قتل المولى إدريس الأكبر غدراً بقارورة سم ناوله إياها الشماخ على أنها من طيب استجلبه من الشرق، وحينما اشتم ما فيها سرى السم الى خياشيمه وتسرب الى دماغه فغشي عليه ثم مات بعد حين. وهذه الطريقة التي تم بها اغتيال المولى إدريس تدل على الدهاء مثلما تدل على أن هذه الطريقة "العلمية" في تركيب السم القاتل لم تكن قطعاً من صنع عربي، والراجح أنها من مبتكرات عناصر قد تكون فارسية علماً لما كان لأهل فارس من نفوذ في بلاط هارون الرشيد. كانت الجريمة من فعل شخص واحد كان مكلفاً بهذه المهمة فأنجزها وقفل هارباً الى بغداد لينال الجزاء الذي وعد به، فهل كان هارون الرشيد يريد اغتيال رجل "ليستريح" منه، أم كان يريد اغتيال رسالته، أم كان يقصد باغتياله بهذه الطريقة "العلمية" التستر على هذه الجريمة السياسية وهو يعلم ما يعلم من فضل المولى إدريس وما أظهره المغاربة من محبة له وتعلق به وبآل البيت عموماً. إن الذين أرخوا لهذه الحادثة وسردوا تفاصيلها لم يطرحوا هذه الأسئلة، ذلك لأنهم تعاملوا مع الحادثة بمنهج تاريخي بحت لم يتجاوزه الى استنباط الأبعاد السياسية الكامنة فيه، أو يستعملوا حاسة التاريخ السياسي الذي أرى أن حظه من البروز كان محدوداً تجاه هذه القضية وكأن المولى إدريس كان حلقة عادية في عقد التاريخ العام لتلك الحقبة التي تشكل، في اعتقادي، منعطفاً عميقاً لتاريخين متمايزين، تاريخ إسلامي مشرقي، وتاريخ إسلامي مغربي، أو بعبارة أدق تاريخ الغرب الإسلامي. وأسمح لنفسي كقارىء مستقرىء للأحداث مستنطق لدلالاتها من موقع إيماني العميق بالمولى إدريس المؤسس، الرسالة، الظاهرة، لا من موقع الفاحص المدقق للأحداث ذاتها... أسمح لنفسي بمحاولة الإجابة على الأسئلة التي بقيت بدون جواب شاف. أعتقد ان مخطط اغتيال المولى إدريس كان من وضع وتصميم وزير هارون الرشيد الداهية نافذ التأثير في بلاط الخليفة العباسي، ألا وهو يحيى بن خالد البرمكي، فهذا الوزير هو الذي أشار على هارون بالخطة، ورشح لها من ينفذها وأشرف على إعدادها، لقد استشعر هارون الرشيد الخطر الذي يمثله المولى إدريس على سلطته، ورأى أن هذا الخطر يتمثل كما قال لوزيره حين دعاه للاستشارة فيما ينبغي عمله، في "أن الرجل قد فتح تلمسان وهي باب أفريقية ومن ملك الباب يوشك أن يدخل الدار، وقد هممت أن أبعث اليه جيشاً ثم فكرت في بعد الشقة وعظم المشقة فرجعت عن ذلك". وحسب هذا التصريح فإن هارون الرشيد حينما فكر بمنأى عن توجيه ورأي وزيره، فكر كخليفة، أي كمسؤول عن وحدة مملكته واستتباب الأمن فيها، وفكر كعربي أي يستعمل الأداة والوسيلة الواضحة المباشرة، أي استعمال القوة وانفاذ الجيش لمقاومة من "شق عصا الطاعة عليه"، وهو تفكير نجد له ما يبرره في طبيعة ومسؤولية الرجل، ثم انه، ومع نفسه، حينما قلب الأمر على جميع أوجهه واحتمالاته قر رأيه على استبعاد فكرة استعمال القوة المسلحة، إشفاقاً على جند الدولة من "الشقة وعظم المشقة"، والمشقة هي ادراكه ما كان للمولى إدريس من مكانة لدى المغاربة، وكيف التفوا حوله وهو الرجل الأعزل بلا جيش ولا سلطة من مال أو أنصار، فإذا احتكم الى القوة لحسم الموقف فإنه قد خسر الشعب المغربي كله. ولكنه، في حيرته هذه وهو الخليفة الحصيف القوي كان يبحث عن طريقة ما تحول دون أن يدخل المولى إدريس الدار بعد أن فتح بابها، ولعله كان يخشى أن يتجاوز المولى إدريس حدود تلمسان، فيزحف بقوته المتنامية الى بغداد، ولم لا وموطن الخلافة إنما هو الشرق وليس هو المغرب؟ وإدريس الناجي من وقعة فخ قد يكون اتخذ من المغرب قاعدة انطلاقة لانتزاع الخلافة من أبناء عمومته العباسيين الذين انتزعوها غلابا وتجاوزاً للبيعة التي عقدوها هم أنفسهم للعلويين. ولكن الوزير يحيى بن خالد البرمكي غير بمشورته لهارون الرشيد وبخطته الجهنمية مجرى الأحداث، وعجل من حيث لايدري بنهاية كانت محتملة ولكن لم تكن قد نضجت بعد كقرار في مخيلة المولى إدريس، وكيف يمكن تحقيقها ومتى، نهاية سلطة الخلافة المشرقية على المغرب الأقصى وقيام دولة مغربية إسلامية على أسس البيعة الشرعية ممثلة في إمام وعرش وسلطة دينية ودنيوية. والخطة البرمكية كانت ترتكز على رهانين: الأول: أن يموت المولى إدريس بالسم المستنشق، فلايعرف المقربون اليه، ولايعرف الشعب، سر هذا الاغتيال الكيماوي الغريب، وبالتالي تستبعد التهمة عن الخليفة وعن بغداد. والثاني: أن يحدث ذلك الفراغ الذي تصوره الوزير البرمكي، فكان يعتقد أن اختفاء المولى إدريس سيضع حداً لذلك الوضع الذي كان يمثله، وستعود المياه الى مجاريها ولن يجد المغاربة رجلاً في مكانة المولى إدريس يمحضونه ذلك الحب الذي أحاطوا به سبط الرسول صلى الله عليه وسلم، وان المغاربة سيعودون الى سلطة الخليفة من جديد، فالرجل، الاشعاع، والرسالة، قد اختفى... وينتهي كل شيء! وقد سقط الرهان الأول، ولابد من وقفة قصيرة لمشاهدة سر آخر من أسرار العناية التي أحاط الله سبحانه وتعالى بها سبط رسوله الكريم، عناية أنقذته من موت محقق في وقعة فخ، وعناية كشفت سر اغتياله في مدينة وليلي، ليبقى المولى إدريس حياً في ضمير المغاربة وحياتهم جيلاً بعد جيل الى أن يرث الله الأرض ومن عليها. يفهم من الروايات التاريخية أن الشماخ استوثق من المولى إدريس ووقع من نفسه موقع الأمان والثقة، أصبح يتحين الفرص للانفراد به لينفذ فعلته، ولكنه كان يجد في كل لحظة راشداً ملازماً للمولى إدريس لايفارقه كظله، إلى أن كان يوم غاب فيه راشد في بعض حاجاته، فدخل الشماخ وجلس يحادث المولى إدريس الى أن حانت اللحظة المناسبة فناوله القارورة المسمومة. هنا كانت العناية الإلهية حاضرة، فالشماخ وقد رأى أثر السم على وجه المولى إدريس، خرج مسرعاً الى بيته، وركب فرسه واتجه صوب الشرق قاصداً الإفلات والهروب، وقد كان بإمكانه أن يظل حيث هو ويتحلى بالجأش ويظهر الجزع على ما أصاب الرجل الذي محضه ثقته دون أن يخشى تهمة أو يتوقع ريبة، ولكن الجريمة المروعة أطاحت بدهائه وكشفت سر خيانته وشقائه، فعرف راشد والناس ان الشماخ قاتل غادر، وانه أتى مكلفاً بتنفيذ هذه الجريمة. وأفلت الشماخ من سيف راشد الذي تقول الروايات انه لحق به عند وادي ملوية فضربه بسيف وقطع يمناه وشج رأسه ولكنه لم يمسك به... فعاد إلى بيت مولاه لتبدأ فصول عناية ربانية أخرى بهذه الأمة وبمصيرها وبما قدره الله لها على يد إدريس ومن جاء بعده، وتلك هي قصة سقوط الرهان البرمكي الثاني. مجلس الشورى ساد الحزن قلوب الشعب المغربي على ما حل بسبط الرسول صلى الله عليه وسلم، وما نزل بالرجل الذي أحبوه والتفوا حوله، ورأوا فيه المنقذ الذي كانوا يتطلعون اليه، ولكن الجزع لم ينل من عزمهم، أو يفتِّ في عضد أناتهم وتبصرهم، ويفقدهم صوابهم، فبعد أن حملوا نعش فقيدهم العزيز إلى مثواه الأخير، اجتمعوا ليروا في أمرهم ما يفعلون، هنا كان راشد ذلك المغربي الأمين الحكيم الوفي حاضراً، فخرج الى الناس وهم مجتمعون فقال لهم: "ان إدريس لم يترك ولداً إلا حملاً من زوجته كنزة، وهي الآن في الشهر السابع من حملها، فإن رأيتم أن تصبروا حتى تضع حملها فإن كان ذكراً أحسنا تربيته حتى إذا بلغ مبلغ الرجال بايعناه تمسكاً بدعوة آل البيت وتبركاً بذرية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كان جارية نظرتم لأنفسكم". فقالوا له: "أيها الشيخ المبارك مالنا رأي إلا ما رأيت، فإنك عندنا عوض من إدريس تقوم بأمورنا كما كان إدريس يقوم بها، وتصلي بنا، وتقضي بيننا بكتاب الله وسُنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ونصبر حتى تضع زوجته حملها ويكون ما أشرت به، على أنها إن وضعت جارية كنت أحق الناس بهذا الأمر لفضلك ودينك وعلمك". فانظروا الى هذا السمو الروحي، والى هذا النضج السياسي، والى هذه الأخلاق النبيلة والشيم الكريمة والوفاء بالعهد وإيثار الحق والخير والمنفعة العامة. إن هذه الكلمات المتبادلة بين راشد والجموع التي احتشدت بعد دفن المولى إدريس لهي من الدرر الثمينة في التاريخ الوطني السياسي والأخلاقي والديني للأمة المغربية، أمة العهد والاسظتقامة والوفاء والصراط المستقيم. حقق الله أمره... وأرسى المولى إدريس قواعد الرسالة لدولة المغرب الإسلامية، وآلت الأمانة الى شعب آمن بتلك الرسالة وتشبع بها والتف حول أهدافها، ولم يحدث ما كان قد خطط له يحيى البرمكي ونفذه الشماخ. فالشعب المغربي بايع المولى إدريس الأزهر وهو مايزال حملاً في رحم أمه كنزة. وتعهد سلفا أن يكون خلفاً لوالده. وهكذا، وفي انتظار المولود شكل المغاربة لأول مرة في التاريخ الإسلامي مجلساً للوصاية ووصيا على هذا المجلس هو راشد الأمين الذي أدى الأمانة، وقام بها على أكمل وجه وأوفاه. وتمثلت في هذا الرجل تلك الصفة الخالدة للوفاء والولاء التي كانت وبقيت ولاتزال بحمد الله سمة المغاربة المسلمين المؤمنين إزاء عرشهم وملكهم. وولد المولى إدريس الأزهر يوم الاثنين ثالث رجب عام 171 ه، فكفله مولاه راشد وتعهده تربية ورعاية وتثقيفاً وإعداداً للمهمة التي تنتظره. وكان المولى إدريس الأزهر استمراراً لوالده وكان أول ملك مغربي الأم والنشأة والمسقط. كان نتاج تلك المصاهرة الزكية الطاهرة بين المولى إدريس وكنزة بنت زعيم أوربة، مصاهرة من الدم بعد مصاهرة الروح والعهد والالتحام! وكانت تربيته مثال التربية التي أصبحت عماد وأساس كل البيوتات التي توارثت عرش المغرب، تربية دينية وثقافية واجتماعية تؤهل قيادة أمة مسلمة يكون ملكها عالماً متفقهاً في الدين متطلعاً في لغة القرآن حافظاً للحديث أو مستظهراً له، جامعاً للحكمة، فصيح اللسان ثبت الجنان، عارفاً بخفايا وأسرار الحكم والقيادة، شجاعاً رياضياً، سموحاً عطوفاً، محيطاً كل الإحاطة بتقاليد شعبه وطبائع أمته، غيوراً على مصالحها، منافحاً عن حقوقها، رافعاً لشأنها متمثلاً كبرياءها الوطني في مواقفه وعلاقاته مع الآخرين. أول عاصمة... وأول حكومة كان المولى إدريس الأزهر على موعد وهو بعد في يفاعته، مع اتمام رسالة والده في بناء أسس الدولة بعد قيامها واستقرار وجودها، وهكذا فإن الحديث عن المولى إدريس الأزهر ليس بالحديث عن إمام مختلف عن أبيه، بل حديث عن رسالة أبيه في شخصه، وحديث عن قوام وأسس وقواعد الدولة التي أنشأها والده، فهو سر أبيه بكل ما تحمل هذه الكلمة من معان، وعلى هدي هذه الحقيقة يكمن فهم أبعاد ودلالات المنجزات التي حققها المولى إدريس الأزهر، كبناء أول عاصمة للدولة الجديدة، وإقامة أول "حكومة" بها وزراء ومستشارون في عهد المغرب الإسلامي وتنظيم الحياة المدنية، واستقبال النازحين من علماء وفقهاء ونبهاء ورجال السياسة من أفريقيا ومن الأندلس ومن المشرق العربي، كأول بادرة في تاريخ المغرب الإسلامي لاستقبال كل مضطهد أو مظلوم، وفتح الأبواب لهجرة الأدمغة الى المغرب لا للاستفادة من خبرتهم كأجانب، بل ولاتاحة كل الفرص لهم للاندماج في الكيان الوطني كمواطنين مسلمين في بلد إسلامي ووسط أمة إسلامية، كذلك قام المولى إدريس الأزهر باستكمال ما بدأه والده في نشر العقيدة الإسلامية في طول المغرب وعرضه وتطهير ما بقي في المغرب من بؤر المذاهب والخوارج، وتعريب الدولة المغربية لساناً وثقافة وتربية ومعاملات، فلا إسلام بلا عربية، وابراز وجه المغرب