تذكّرني رولز رويس هذه الأيام بلعبة عرفها كثيرون قبل أن يطويها النضوج في ذاكرتهم: المهرّج الخشبي الذي يفتحه الطفل بيديه الصغيرتين ليكتشف فيه... مهرّجاً آخر أصغر منه بقليل، يُضحكه ثم يُعيد الدهشة الى العينين البريئتين عند إكتشاف إمكان فتحه أيضاً لترتسم بسمة أخرى مع خروج المهرّج الثالث والأصغر بقليل، الى الرابع والخامس والأصغر فالأصغر. في وسع كل من "فيكرز بي إل سي" و"رولز رويس بي إل سي" و"بي إم ف أ. جي" بي إم دبليو الضحك معاً لبعض الوقت. فالأولى إنتزعت من مجموعة فولكسفاغن ثمناً لم تكن تحلم به ل"رولز رويس موتور كارز": 790 مليون دولار، بينما سجّلت الثانية هدفين، أولهما إرضاء شريكتها في قطاع الطيران، بي إم ف، بإهدائها أغلى ما في "رولز رويس موتور كارز" إسمها لقاء ثمن زهيد. والهدف الثاني تقاضي ذاك الثمن، 66 مليون دولار، بدلاً لأتعابها. أما بي إم ف فقد إنتزعت لقاء 66 مليون دولار، ماركةً كانت مستعدة لشرائها قبل أسابيع قليلة لقاء 560 مليون دولار. وبعد ثلاثة أسابيع فقط على دفع فردينان بيش، رئيس فولكسفاغن، أكثر من ثلاثة أرباع بليون دولار لشراء الماركة العريقة، إذا به يجد نفسه الثلثاء الماضي مالكاً لكل ما في رولز رويس موتور كارز إلا إسمها... الذي ستسمح له بي إم ف بإستخدامه مع الشعار حتى نهاية العام 2002. من المستبعد جداً ألا يكون رئيس فولكسفاغن أصغى الى أصوات ذكّرته بأن شراء رولز رويس موتور كارز لا يضمن الحصول على إسمها وشعارها اللذَين إمتلكتهما "رولز رويس بي إل سي" مستقلة تماماً عن فيكرز التي باعت رولز رويس موتور كارز الى فولكسفاغن منذ 1973. فالرجل الذي نجح في إنقاذ المجموعة الألمانية من الترهل خلال سنوات قليلة، وحققت لها سياسته أرباحاً صافية بلغت بعد الضرائب 467 مليون دولار في النصف الأول من 1998، لا يمكن أن يكون بتلك السذاجة، مهما شخّص فيه بعضهم عوارض "تورّم" ال"أنا". فهل سمع بيش همسات ضمنت له بإنكليزية واضحة ونبيلة النقاء، ترتيب أمور الإسم والشعار بعد مرور موجة إستياءات الجمهور الإنكليزي وبي إم ف على حد سواء؟ إن صحّت، تلك أخبار لا تُقرأ عادة إلا في كُتُب السيرة الذاتية، وبعد الأحداث ببضع سنوات. ومن لا تهمه أحداث كهذه، تلفّها روح "النكتة" المسلّية لبضعة أيام، قبل العودة الى الأخبار "العادية"؟ في الواقع، لم تتأخّر تلك الأخبار "العادية" بل "مدّت" رأسها حتى في أثناء تراشق وكالات الأنباء أسماء رولز رويس موتور من هنا وبي إل سي من هناك، وبي إم ف من هنا وبنتلي من هناك: "تقرر إنتاج مايباخ، وسيبدأ التسليم في العام 2002". من قال أن الأخبار "العادية" تخلو من روح النكتة؟ السر في التوقيت. في المناسبة، ليس هذا التوقيت الوحيد الذي "توأم" إسمَي رولز رويس ومرسيدس-بنز "مايباخ"، بل هو الثاني. فالتوأمة الأولى قرّرتها مجموعة فيكرز بإعلان نيتها بيع رولز رويس، بعد أربعة أيام فقط على عرض ديملر-بنز نموذج "مايباخ" في معرض طوكيو للسيارات في 22 تشرين الأول أكتوبر 1997... على أمل أن تشتري المجموعة الألمانية الماركةَ الإنكليزية لنموذجها. منذ البداية، كانت ديملر-بنز صريحة في هذا الشأن إذ أعلنت عدم إهتمامها بشراء رولز رويس. لديها ماركة مايباخ. أو بالأحرى، كانت لديها أيضاً مشاريع أخرى. ففي تلك الأيام لم يكن لدى ديملر-بنز الوقت للتفكير بشركة تنتج نحو 1800 سيارة في السنة، بل كانت عينها على ثالث صانعي السيارات في الولاياتالمتحدة، لا أكثر ولا أقل. لذلك تبدو اليوم مهارات إنتزاع إسم رولز رويس من تحت أنف فولكسفاغن، أقرب الى مغامرات "زورو" إذا ما قورنت بجدّية ضم ديملر-بنز لمجموعة كرايسلر كوربورايشن. وبعد إنتهاء مرحلة الإعجاب بالحنكة والمهارة، لا بد أن تطرح الأسابيع والأشهر بل حتى السنوات القليلة المقبلة قبل نهاية العام 2002، عدداً من الأسئلة. السؤال الأول هو عن أي رولز رويس نتحدث؟ وهل تعود عظمة رولز رويس الى غير إرتباطها، منذ تأسيسها في 1906، بعظمة بريطانيا نفسها آنذاك؟ أليست تلك الماركة رمزاً لأرقى ما يمكن أن تنتجه بريطانيا العظمى، بأغنى الوسائل التكنولوجية، لأرقى الطبقات الإجتماعية وبأغلى الأسعار الممكنة؟ من دون أرستقراطيتها وإنكليزيتها، رولز رويس ماركة كغيرها، وقد تتطلّب جهوداً تسويقية كبيرة لإقناع زبونها بتواصل عراقتها من عهود العظمة العالمية الى زمن دولة أوروبية كغيرها. السؤال الثاني: أي رولز رويس بيعت إذاً؟ رولز رويس الرمز لا يُباع الى خارج بريطانيا، لأنه مرتبط عضوياً بالمملكة وبتاريخها، وبجودة صناعية كانت كلمات ثلاث تكفي لإثباتها: "صُنعَ في إنكلترا". ما بيع هي مجموعة حروف وتمثال "سيّدة طائرة" ستُلصق بعد بضع سنوات على ما بين 1500 و2000 وحدة معدّلة من الجيل المقبل من بي إم ف "7". لكن زبون رولز رويس إنسان لا يحب كثرة التغيير في المفاهيم والأساسيات، مثل بيعه شعاراً إنكليزياً عريقاً على صندوق سيارة ألمانية مجمّعة في إنكلترا، لماركة إنتقلت ملكيتها بين أربع شركات في السنوات الخمس الأخيرة. السؤال الثالث: هل خسر فردينان بيش تماماً في هذه الصفقة؟ ليس بالضرورة، لأنه سيستغل موديل "سيلفر سيراف" في أوج عمره التسويقي، ثم ينتقل الى رفع إنتاج بنتلي في مصنع كرو الى عشرة آلاف وحدة سنوياً... وفي المناسبة، شكّلت بنتلي 70 في المئة من مبيعات رولز رويس موتور كارز، إزاء 30 في المئة لرولز رويس نفسها. لن يرتبك بيش إطلاقاً في إدارة ماركاته الممتدة من أرقى القطاعات الى أكثرها شعبية: بنتلي، لامبورغيني بعضهم يتحدث عن بوغاتي قريباً، آودي، فولكسفاغن، سيات، سكودا، وكوزوورث لإنتاج المحرّكات الرياضية العالية. لكن أخطر الأسئلة قد يكون: أي رولز رويس ستتسلّم بي إم ف من فولكسفاغن؟ فالأخيرة سترعى ماركة رولز رويس حتى 2003. وهل يحتاج المرء الى مخيّلة واسعة لتصوّر مدى "إستماتة" فولكسفاغن، أو أي صانع آخر، في "رعاية" ماركة ستعود بعد أربعة أعوام الى طرف إنتزعها من تحت أنفه بتلك الطريقة؟ وهل تحتمل رولز رويس خضّات جديدة؟