وصف خبراء ومحللون اقتصاديون خليجيون خطوات ترشيد الانفاق التي تنفذها المملكة العربية السعودية بأنها "فريدة من نوعها في تاريخها الاقتصادي"، مشيرين بذلك الى اجراءات تقشفية في موازنتها لعام 1998 للسيطرة على عجز الموازنة، قالوا انها "تعكس جديتها في عملية الاصلاح المالي والاقتصادي". وقال الخبراء ان الاجراءات ستحول دون تفاقم العجز في الموازنة واضطرار المملكة الى الاقتراض من الخارج من جديد على رغم ان عملية خفض الانفاق الفعلي ربما أثرت سلباً في معدل النمو الاقتصادي. وقال أحد الخبراء "انها خطوة فريدة وجريئة وهي تظهر مدى جدية الحكومة السعودية في المضي قدماً في الاصلاحات المالية والاقتصادية تفادياً لتفاقم العجز واللجوء للديون". وأضاف: "اعتقد ان ذلك يبعث رسالة واضحة الى السوق والى المستثمر المحلي والأجنبي بأن الحكومة عازمة على معالجة أي خلل مالي واقتصادي ربما نشأ من جراء انخفاض أسعار النفط". وأعلنت السعودية وهي أكبر منتج ومصدر للنفط في العالم اجراءات لخفض الانفاق لهذا العام تضمنت عدم الالتزام بكل المشاريع المعتمدة التي تبرم عقودها في الموازنة حتى الآن وخفض التزامات المتعهدين والمقاولين في العقود المبرمة معهم وعدم شغل الوظائف الشاغرة خلال الفترة المتبقية من العام المالي الحالي اضافة الى تشكيل لجنة وزارية للاشراف على عملية ترشيد الانفاق. واتخذت تلك الخطوة بعدما بقيت أسعار النفط دون المستوى المطلوب بسبب الفائض في السوق الخاص إذ كان بالنسبة للخام السعودي 11-12 دولاراً للبرميل في النصف الأول من العام في حين افترضت المملكة سعراً بحدود 16 دولاراً لموازنة العام. وعلى افتراض ان الأسعار تحسنت قليلاً في الأشهر المقبلة فإن المعدل لن يزيد على 15 دولاراً هذا العام، إذ يستبعد الخبراء ان ترتفع أسعار النفط بشكل كبير على رغم قوة الطلب في الربع الأخير، وهذا يعني ان ايرادات السعودية من صادرات النفط ستهبط بأكثر من 5 بلايين دولار عام 1998 حتى وان تحسنت الأسعار. وقال الخبراء ان هذا سيؤدي الى ارتفاع العجز في الموازنة وعودة الفجوة الى الميزان التجاري بعدما سجل فائضاً خلال العامين الماضيين نتيجة الارتفاع الكبير في أسعار النفط. وكان الخبير الاقتصادي هنري عزام حذر من أن العجز في الموازنة السعودية قد يرتفع من 4.5 بليون دولار الى حوالى 10 بلايين دولار هذا العام في حال بقاء أسعار النفط دون 15 دولاراً للبرميل وعدم قيام الحكومة بخفض الانفاق. ويعتقد الخبراء أن اجراءات التقشف التي تطبقها السعودية لن تزيل العجز لكنها ستحول دون ارتفاعه الى مستوياته السابقة نتيجة الزيادة الكبيرة في الانفاق السنوي، خصوصاً على مشاريع التنمية والخدمات وبرامج التدريب. لكنهم يضيفون بأن هذه الاجراءات تمثل فقط واحدة من خطوات كثيرة يتطلب تنفيذها من الحكومة في اطار الاصلاح الاقتصادي وبخاصة استمرارها في تشجيع القطاع الخاص وتحسين مناخ الاستثمار وتنويع مصادر الدخل، ووضع خطط تخصيص المنشآت العامة قيد التنفيذ اضافة الى رفع الدعم تدريجياً. ويشير أحد الخبراء الى ان اجراءات ترشيد الانفاق "ستؤدي بطبيعة الحال الى تباطؤ شديد في معدل النمو في القطاع الحكومي ويمكن ان تحدث نمواً سلبياً، لكن ذلك سيقابله نمو مقبول في القطاعات الأخرى، خصوصاً قطاع الاتصالات والكهرباء والماء والصناعات الخفيفة والقطاع الخاص". ويضيف: "اعتقد ان معدل النمو الكلي هذا العام سيكون أقل بكثير عن العامين السابقين لكن ذلك يبقى أفضل من خروج العجز المالي والدين الخارجي عن السيطرة كما حصل في الأعوام الماضية". ولم تعلن الحكومة السعودية قيمة الخفض المتوقع في الموازنة لكن مصادر مصرفية في الرياض ذكرت بأن ذلك سيتوقف على تطور حركة أسعار النفط، مشيرين الى أن التقليص لن يطال بنود الرواتب والمشتريات الحكومية وغيرها من الانفاق الجاري اضافة الى المشاريع الاستراتيجية والدفاعية. ولم يتضح حتى الآن عما اذا كانت الحكومة خفضت الانفاق الفعلي خلال النصف الأول من العام، لكن المصادر أعربت عن اعتقادها بوجود ضغط على هذا الانفاق نظراً الى عدم وجود بوادر على حدوث انخفاض حاد في الاحتياطات الدولية للمملكة المقدرة بنحو 7.5 بليون دولار، أو وجود أية نية للاقتراض من الأسواق الدولية. وتأتي الصعوبات المالية الحالية بعد عامين كانا من أفضل الفترات الاقتصادية خلال العقدين الماضيين، إذ أدى ارتفاع أسعار النفط فوق المعدل المفترض في الموازنة الى زيادة ايراداتها بأكثر من 15 بليون دولار مما شجع على زيادة الانفاق على عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية ومجمل الخدمات المقدمة للمواطنين، وأدى هذا الى حدوث نمو كبير في الناتج المحلي الاجمالي بلغ 7.1 في المئة عام 1997 و8.7 في المئة عام 1996 وتحقيق فائض في الميزان التجاري بلغ 232 مليون دولار وهبوط العجز في الموازنة من 4.5 بليون دولار الى 1.5 بليون دولار. وكانت السعودية قدرت قيمة الانفاق هذا العام بنحو 52.2 بليون دولار والايرادات بحوالى 47.4 بليون دولار، أي بعجز يبلغ 4.8 بليون دولار يمثل نحو 3.3 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي، وهو معدل مقبول نسبياً في المعايير الدولية. وبلغ العجز أوجه عام 1991 إذ وصل الى 37.5 بليون دولار بنسبة 32 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي وسبب المدفوعات الضخمة خلال أزمة الخليج