في بعده الحضاري المتفتح، فالرسالة التي كان المغرب مهيأ لها هي رسالة الإسلام، والقرآن الكريم هو دستور هذه الرسالة ولسانها ومرشدها ومرجعها، وهو بلسان عربي مبين. وكان المولى إدريس الأزهر هو الملك الذي بنى مركز دولة المغرب الجديدة خارجياً، مثلما دعم وأرسى أسسها داخلياً، فقد أصبح المغرب في عهده دولة لها نظامها المتكامل وسيادتها السياسية والاقتصادية والمالية وممثلوها ومؤسساتها، وتجلى أثر هذه الهيبة وتلك المكانة فيما أصبح يدبر للدولة الجديدة من مكائد للنيل من مقومات وجودها ووحدتها وإثارة الفتن هنا وهناك لإشغالها وإنهاكها كمدخل لبسط الهيمنة من جديد على المغرب وفرض إرادة حكم خارجي واستيلاب إرادة شعبه وإلحاقه مرة أخرى بتبعية الولاء للشرق أحياناً وللأندلس أحياناً أخرى. وقد بدأت هذه المكائد على يد ابراهيم بن الأغلب صاحب أفريقيا كما يصطلح على تسميته المؤرخون القدامى أو والي الخليفة العباسي على ما كان يعرف بأفريقيا في المصطلح السياسي آنذاك، أي المغرب العربي ابتداء من برقة الى طنجة، وكان ابراهيم بن الأغلب هذا أقوى وأنفذ الولاة الذين عرفتهم منطقة المغرب العربي منذ دخول الإسلام الى ذلك الحين، وكان يتمتع بأكبر قدر من الاستقلال والتصرف، ويحظى بكامل ثقة العباسيين، وهو الذي كان قد اجتمع بالشماخ قبل قدومه الى المغرب وأعد معه تفاصيل خطة اغتيال المولى إدريس، وكان مقر حكمه وإقامته في تونس، وحين رأى فشل الخطة التي استهدفت اغتيال المولى إدريس، ورأى المغاربة وقد بايعوا إدريس الثاني وهو حمل في بطن أمه، وكيف أن الفراغ الذي كان يأمل حدوثه لم يقع، وان المغاربة ظلوا على وفائهم وولائهم وتشبثهم بعهدهم، دبر خطة لاغتيال راشد ظاناً منه أنه هو العقبة والأداة التي تقف في وجهه لاستعادة هيمنته على المغرب كوالٍ للخليفة، ولكنه هذه المرة لجأ الى وسيلة جديدة هي الاغراء بالمال لاستمالة بعض المغاربة وامتلاك ضعف بعض النفوس لإحداث ثغرة في جدار الوحدة الوطنية للمغاربة وضرب بعضهم ببعض، وهكذا استطاع أن يجد من ينفذ له هذه المؤامرة، فقتل المولى راشد رحمه الله واجتثت رأسه وحملت إلى ابراهيم بن الأغلب، وحدث هذا حسب بعض الروايات في السنة التي بويع فيها المولى إدريس الأزهر وهو يومئد ابن إحدى عشرة سنة وخمسة أشهر، وإذا اعتمدنا على هذه الرواية وهي في نظرنا تبدو أقرب الى منطق الأحداث وتسلسلها، فإن ابراهيم بن الأغلب قد نفذ خطته في وقت دقيق وحاسم، وان الخطة كانت تشتمل على العناصر التالية: - اغتيال راشد الرأس المدبر رئيس مجلس الوصاية. - استمالة بعض القادة النافذين واغراؤهم بالمال والنفوذ وفي مقدمتهم إسحاق بن محمد الأوربي زعيم أوربة المشهور وجد المولى إدريس من أمه. - إحياء الدعوة من جديد لحمل الناس على خلع بيعتهم للمولى إدريس وتجديدها للخليفة العباسي. وبذلك يتم إجهاض الدولة الجديدة التي أسسها المولى إدريس الأكبر رضي الله عنه. وأمام هذه الخطة المحبوكة، وجدت الإرادة المغربية نفسها أمام مواجهة اختبار صعبة وخطيرة، اختبار الإيمان والوفاء من جهة، واختبار الإرادة السياسية الوليدة من جهة أخرى. فماذا كان رد المغاربة: أولاً: قام بكفالة المولى إدريس بعد مقتل رفيق أبيه، ومربيه، والساهر عليه، راشد، مواطن مغربي آخر لم تورد الروايات التاريخية تفاصيل عنه، وهو أبو خالد يزيد بن إلياس العبدي، ويفهم من تركيب الاسم أنه كان من رجال أوربة، ولربما كان أحد الذين كان يستعين بهم راشد في ادارة شؤون الدولة ومجلس الوصاية. ثانياً: الإسراع بعقد البيعة للمولى إدريس الأزهر وهو مايزال فتى في الحادية عشرة وخمسة أشهر من عمره، لوضع حد للفراغ الدستوري من جهة، ووضع حد لنمو واستفحال الأطماع تحت تأثير الاغراء المالي، ووضع الجميع أمام الأمر الواقع من جهة أخرى. فهل كان هذا الرد في مستوى الأحداث والأخطار المحدقة بالدولة الجديدة الوليدة؟ لقد قلت إن المولى إدريس الأزهر كان سر أبيه، وأقول الآن انه كان أيضاً استمراراً نورانياً لأبيه - الظاهرة. فعندما بايعه شعبه صعد نفس المنبر الذي خطب فيه أبوه عندما بويع وقال: "الحمد لله أحمده وأستغفره وأستعين به وأتوكل عليه وأعوذ بالله من شر نفسي ومن شر كل ذي شر، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله المبعوث الى الثقلين بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً صلى الله عليه وسلم وعلى آل بيته الطاهرين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً. أيها الناس إنا قد ولينا هذا الأمر الذي يضاعف فيه للمحسن الأجر، وعلى المسيء الوزر، ونحن والحمد لله على قصد، فلا تمدوا الأعناق إلى غيرنا، فإن الذي تطلبونه من إقامة الحق إنما تجدونه عندنا". وعند انتهاء خطبته، تزاحم الناس حوله وإليه، يبايعونه ويقبلون كفه تبركاً وإظهاراً للولاء والمحبة، وهم أشد ما يكونون اعجاباً واكباراً لهذا الملك الفتى شبيه أبيه في سمته وإشراقة وجهة وفصاحة لسانه وقوة شخصيته. وتواردت عليه الوفود من كل صوب تجدد البيعة له، وتعلن التفافها حول قيادته. وكانت البيعة ومظاهرها وحفاوتها ميلاداً آخر وإعلاناً جماعياً باهراً للوطنية المغربية الأصيلة في أبهى وأجمل صورها، وبذلك انهار الركن الأساسي في خطة ابن الأغلب التي كانت تروم اغتيال المولى إدريس الأزهر بعد اغتيال راشد. سياسة الملك وكان التحدي الأول الذي واجهه تحد داخلي، تمثل فيما بذله ابن الأغلب من جهد وتخطيط لاستمالة رجال قومه عليه واستعدائه لهم بالخروج عن طاعة ولائهم وبيعتهم، وكان من بين هؤلاء رجل يدعى بهلول بن عبدالواحد المضغري، وكان هذا من خاصة المقربين للمولى إدريس ومن مجلس مشورته وأركان دولته، وقد استطاع ابن الأغلب استهواءه بالمال وتحريضه على خلع ما بعنقه لإدريس وإعلانها لهارون الرشيد. وهنا أبان المولى إدريس الأزهر ليس فقط من الحكمة التي يقتضيها تطويع الصعاب، بل وضع في نظري قاعدة متينة وأساسية من قواعد السياسة الملكية بالمغرب، ألا وهي سلوك سبيل اللين لا ضعفاً ولكن تسامحاً وإرشاداً، وفرد أجنحة الرحمة وسعة الصدر ايقاظاً لنوازع الخير في النفوس حتى تغلب على ما فيها من شر، وهكذا شمل برحمته وسماحته ذلك الخارج عن الطاعة، وبدل أن ينزل به العقاب ويسلط عليه سيف العذاب ألزمه بالاعتزال في بيته، أي فرض عليه ما يعرف في عالم اليوم بالإقامة الإجبارية ليتركه في مواجهة نفسه وضميره ليرجع إلى رشده إن كان ما فعله تأثيراً مفروضاً عليه لا تأثراً حمله على ما فعل، وكانت النتيجة أن بهلول بن عبدالواحد المضغري استنجد برحمة إدريس وسابغ سماحته وسعى لنيل رضاه باستعطافه بقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعفى عنه المولى إدريس وأعاد له حريته واعتباره وضمن مودته وصدق ولائه، وكسب بذلك المزيد من محبة الناس وتعلقهم به، وكان تصرفه الحكيم هذا رادعاً أخلاقياً قوياً لكل من سولت له نفسه أن يتآمر بالسوء في حق بلاده وشعبه ومقدساتهما. فرأى الشعب في المولى إدريس الملك الرحيم العطوف العادل. وبقدر ما كان المولى إدريس عطوفاً رحيماً حكيماً على من توسم فيه الندم والتوبة، كان شديداً حاسماً تجاه جده من أمه إسحاق الأوربي الذي شق عصا الطاعة لحفيده وأعلن موالاته لابن الأغلب، فما كان منه إلا أن حسم الأمر بما تستوجبه المصلحة العامة التي تعلو وتسمو فوق أي اعتبار وأية عاطفة حتى لو كان المستهدف للعقاب هو أقرب الناس إليه، وهو والد أمه بالذات، ولقد كان ذلك شاقاً عليه كإنسان بدون