسمية في مصر، كالأزهر ووزارة الأوقاف ودار الافتاء والكنائس الارثوذكسية والكاثوليكية والانجيلية، اضافة الى مذاهب وطوائف اخرى يهودية. وتناول ايضا حركة وتكوين واهداف المؤسسات الدينية العلمية، مثل كليتي الشريعة والقانون وأصول الدين، والكلية الاكليريكية الارثوذكسية، وكلية اللاهوت والعلوم الانسانية الكاثوليكية وكلية اللاهوت الانجيلية البروتستانتية في القاهرة. ولم يغفل في هذا الاطار ايضا تناول اللجنة الدينية في مجلس الشعب البرلمان ودورها الذي تنهض به، والفتوى وعملية الافتاء وآلياتها ودلالاتها المختلفة، بما تمثله من أهمية في حياة المسلمين المصريين تاريخياً، والعوامل في عملية الافتاء وادائها لوظائفها ودورها، باعتبارها عملية ذات آثار اجتماعية وسياسية وثقافية مهمة. ويهدف القسم الاول الى متابعة اداء وتطورات ووظائف وتفاعلات المؤسسات الدينية الرسمية الاسلامية والمسيحية عبر المعلومات والوقائع المتغيرة، بما يكشف عن حال هذه المؤسسات في حركتها وتفاعلاتها مع فواعل اخرى رسمية ومجتمعية. ومن هنا، فإن دراسة الكنائس الصغيرة على اختلاف انتماءاتها المذهبية والكنسية تُعد من مستجدات التقرير في اطار الرؤية التكاملية لصور الحضور المسيحي المذهبي والمؤسسي والعبادي كافة. القسم الثاني خُصص لدراسة الحركات الدينية غير الرسمية في مصر وخارجها، باعتبارها قوى محجوبة الشرعية. وجاءت على رأس هذا الاهتمام البحثي جماعة "الاخوان المسلمين" في اطار نظرة تاريخية لآليات التكوين والتوجهات، والمراحل والرؤى، وعلاقتها بالدولة والاستراتيجيات المتبادلة بينهما: استراتيجية المناورة والوجود، من قبل "الجماعة" في مواجهة استراتيجية الإقصاء من قبل الدولة. كذلك فإن الدراسة ترصد مواقف "الجماعة" ورؤاها في قضايا فكرية ذات ابعاد اجتماعية وسياسية مهمة مثل "حرية الاعتقاد والفكر" و"الصراع العربي الاسرائيلي"، انتهاء برصد وتحليل التناقضات والاختلاف الداخلي فكرياً وهيكلياً. ايضاً، يتناول القسم الثاني احد اهم القضايا السياسية في هذا الاطار، وهي تجربة حزب "الوسط" الذي لعب دوراً في العمل النقابي المصري في الثمانينات والتسعينات، وأثر التقدم بطلب لإنشائه على القيادات الاخوانية عموماً، وكان ان ظهر خلاف حاد داخلياً بين كبار قادة الجماعة، وبين حيل الشباب، وما استدعاه ذلك من إعادة طرح الرؤى حول أهمية وشكل وتوقيت المشاركة السياسية من عدمها، وشرائط التمثيل السياسي العلني وغاياته. ولم يكن هذا الخلاف بعيداً عن ردود فعل من اسلاميي الخارج ايضا، الذين ينطلقون من رؤية وفهم آخرين لطبيعة الدولة، ومن ثم فكرة "المشاركة" السياسية. ولم يغفل القسم الثاني تلك التطورات التي لحقت بالاسلاميين الراديكاليين في الخارج، من حيث: الافكار والشخوص والنزاعات والعمليات وعلاقتهم بالدول التي يقيمون فيها، وعلاقتهم أيضا بإسلاميي الداخل، وتعليق بعضهم على تفاعلات وحركة الداخل، مع تحليل تفصيلي لعمليات العنف ذي الطابع الديني والسياسي الطائفي كافة التي قامت بها تلك الحركة، والرصد الدقيق احصائياً لنتائج هذه العمليات وما اسفرت عنه، في ما يشبه رسم خريطة تصنيفية لهؤلاء في مختلف الاقطار خارج مصر. كذلك فإن القسم الثاني يتناول في جانبه المسيحي الحركات المسيحية غير الرسمية، بحيث أمتد التحليل والعرض الى أقباط وحركيي المهجر. وفي هذا السياق تم درس حالتي "الهيئة القبطية" في جيرسي سيتي في ولاية نيوجيرسي، والتي تأسست العام 1974، و"المنظمة الكندية - المصرية لحقوق الانسان" التي تأسست في كانون الثاني يناير 1995. ويتضمن التحليل الأبعاد المختلفة الخاصة بكل من الهيئتين السابقتين وما يربطهما من علاقات بالكنيسة الارثوذكسية والدولة داخل مصر. واضافة الى جمعيات أقباط المهجر، فإن القسم الثاني أفرد جزءاً منه لرصد التطورات التي لحقت بأوضاع بعض تجمعات المصريين الاقباط في المهجر، خصوصاً ما يتعلق بالرعاية والخدمة واوضاع الكنائس المصرية هناك والتي تنهض بأعبائها الكنيسة الارثوذكسية المصرية وقادتها الدينيون من الاكليروس. القسم الثالث: اهتم بدراسة العمل الأهلي والطوعي والمتغيرات التي حدثت في آليات هذا العمل، كذلك المستجدات والتطورات الاخيرة عبر ثلاثة فصول، اختص الاول منها برصد ودراسة الحركة الصوفية المصرية خلال 1996 متعرضاً لها من محاور ثلاثة، الاول: يعالج الشؤون الداخلية للطرق الصوفية، مثل نشاط مجلسها الأعلى والمشاكل التي تواجه تلك الطرق، بما في ذلك ما تعرض له المتصوفة أنفسهم من نقد، وردودهم في الدفاع عن انفسهم، وذكر المحاولات التي بذلت من اجل إصلاح شؤون هذه الطرق، ودراسة سبل ضمان استمرارها. في حين ركّز المحور الثاني على: موقف المتصوفة من القضايا العامة المطروحة في الواقع الاجتماعي السياسي الداخلي وما يتضمنه من موقفها ازاء الدولة والمجتمع والمؤسسات والجماعات الدينية الاخرى. اما المحور الثالث فاهتم بعرض وتحليل موقف المتصوفة من القضايا المطروحة على الساحة الخارجية. واختتم الفصل الاول من القسم الثالث بدراسة "حالة" لاحدى الطرق الصوفية التي اثارت جدلاً واسعاً في الفترة الاخيرة، وهي جماعة "البرهان". ويتناول الفصل الثاني من القسم الثالث حالة الجمعيات الاهلية الدينية في مصر متعرضاً للجديد في خريطتها، والمكون الديني لها والدور الذي تلعبه مقارناً بالمكون السياسي في مثل هذه النوعية من الجمعيات الاهلية، وهي الحالة التي تمثلها تطبيقياً في "التقرير" دراسة جمعية "الشبان المسلمين" وجمعية "الشباب المسيحية" للوقوف على العناصر المتشابهة والمختلفة منذ نشأة كل من الجمعيتين، ورصد نشاطهما الحالي، ودراسة طبيعة تنظيمهما الداخلي. وتعرض الفصل الاخير من القسم الثالث، لواحدة من أهم الظواهر الاجتماعية - الدينية، وهي ظاهرة "الموالد" الدينية، على نحو من الدرس الانثروبولوجي. وفي هذا السياق تمت دراسة مولدين مهمين في مصر، احدهما اسلامي، هو مولد سيدي أحمد البدوي في مدينة طنطا، والآخر مسيحي هو مولد مار جرجس في قرية ميت دمسيس. واتاحت ادوات الدرس الانثروبولوجي للدراستين إمكان التعرف الى جوانب التجربة الدينية في اطارها الشعبي، كأحد تمثلات الدين الشعبي في مصر وتجليات هذه الظاهرة اجتماعياً وثقافياً وسياسياً. القسم الرابع: يدرس قضايا عدة مهمة، منها تفاعلات الحالة الدينية في بعدها الإعلامي عن طريق تناول مضمون الصحافة الدينية الإسلامية والمسيحية تطبيقاً على إحدى عشرة مطبوعة تصدرها الهيئات الدينية المصرية المختلفة: ثلاث منها تصدر عن الكنيسة الانجيلية، وثلاث عن الكنيسة الكاثوليكية، وثلاث عن الكنيسة الارثوذكسية، واثنتان عن الهيئات الدينية الاسلامية. واتبعت الدراسة طريقة تحليل المضمون، مستخدمة في احدى زواياها استطلاعاً للرأي الرصدي قسمت استمارته الى اربعة اقسام المواضيع - كاتب الموضوع - الجمهور المستهدف - المعالجة، ما امكن معه استنتاج طبيعة الاهتمامات النوعية لهذه المطبوعات وتحليل توجهاتها. وأُرفقت الدراسة بثلاثة جداول احصائية تعيينية اظهرت جميعها ان الاهتمامات السياسية - لدى هذه المطبوعات - تأتي في مرتبة اخيرة بعد الاهتمام الديني ثم الثقافي، وان طريقة "التلقين" هي الغالبة على المعالجة الثقافية والفكرية، فيما جاءت طريقة "الحوار" في مرتبة متدنية. والقسم الرابع يتناول بالتحليل خطاب الإسلاميين المستقلين وبعض القادة الدينيين المسيحيين من ذوي الاتجاهات التجديدية. وقد اخذت الدراسة منظوراً نقدياً للخطاب الديني المستقل لدى هؤلاء "لا يقف عند مجرد التحليل للنصوص المقدمة من قبل أصحاب هذا الخطاب، بل يتعداه الى التعرف على خاصياته المميزة وفرز عطائه وتفكيك مستنداته وتعيين ممارسات صياغته للمعنى"، كما يؤكد ضياء رشوان، في اطار من المساءلة التي تمارس فعلها عبر مقاربة مواقف هذا الخطاب من التراث والتاريخ والآخر والجماهير. اما الفصل الثالث من القسم الرابع فقد تناول أحد تجليات الظاهرة الإسلامية الحديثة على المستوى الاقتصادي، وهي ظاهرة "البنوك الإسلامية" التي هيمنت على أفق الفكر الإسلامي منذ عقد السبعينات. وقد خاضت دراسة هذه الظاهرة في محاور تاريخية ونظرية وعملية شكلت معاً هيكل الظاهرة، في محاولة للإجابة عن التساؤلات العديدة التي تحيط بها. ويتناول الفصل الأخير من القسم الرابع، ايجابية التحاور والتعاون الفكري في إطار التواصل بين المؤسسات الدينية المختلفة، والذي يتجلى في ظاهرة لها جذورها البعيدة في تاريخ الحركة الوطنية والفكرية المصرية، والتي تتمثل آنياً في دعوة كنائس أو مؤسسات دينية مسيحية لمسلمين كي يحاضروا فيها، وهو ما يلقي ضوءاً على أحد التفاعلات الصحية دينياً وفكرياً بين المصريين على اختلاف انتماءاتهم الدينية.