عرضت مجلة أكاديمية تونسية للمرة الأولى وقائع الانشقاق الذي هز حركة "النهضة" المحظورة منذ 1991 لدى انطلاقها في السبعينات، مما أدى إلى ظهور تيار "الإسلاميين التقدميين". ونشرت "المجلة التاريخية المغاربية" التي يديرها أستاذ التاريخ الحديث في الجامعة التونسية الدكتور عبدالجليل التميمي في عددها الأخير، دراسة أكاديمية عن بدايات "الجماعة الإسلامية" التي تأسست في 1972 وغيرت اسمها لاحقاً إلى "حركة الاتجاه الإسلامي" 1981 لتطلب الترخيص لها ثم إلى "حركة النهضة" 1989. وأفادت الدراسة أن راشد الغنوشي وأحميدة النيفر اتفقا في مطلع السبعينات بعدما أنهيا دراسة الفلسفة في جامعة دمشق على تأسيس "الجماعة الإسلامية" التي كانت متأثرة بتجربة "الاخوان المسلمين"، إلا أن بذور الخلاف ظهرت لدى مناقشة العلاقة الفكرية بين الحركة الإسلامية التونسية وحركات "الاخوان" في المشرق، إذ شكلت مقالات النيفر في مجلة "المعرفة" الشهرية التي كانت تصدرها الحركة، مصدر ازعاج لقيادة "الجماعة"، كونها شككت في مفاهيم أساسية تشترك فيها الحركات الاخوانية، مما حمل قيادة التنظيم على منع نشر مقال للنيفر في المجلة في 1997. وفي أعقاب خروج النيفر وصلاح الدين الجورشي الذي حل محله موقتاً في رئاسة تحرير المجلة، غادر "الجماعة" عدد كبير من الكوادر في مقدمهم لجنة الطلاب وقيادة الحركة الاقليمية في العاصمة تونس ليشكلوا لاحقاً تيار "الإسلاميين التقدميين" خلال مؤتمر تأسيسي عقدوه في تموز يوليو 1980 في بلدة منزل تميم. لكن حصول التيار على امتياز اصدار مجلة "15-21"، في إشارة إلى القرنين الجديدين الهجري والميلادي في 1982، حملها على منح الأولوية للعمل الفكري، خصوصاً بعد المحاكمات التي تعرضت لها "حركة الاتجاه الإسلامي" في 1981. ومع ظهور خلافات عقائدية عميقة غادرت عناصر قيادية الحركة وتقرر تجميد الجسم التنظيمي إلى أن تم حله رسمياً في 1984 بعد تكريس القطيعة بين الجورشي الذي شارك في وساطة بين الحكم و"حركة الاتجاه الإسلامي" أسفرت عن اطلاق قيادات الحركة المعتقلة. وانبثقت من "الإسلاميين التقدميين" حركة جديدة ضمت إليها كذلك عناصر انسلخت من "التيار الإسلامي" في أعقاب محاكمات 1981 أطلق عليها "الإسلاميون المستقلون" 1985. واعتبرت الدراسة أن حصول "الإسلاميين التقدميين" على اجازة انشاء "منتدى الجاحظ" في 1988 طوى صفحة الهم السياسي وشجع على الانصراف إلى العمل الفكري. وتعتبر هذه الدراسة الأولى التي تُنشر في تونس عن حركات الإسلام السياسي منذ مطلع التسعينات، خصوصاً أنها تطرقت إلى أهم انشقاق تعرضت له الحركة الاصولية منذ نشوئها إلى حظرها في 1991.