شك ولكن الحزم الذي لامفر من استعماله وتنفيذه شرعاً وسياسة ومسؤولية لايملك حق التصرف فيها أو التهاون في أدائها. ولعل هذه الحادثة، أي تنفيذ حق الشرع في جده، كانت أحد الأسباب التي حدت به الى الابتعاد عن مدينة وليلي وبناء عاصمة جديدة بعيدة عنها تكون مستقر حكمه ومقامه، ولكنه ترك هناك ضريح والده المؤسس شاهداً على ما كان لذلك المكان من تاريخ مجيد وذكر تليد لميلاد ونشأة الدولة المغربية الإسلامية. وكان التحدي الثاني الذي واجه المولى إدريس تحدياً خارجياً ذا اتجاهين ومركزين، من المشرق ممثلاً في والي الخليفة العباسي القوي ابن الأغلب في تونس، ومن الشمال ممثلاً في حاكم الأندلس وخليفتها الحكم بن هشام الأموي، فالمغرب يوجد بينهما مستهدفاً منهما، وكلا الرجلين يملكان قوة الجيش والمال والسلطة وادعاء الشرعية فيما يطمحان إليه من اخضاع المغرب لسلطتيهما. لقد كانت الشرعية المغربية أمام امتحان عسير عليها أن تواجه لفرض وجودها واحترامها وبقائها واستقرارها. فكيف واجه المولى إدريس الأزهر هذا التحدي الخارجي؟ كان ذكره قد شاع وعدله وسماحته وشهامته قد طبقت أنوارها الآفاق، ولله جنود السماوات والأرض، يعز من يشاء ويذل من يشاء. فما هي إلا سنة من تقلده مهام القيادة حتى توافدت عليه الوفود من تونس، مقرُّ ابن الأغلب، ومن الأندلس مقر الحكم بن هشام، وفود من الفرسان والعلماء والوجهاء ومن أهل الورع والتقوى، شدت الرحال اليه طلباً لعدله، واحتماء بشرف نسبه، وتقرباً لخدمته وإعانته على نشر دعوة الإسلام وتثبيت أركان دولته في المغرب على بيعة الرضوان وطاعة الإمام، وكانت هذه الوفود وفود مهاجرين أو لاجئين سياسيين، كل واحد من أفرادها ذاق إما مرارة الاضطهاد المذهبي الديني، أو مرارة الاضطهاد السياسي، أو هما معاً. فقد كان المهاجرون سنيين حنفيين، وكان من بينهم محدثان عالمان جليلان أحدهما عامر بن محمد بن سعيد القيسي سمع من مالك بن أنس وسفيان الثوري وروى عنهما، والثاني هو يحيى الليثي صاحب مالك وراوي الموطأ عنه. واحد أتى من الشرق والآخر جاء من الأندلس. الملك العالم وهكذا سن المولى إدريس الأزهر تلك السُنة الزكية المباركة بملازمة الملوك المغاربة للعلماء وجعلهم عماد مشورته وأساس دعوته ورسالته. وهكذا اشتد ساعد المولى إدريس الأزهر برجال كانوا عوناً له في نشر دعوته وأداء رسالته واستتباب الأمن الروحي لأمته، ووضع اللبنات الأولى لوحدة المذهب بعد وحدة العقيدة ووحدة الصف والوحدة الوطنية المتراصة خلف العرش المغربي، وأكرم المولى إدريس وفادة القادمين عليه وأنزلهم عنده منزلة التقدير والاعتبار، وعهد الى بعضهم بمسؤوليات جسيمة، واستعان بخبرتهم وكفاءتهم على تشييد اللبنات الأولى لمؤسسات الدولة كالقضاء والوزارة وديوان الملك. وكان لهجرة تلك الوفود الى المغرب وفي حمى المولى إدريس أثرها المعنوي الذي لايخفى، فالمغرب أصبح دولة مهابة الجانب، وفيها ملك عادل تقي من آل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودولة يسودها الأمن وترفرف عليها ألوية التسامح، فلا عصبية ولا اضطهاد وانما عدل واحتكام الى كتاب الله وسُنة رسوله الكريم، وكان لهذا الواقع القوي أثره على خصوم الدولة المغربية فنزعوا الى المهادنة بدل المواجهة، وكفوا عن التحرش واستبدلوه بتحين فرص للضعف أو التراجع. وهنا مال المولى إدريس بدوره الى الحوار ومد جسور التفاهم شرقاً وشمالاً، فأرسى بذلك قاعدة أخرى من قواعد سياسة المُلك المغربية، قاعدة الحوار، وحسن الجوار ودرء الأخطار وتغليب قوة الحكمة على قوة المواجهة وفصل الخطاب، على فصل السيف والحراب، وهكذا عمد المولى إدريس الأزهر الى مصالحة ابن الأغلب والحد من غلواء أطماعه واستجلاب مهادنته