يربط مسؤولون في السلطة الوطنية الفلسطينية ما حدث في الازمة الاخيرة التي جرت في قطاع غزة، حول الطريق الساحلي الذي يربط غزة برفح، وكاد ان يتطور الى مواجهة مسلحة، وبين المعركة السياسية التي تخوضها القيادة الفلسطينية منذ عامين لتنفيذ استحقاقات المرحلة الانتقالية في الضفة الغربية. ورغم ان هؤلاء المسؤولين ينفون جملة وتفصيلاً، ان يكون الحادث الذي وقع الخميس الماضي، قد خُطط له مسبقاً، الا انهم يؤكدون في الوقت نفسه، انه لم يكن حادثاً عرضياً، او مفتعلاً، وان مقدمات واسباباً كانت قد تجمعت قبل مدة وأعادت طرح هذه القضية في الصورة التي اثيرت بها. ويقول هؤلاء المسؤولون ان الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات عبّر عن غضبه خلال الاجتماع الاخير الذي عقده المجلس العسكري الاعلى الفلسطيني الذي يضم كبار الضباط والمسؤولين العسكريين والأمنيين في السلطة الوطنية نتيجة لما يقوم به الجانب الاسرائيلي من محاولات مستمرة للسيطرة على الطرق التي تحيط بالمستوطنات الاسرائيلية، بطريقة فرض الامر الواقع، مما ادى في نهاية الامر الى منع عبور الفلسطينيين على هذه الطرق، ووصل هذا الوضع اخيراً الى قطع جميع المنافذ التي تربط اهالي منطقة المواصي في خان يونس، وهي من اهم المناطق الزراعية، ذات الخصوبة العالية، والسياحية على حدّ سواء اذ تقع على أجمل شواطئ قطاع غزة. وتضيف هذه المصادر ان عرفات عبّر عن غضبه بمخاطبة العسكريين الفلسطينيين قائلاً: "كيف يعقل اننا نخوض معركة سياسية كبيرة، نحشد لها كل الطاقات من اجل انتزاع ما تبقى من اراضينا تحت الاحتلال الاسرائيلي، بينما الاراضي التي استعدناها بموجب الاتفاقات تفلت من بين ايدينا؟" في اشارة الى الطريق الساحلي الذي يربط خان يونس ودير البلح، وهو طريق تنص الاتفاقات على حرية مرور الفلسطينيين عليه، بينما يقوم الاسرائيليون بتجاوزات اخرى لما نصّت عليه الاتفاقات، بوضع الحواجز على هذه الطرق واستخدامهم طرقاً اخرى، يحظر عليهم المرور فيها. واخيراً وصل الحد الى قيام الاسرائيليين بانشاء ثكنة عسكرية على الطريق الرئيسي في محور مستوطنة "نتسريم". وكانت السلطة قد خاضت معركة اخرى كادت ان تتطور الى مواجهة، مرات عدة، في وقت سابق خلال العام الماضي لفتح طريق اغلقته اسرائيل بنفس الطريقة، يربط ساحل غزة بالطريق الرئيسي شارع صلاح الدين، ويمر بمحاذاة مستوطنة "نتسريم". لكن الجانب الاسرائيلي عاد واستخدم نفس التكتيك لاغلاق الطريق الذي يربط خان يونس بدير البلح، مما ادى عملياً الى حشر سكان المواصي في عزلة تامة من دون منافذ. وادى ايضاً، الى اعاقة حركة التنقل على هذه الطريق بين غزة شمالاً ومدينة رفح جنوباً. وبحسب المسؤولين الفلسطينين، فان التكتيك الذي يستخدمه الاسرائيليون كان هو نفسه في كل مرة. اذ في البداية يتم تقديم الحاجز المحاذي للمستوطنة عدة امتار اخرى، وبعد فترة يتم ازاحته وتقديمه مسافة اخرى، وهكذا حتى يتم وضع اليد عليه بقوة