تمثل الرحلة النيلية من القاهرة الى الاقصر حلماً يراود السياح في كل أنحاء العالم، إذ يرون الوجه الفرعوني لمصر، على طول شاطئ النيل. وتتوقف البواخر النيلية في المراسي المعدة لها على امتداد النهر الكبير، لكن دندرة، التي تقع الى الشمال من مدينة الاقصر بنحو 60 كيلو متراً، تبقى بدون منازع أجمل هذه المواقع. وعرفت دندرة لدى المصريين القدماء باسم "نبتنطوري"، وكانت تعرف في التواريخ القديمة بپ"تنريس" لا سيما لدى الاغريق. وحرف الاسم بعد ذلك الى "تنترأ" و"تنطوري"، ثم الى "تنتيرا" ثم الى "دندر" ومنه "دندرة". وتقع دندرة امام مدينة قنا على النيل، ويربط بينهما حالياً جسر "كوبري دندرة" الذي يؤدي الى محافظة البحر الاحمر، حيث المنتجعات السياحية في سفاجا والغردقة والقصير، وهي عبارة عن واد ضيق بين الجبل والنيل. واعتاد السياح التوقف فيها ليشاهدوا ما تزخر به من آثار وصروح وتراث فولكلوري، وتتمثل اثارها في معبدها، الذي شيد فيها حين كانت عاصمة الاقليم السادس في مصر العليا. وتشير اسطورة فرعونية متأخرة الى ان رسم المعبد اوحت به مستندات بالغة القدم، يرجع تاريخها الى عصر خوفو وبيبي الاول، وحتى إلى ازمنة اتباع حورس البعيدة. وهناك جبانة قديمة قريبة من سور المعبد تؤيد قدم المدينة وطقوس عبادتها. بدأ العمل في معبد دندرة نهاية عهد البطالمة، وانتهى في العهد الروماني، وكرس لعبادة ربة السماء حتحور، التي هي سيدة السعادة. وتذكرنا الأعمال الأربعة والعشرون المقامة في البهو المسقوف، والتي تحمل نقوشاً عليها رموز تلك الربة، بالموسيقى الفرعونية وتدرج نغماتها. ومن غرائب هذا المعبد وجود 32 حجرة ضيقة يصعب الوصول اليها، مبنية داخل الحوائط نفسها، وتعرف باسم الغرف السرية، وهناك حجرات مماثلة في المعابد الاخرى، بيد ان حجرات دندرة هي الوحيدة المزخرفة. وهي رتبت في ثلاثة مستويات، ويصل الزائر الى الحجرات الوسطى بواسطة ابواب تقوم عند منتصف المسافة الى حوائط الحجرات الموصلة اليها. وربما كانت الحجرات المسحورة مخازن لأثمن ادوات الطقوس الدينية والتماثيل والنواويس الممثلة على حوائطها. وكانت في هذا المعبد خريطة للنجوم والكواكب نقلت الى متحف اللوفر. والمعبد ينقسم الى اربعة اقسام: الاول دهليز الدخول، وفيه الباب الكبير الذي كان مخصصاً لدخول الفرعون، ومنطقة ال24 عموداً السابق ذكرها. اما القسم الثاني فيدخل اليه من باب يقابل الباب الكبير، وبه فناء صغير فيه ستة اعمدة، وهذا القسم كان مخصصاً لاجتماع الكهنة. والقسم الثالث عبارة عن معبد صغير في الجهة البحرية، والرابع يشتمل على غرف عدة. ولا يغادر السياح معبد دندرة قبل أن يتوقفوا قليلاً امام لعبة التحطيب التي يمارسها "الدندراوية" بمهارة شديدة. ويقول هاني رسلان احد ابناء دندرة إن لهذه اللعبة تقاليدها منذ العصر الفرعوني، ومازالت احدى اسر دندرة تحمل اسم "القلاوي"، وهو الاسم الفرعوني للعبة. والتحطيب نزال جاد بالعصي الصلبة التي تعرف في صعيد مصر بالشوم. ولا يزيد طول الواحدة منها على متر ونصف المتر. وتبدأ طقوس لعبة التحطيب بدق الطبول ويندفع الى منتصف ساحة العراك احد الرجال حاملاً عصاه، ويقف ويقول "سو" وهي لفظة محرفه من الكلمة الفرعونية "سوت" التي تعني مملكة الجنوب. ويرد حامل الطبل قائلاً هو الآخر "سو" ويدق ايقاعاً راقصاً، فيرقص حامل العصا رقصة رصينة لا تتحرك فيها إلا قدماه. وهو يستعرض في حركات عصاه مهارة تحكمه فيها. فإذا دخل الساحة اللاعب الثاني، كرر ما فعله الاول، ثم يقفا ساكنين وعصا كل منهما ممدودة يلامس طرفها الأرض. ويدق الطبل دقة قوية ايذاناً بالقتال. فيرفع كل منهما عصاه رأسياً، ويمدان الذراعين الى اقصى حد لهما. ويبدآن في الدوران في محيط دائرة الساحة في حركة الى الخلف، ثم تزيد سرعة دورانها حتى تكاد تكون جرياً، وفي لحظة خاطفة يندفعان الى مركز الحلبة ليبدأ العراك. والتحطيب لعبة هجومية، وذلك يزيدها إثارة. واذا تبين ان احد اللاعبين غير قادر على مواصلة الهجوم على الآخر، يحل محله لاعب آخر.