بدل محاربته، وقد كان المولى إدريس بذلك يصدر عن ايمان نابع من قلبه لتجنيب المسلمين مغبة المقاتلة والمخاصمة وإراقة الدماء دفعاً للحقد والضغينة بينهم، كما كان يصدر عن ايمانه بالرسالة التي ينوء بها والتي يجب عليه أن يعبىء لها كل قواه وكل الموارد المتاحة له من رجال ومال وسلاح، ألا وهي رسالة استكمال توحيد المغرب تحت راية الإسلام ودعوته، واجتثاث شأفة الخوارج والداعين والعاملين على افتتان الناس في دينهم وعقيدتهم ووحدتهم الروحية، وكان يدرك أن المغرب الموحد الواحد هو المغرب القادر على الاضطلاع بمسؤولية نشر الدعوة الإسلامية وشد أزر المسلمين وكان يدرك أن هذه البقعة من الأرض وهذه الأمة التي تسكن هذه الأرض لها دور رسمته الطبيعة مثلما هيأت العناية الإلهية شعب المغرب ليكون شعب الرسالة الإسلامية وعماد حضارة وحصن مناعة الإسلام. وبعد أن ضمن سلامة جبهة المغرب الشرقية، عمد الى إبقاء الجبهة الشمالية المواجهة لدولة الأمويين بالأندلس بعيدة عن مخطط الحملة التي قادها لتطهير النواحي الأخرى من حكم الخوارج حتى لايفتح أمامه واجهات كثيرة في وقت واحد وحتى لايثير عليه وعلى بلاده قوة الأمويين الذين كانوا يعتبرون منطقة شمال المغرب المواجهة للثغر الأندلسي عمقاً استراتيجياً لأمنهم ونفاذ سلطتهم، لأنهم يعرفون أن الخطر انما يتهددهم من هذه الناحية، فعملوا على بث نفوذهم بها، ومؤازرة حلفائهم البورغواطيين بهذه المنطقة. وترك المولى إدريس للزمن وتغيير الظروف أن تهيىء الأسباب المناسبة لتوحيد جميع مناطق المغرب تحت راية الشرعية وفي ظل الوحدة الوطنية وتطهير الوطن كله من بذور الفرقة ودعاة الفتنة وإقرار حكم الكتاب والسُنة بين الناس. من ولاء الطبيعة... إلى ولاء العقيدة هكذا أمن جانب الأمويين بالأندلس وتفرغ لبناء الجبهة الداخلية وتأمين وحدتها الروحية والدينية وتأسيس قواعد الدولة وبناء مؤسساتها الراسخة، ومن أهم هذه المؤسسات في نظري هي خلق تلك الروح الجماعية بوجود نظام، وشرعية، ودولة وكيان سياسي وطني، وتفتيت الإقطاع والعصبية الجهوية أو القبلية واستبدالها بالوعي الوطني، وبالمصلحة العليا للوطن، وبلورة ذلك الولاء الطبيعي للأرض، الى ولاء وطني للأرض والانسان والسيادة الوطنية، وكان سبيله الى ذلك هو الشورى والاحتكام الى كتاب الله وسُنة رسوله كقاعدة روحية وكتنظيم ونظام يكفل الحرية والعدالة والأمن والاطمئنان. إن بناء هذه المؤسسة كان عملاً تاريخياً باهراً أنجزه المولى إدريس الأزهر، وأقام على أركانه قواعد دولة المغرب الإسلامية التي في ظلها برزت ونمت وترعرعت الشخصية المغربية والعبقرية المغربية والحصانة المغربية. وتوفي إدريس الأزهر وعمره ست وثلاثون سنة، ودفن بالمسجد - الذي ساهم بيده في حفر أساسه وبناء أسواره - وخلف من الولد اثني عشر ذكراً، كانوا هم بذور دوحة الشرفاء التي ورقت أغصانها وسرى عبير أزهارها في المغرب كله، ليصبح هذا البلد دون غيره من بلاد الإسلام وأرضه موطن أكبر عدد من آل البيت وأسره، وكأنهم منارات يهتدى بها ونجوم في سماء ترصع أديمها وتضيء حلكة الليل وترشد كل تائه أو غريب في دنيا الله. لبنة النظام الفيديرالي وانتشر أولاد المولى إدريس على عهد خلفه ابنه الأكبر سيدي محمد، انتشروا في نواحي المغرب من شرقه الى غربه، ومن شماله الى جنوبه، واختص كل واحد منهم، إلا الأصغرون سناً، بناحية يسير شؤونها ويرعى أمر الله في أهلها، ويسهر على استتباب الأمن فيها، وكان هذا أول تقسيم إداري للمملكة في عهود نشأتها الأولى، ومن الناحية العلمية فإن هذا التقسيم يمكن اعتباره أول لبنة لنظام الدولة الفيديرالي، أو اللامركزية، فكل أمير من أمراء هذه النواحي كان يدير شؤون ناحيته بقدر واسع من