السيد رئيس التحرير قرأت ماجاء في مقال الكاتب التونسي السيد العفيف الاخضر تحت عنوان "مؤشرات ايجابية ولكن: هل من حل لمسألة الاقليات"؟ وفي الحقيقة فان مقال السيد الاخضر كان تعبيراً عن ضمير حي يتمتع به هذا الكاتب الى جانب دقة في التعبير وتشخيص للداء. إذ نجد معظم الكتاب والمثقفين العرب ومن خلال وسائل الاعلام المرئية منها والمقروءة يتباكون على حقوق العرب والمسلمين - خارج الوطن العربي - وما يتعرض له هؤلاء اثناء اسفارهم وتنقلاتهم او هجراتهم في انحاء العالم، وعن حقوق الجاليات العربية والاسلامية في بلاد غير بلادهم، وفي بعض الاحيان يكون هناك شيء من الحقيقة، ولكن في معظم الاحيان تكون المبالغة هي سيدة القلم والصورة. من تجربتي الشخصية ولكثرة اسفاري بسبب طبيعة عملي، فان اسوأ التجارب لي هي عند تنقلاتي بين الدول العربية والاسلامية. فالحق يقال ليس هناك الكثير من الاعتبار لكرامة الانسان او الفرد عندما يحاول ان يعبر الحدود بين هذه الدول او يحط في احدى مطاراتها اللهم الا اذا كان مسافراً بدعوة من احد المسؤولين او تربطه رابطة صداقة او عمل بأحد اركان النظام، هذا ناهيك عن الفساد الاداري وطلب الرشوة في بعض تلك المنافذ والثغور. ويستغرب المرء من صمت الضمير العربي عن احداث وتجاوزات عصفت في محيطه ومنها التعديات بمختلف اشكالها، ومصادرة الحقوق، وفي بعض الاحيان اعمال الابادة والتدمير والطرد، خاصة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى الآن، وهي كثيرة العدد ولا يتسع المجال هنا لذكرها كلها، ولكن على سبيل المثال لا الحصر، اذكر هذا الضمير العربي والمتمثل باصحاب الاقلام والمثقفين ببعضها: الصراع مع الاكراد في العراق، وقد اخذ هذا الصراع الدموي في بعض الاحيان اسلوب الابادة والتهجير وذلك كما حصل في حملة الانفال وحلبجة …. والصراع الدموي في جنوب السودان … والحرب العراقية - الايرانية وما رافقها من وحشية واستعمال اسلحة ممنوعة ومنها الغازات السامة والمجازر التي ترتكب الآن في الجزائر …. هذا غيضُ من فيض بما عصف ويعصف بمجتمعاتنا العربية. وفي معظم الاحيان نجد الضمير العربي، الذي يتمثل بأصحاب الاقلام والمثقفين، ينبري لتبرير ما يحدث وادانة الضحية وعادة يحدث ذلك عندما تكون الضحية من الاقليات الاثنية او الدينية او الطائفية، او يلزمون الصمت او يستنكرون بخجل لكنهم، في كل الاحوال لا ينسوا الاستعمار والصهيونية والانعزاليين والطورانيين والبربر والمجوس… فهم اصل الداء والبلاء. اما نحن فنرى القشة في البوسنة والصين والهند والشيشان وباريس واماكن اللاجئين في المانيا والسويد ولا نرى الخشبة في العراقوالجزائر ومصر والسودان ولبنان وسورية والكويت… الخ. لقد آن الأوان لأن يستيقظ هذا الضمير العربي النائم ويتحرك ويدافع عن حقوق البشر - كل البشر - في هذا الوطن العربي المترامي الاطراف. فبدون ضمير حي لا يكون لنا مجتمعات حية وخلاقة، وبدون هذه المجتمعات لن يتحسن وضع الانسان ونوعية الحياة، وعندما لا يشعر الانسان بانسانيته فمن الصعب عليه ان يكون مواطناً فعالاً تستقيم به الاوطان وينتصر لقضاياه العادلة، بدل ان يبقى مسحوقاً مضطهداً مدعواً دائماً لخوض معارك طواحين الهواء.