الامر الواقع. وعندما يشتكي الفلسطينيون يعقد اجتماع للجنة الارتباط المشكلة من عسكريين تضم الطرفين، فيعطي الجانب الاسرائيلي موافقته على مرور كبار الشخصيات فقط من حَمَلة بطاقات "الاشخاص المهمين" واستثناء المركبات الفلسطينية العامة والمواطنين. وتنشأ طرق التفافية فرعية لكي يمر عليها الفلسطينيون. ويقول المسؤولون الفلسطينيون ان الاسرائيليين حاولوا اقامة فندق للمستوطنين على هذه الطريق مقدمة لتوسيع مجموعة مستوطنات "غوش قطيف"، في هذه المنطقة. بل وعملوا على تحويل المزرعة المقابلة لمستوطنة "كفار داروم" على الطريق الرئيسي في دير البلح الى ثكنة عسكرية تحشد فيها دبابات. وتقول نائلة صنبر وهي المسؤولة عن برنامج لتقديم المساعدات الغذائية تابع للامم المتحدة ان برنامجها الذي يقدم مساعدات في جميع انحاء دول العالم الثالث، الاكثر فقراًَ، يقدم بين مشاريعه مساعدات عينية لحوالى 1500 اسرة من المزارعين والصيادين المقيمين بصورة دائمة في منطقة المواصي بين خان يونس ودير البلح. وذكرت ل "الحياة" ان الاسباب الرئيسية لمعاناة افراد هذه العائلات تنبثق من العزلة والحصار المفروضين عليها بسبب وجودهم قرب مجموعة مستوطنات "غوش قطيف" حيث يجدون صعوبة في تنقلّهم، لتسويق منتوجاتهم الزراعية تحت وطأة الاغلاق المتواصل الذي تفرضه اسرائيل على الطرق المحيطة بالمنطقة. ولكن بينما تتهم اسرائيل السلطة بافتعال ازمة الخميس الماضي، التي لا زالت ذيولها تخيم على العلاقة بين الطرفين، فان المسؤولين الفلسطينيين يحمّلون اسرائيل المسؤولية. ويقول الدكتور نبيل شعث وزير التخطيط والتعاون الدولي الذي كان على رأس الوفد الفلسطيني المفاوض على اتفاقية غزة - اريحا، في هذا الصدد انه يأمل بأن يفهم الجانب الاسرائيلي والاميركي دلالة الوقفة التي وقفتها السلطة الخميس الماضي "لأننا لن نسمح ابداً باغلاق هذه الطريق، ولن نقف مكتوفي الايدي ازاء التعديات التي يمارسونها". وقال شعث: "لقد اتخذنا موقفاً حازماً في اطار الحق والاتفاق وأريد ان أذكر، بأنه في ما يخص هذه الطريق بالذات، فإن الاتفاق يعطينا حق الاستخدام الدائم وغير المهدد او المقطوع له، ونحن لا نقبل اي محاولة اسرائيلية لإغلاقه وسوف نتصدى لها". وللمرة الثانية عقد الجانبان امس اجتماعاً امنياً لبحث مشكلة اغلاق الطريق الساحلي. وقال العقيد محمد دحلان مسؤول الامن الوقائي، في قطاع غزة الذي شارك في المحادثات ان الجانب الفلسطيني لا يمكنه القبول باغلاق هذا الطريق، او وضع اسرائيل اليد عليه. ورداً على تصريحات رئيس الوزراء الاسرائيلي الذي قال ان اسرائيل سوف تستمر في اغلاقه، اكد دحلان انه لا يمكن الرضوخ لمثل هذه التصريحات المستفزة. واتهم نتانياهو بأنه "يكذب عندما يحاول ان يصور للاسرائيليين الوضع وكأننا نسعى لتغيير الاتفاقات". ولا يستبعد مراقبون في ظل الجمود الحالي لعملية السلام ان تكون مثل هذه الاجراءات الاستفزازية من جانب اسرائيل، بمثابة فتيل الانفجار المقبل.