السلطة واستقلال القرار في مجالات الحياة العامة للمواطنين، ولاشك أن هذا التنظيم الذي سنه المولى محمد بن إدريس بن إدريس كان نواة ما عرفه المغرب بعد ذلك من أشكال تنظيم السلطة المحلية، وهو تنظيم عرف بنماذج مختلفة في أشكالها وإطارها وحدودها، ولكن الفكرة ظلت ثابتة كاختيار أظهر فائدته وجدواه من الناحية العملية، وأكد تطابقه للرغبات والحاجات والتقاليد الديمقراطية الأصيلة عند المغاربة، وفي يقيني فإن هذا التنظيم أو النظام هو من العناصر الراسخة للملكية المغربية الشرعية الدستورية، مستمد من روح الإسلام وفلسفته كعقيدة التعاون "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان". وكنظام لحياة اجتماعية مدنية قوامها طاعة الله ورسوله وأولي الأمر "ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم". وإن كان هذا التنظيم أو هذا النظام صالحاً في كل زمان وفي كل مكان ولجميع الناس، فإنه للمغرب كان فوق ذلك اختياراً موافقاً لطبيعة المغرب الجغرافية، ولطبائع المغاربة المجبولة على العطاء والابتكار والتطور في ظل الحرية والمسؤولية... أو في ظل الحرية المسؤولة. وينبغي أن نقول ان نظام اللامركزية في ظل نشأة الدولة الجديدة كان لابد في محك الاختبار وترسيخ التجربة وتأصيلها، أن يفرز تجاوزات وأخطاء وتصرفات هي من طبيعة البشر، وعلى ضوء هذه الحقيقة يمكن تفسير الأحداث التي عرفتها الدولة الجديدة، وتناولها المؤرخون كظواهر للفتنة والصراع على السلطة مما أدى، بالتراكم وضعف إرادة أو قوة الحسم، الى أن تبرز على السطح مرة أخرى زعامات وقيادات اقتطعت هذه الناحية أو تلك لسلطتها، ونزع بعضها الى "امتلاك" الشرعية لنفسه بدل الشرعية القائمة، وتزامنت هذه الأحداث في المغرب مع ظهور عدد من الامارات المستقلة في الشرق وحتى في المغرب العربي كالأغالبة الذين استقلوا بالحكم عن الخلافة العباسية. كانت هناك إذاً ثلاث خلافات: العباسيون في الشرق، والأمويون في الأندلس، والفاطميون في المغرب الأدنى والأوسط، كان هناك العالم الإسلامي إذا ينزع نحو التفتت والكيانات على المستوى السياسي، ويشهد في ذات الوقت أزهى وأعظم فترة في تاريخ نهضته الحضارية، وهو تناقض غريب حقاً يدعو إلى التساؤل. ولكن المغرب رغم تأثره بما كان يشهده العالم الإسلامي حوله، ورغم الانعكاسات السياسية الخارجية عليه، ظل، وهذا سر عظيم حقاً، متماسكاً وقادراً على مواجهة العواصف وتجاوزها والتمسك بوحدته والدفاع عن كيانه والتشبث بقداسة نظامه المستقل والمعبر عن ذاته وشخصيته. وهكذا فإن النزاعات والصراعات وحتى المواجهات العنيفة أحياناً تبقى معزولة، ويمكن تفسير أسبابها ودواعيها الخارجية أو الداخلية، ولكنها لم تمس الجوهر الأساسي للكيان الذي اعتبره الجميع خارج النزاع والصراع، ألا وهو الوحدة الوطنية في ظل العرش وفي حماه وبقيادته وبالولاء له، وهكذا بقي العرش مقدساً منزهاً، مظلة أمن وأمان وحماية للوطن والشعب. فآلت أمانة هذا العرش من أسرة إلى أخرى بوراثة حمل رسالة العرش المغربي والدفاع عن مقدسات الوطن وحماية حماه والذود عن كرامة المواطن المغربي وحريته وسلامته وتقدمه. لقد أرسى الإدريسان قواعد البقاء والاستمرار للمغرب وللمغاربة في ظل رسالة الإسلام، ويسر الله لهما ما تعجز عنه إرادة البشر وحدها، ذلك، لأن العناية الإلهية قدرت لمسيرة المولى إدريس الأكبر من مكة إلى المغرب أن تكون مسيرة فتح حقيقية، فتح الله بها على يد المغاربة آفاقاً ودياراً وشعوباً للإسلام ولحضارته وعالميته تأكيداً لقوله تعالى "إن الدين عند الله الإسلام". * تنشر المذكرات، بالاشتراك مع صحيفة "الاتحاد" الظبيانية على حلقات، اربع مرات في الاسبوع: الاثنين، الثلثاء، الخميس، والسبت