يذكّرني الرئيس ياسر عرفات بملاكم لا يتجاوز وزنه 75 كلغ، ويدفع به مؤيدوه الى مبارزة آخر من امثال شجرة الجمّيز لا يقل وزنه عن 150 كلغ. دعونا نقلها بصراحة ووضوح شديدين: عرفات لن يستطيع ان ينتزع لا حقّاً ولا باطلاً من دون دعم ومساندة من جميع العرب ومن جميع الفصائل الفلسطينية. عرفات يجابه ترسانة اسمها اسرائيل تبزّه بالديموقراطية الداخلية، والاسلحة الفتّاكة، وبالدعم المعنوي واللوجستي والمادي والاعلامي بل حتى العسكري اذا اقتضى الامر، من دولة تدعى الولاياتالمتحدة الاميركية. نعم، فالدولة الاولى في العالم لا تستنكف من ان تستعمل هذا القانون الجائر المفصّل لها وللدول الكبرى المسمى "الفيتو"، لكي تخرجه من غمدها لقمع اي قرار قد يحدّ من جبروت اسرائيل في الخارج. وفي المقابل تخترع اطناناً من المفردات والعبارات التي تسمح لها بكل اطمئنان وبضمير حيّ ان تسلّط هذا الفيتو امام اطفال عراقيين عُزّل يموتون كل يوم من الجوع والمرض والقهر، لانهم ليسوا من اصحاب البشرة الآرية بل انهم يُعاقبون على جريرة مأفون تطغى عليه السعادة عندما يذوون كالوردة لكي يحتفل بمأتم اعلامي ويوعز للأقلام المأجورة ان تكلّله بنياشين النصر المزيّفة. ما لي شطحت بعيداً؟ أم انني لم أشطح؟ فمصائبنا تتوحد موجهة الاتهام الى تلك الدولة الاولى، فيا عجبي ما لها لا ترثي لحالنا فنحن نستحق الرحمة والشفقة بل الصدقة احياناً؟ لا أخفي سراً فأحلامي لا تتخيل بوادر امل وانفراج على أيدي اصحاب تمثال الحرية، فمناوئونا من ذوي الاعصاب الفولاذية واصحاب نفس طويل، ولديهم قناة لا تلين وارادة لا تهتز، وكفاح لا ينضب. اسرائيل تتعامل بالارقام والخطط المستقبلية عندما تُقدم تنازلاً عن سنتيمتر من اراضينا تقبض مقابله مليارات، بما يعادل دخل كيلومتر، إن هي تنازلت. اسرائيل تؤمن باللاءات الكثيرة التي اصبحت ماركة مسجلة في العصر الاسرائيلي. نعم نحن في العصر الاسرائيلي شئنا أم أبينا. وهنا يبرطم أحد ما او يصيبه ملل ويهتف بي صائحاً: بيدك الحل يا ابن يعرب فانتشلنا من ورطتنا يا حفيد ابن الوليد والوقاص. عندها أصفق كفاً بكفّ وأهزّ رأسي علامة اليأس، فما بال بني قومي لا يفهمون؟ عصر القوة والسلاح انتهى بنهاية السيف والترس، والدول الاخرى تتعامل اليوم بالليزر والذرّة فاطرحوا عنكم اوهام القوة والنصر مع الاعتذار للكاتب محمد حسنين هيكل. نحن في حاجة الى شيء آخر او طريق آخر وهو الحدّ الادنى من القرار الجماعي وانا كفيل بما تبقى. فمن ضمن مآسينا اننا نشتم اميركا ونشتري سياراتها الفارهة، نتشدّق بالقومية العبية ونغرق الملاهي الاميركية بأموالنا. نهاجم ضحالة التعليم الاميركي، ونتسابق لإرسال طلابنا لينهلوا من ثقافتها. حياة الانسان العربي مليئة بالتناقض وهذا ليس بجديد بل انه يرجع الى ما قبل الاسلام، عندما كان ابن القبيلة يذبح شخصاً ثم يذهب لوالد القتيل فيكون ضيفه فتعف نفس والد الضحية عن قتله بل انه فضلاً عن ذلك يكرمه. امام مفترق الطرق الحل واحد من اثنين اما الاستسلام الكامل لرغبة اسرائيل ومن يدعمها والخضوع لشروطها، واما الوقوف وبقوة وراء عرفات واعلان الرفض التام لأي تعنّت اسرائيلي. ونستطيع ذلك بالدولار، بالاقتصاد، الشريان الذي تعتمد عليه اميركا ولا تهدأ في سبيل تعزيزه. السوق العربية تستقبل كميات هائلة من المنتوجات الاميركية في مقابل ليس باليسير . والامة العربية لا تقل عن 200 مليون انسان فلو افترضنا ان هؤلاء قاطعوا يومياً ما قيمته 200 مليون دولار من المنتجات الاميركية، فان هذا يعني 72 مليار دولار خسارة مؤكدة للأب الروحي لاسرائيل. وهذا ما سيجعل كل شركة اميركية مستفيدة تضغط وبشدة على صانع القرار لكي يعيد حساباته ويمنح العرب ولو قليلاً من الانصاف. اما بالنسبة الى بضائعنا وبترولنا فان الجميع يتهافت على شرائها، ولن ينسى احد انهم في عام 1973 لجأوا الى الدراجات لكي يوفّروا ثمن البنزين. اما ان نقف مكتوفي الايدي، متجهمي الوجوه، نشجب ونندد ونهدد ونلعب ونطلب من عرفات ان يُحضر لنا لبن العصفور من دون اعطائه الامكانات والتسهيلات والدعم، فهذا لن يؤدي الى اي حل للقضية المستعصية الا اذا أشرقت الشمس من الغرب. * كاتب سعودي.