رفض الجمهور أن يترك الخيمة. اشتد الصفير فاعتذرت مقدمة الحفلات ان الزمن المخصص للموسيقى انتهى، وأن على المنظمين ان يهيئوا الخشبة للفرقة المقبلة. لكن الناس ردوا على كلامها بالصياح والمطالبة بالمزيد من الغناء، وتحت الالحاح عادت "بنات حوريات" الى العزف... فرقة من خمس نساء تلقى إقبالا واسعاً في مهرجان "ووماد" الدولي الذي استغرق ثلاثة أيام في مدينة ريدينغ البريطانية. وشارك فيه موسيقيون من انحاء العالم. ولايدرك المرء إن كان جمهور المهرجان متحمس للغناء الشعبي لأنه من أقطار لايعرف عنها إلا القليل، أو أن أصوات النساء وطريقة الاداء والرقص حركت في الناس شعوراً منفتحاً، ليس من تأثير الطرب فحسب، وإنما نتيجة تذوق لهذا النوع من الموسيقى. الطرب كان من نوع الاعراس. وهكذا أشاعت "الشيخات" أجواء من المرح، وربطن علاقة سريعة مع الجمهور بالاصوات القوية وكأنها صادرة من حنجرة واحدة. أما كلمات الاغاني فلم يكن هناك اهتمام بها، وخاصة أن الجمهور كان انكليزياً، ومن جنسيات مختلفة. بدأت الفرقة التي شبهها البعض ب "سبايس غيرلز" في عمر كبير، بمقطوعة: "حبيبي مالو عليّ"، وفيها حددت المغنيات المجال لأصواتهن القوية، التي لم تتغير نبرتها طوال الحفلة، في حين ازدادت جرأة الشيخات فأخذت كل منهن تقدم رقصات فلكلورية، لقيت صدى عند الجمهور ما شجع على المزيد. الارتجال والعفوية كانا أهم عنصر في أداء الشيخات. فمن الحب انتقلن الى "الخضرة والزبيب" والغناء عن "الخيل" و"القطار"، ثم مقطوعة "مااحشمتي" التي رقص الناس على إيقاعها السريع. لم تطل مشاركة الجمهور حتى انتقلت الفرقة الى الموالات البربرية، فظهرت خبرة النساء الطويلة في الغناء بالانتقال من لون شعبي الى آخر في سهولة، مع استخدام آلات الايقاع المغاربية المتنوعة. ووماد مهرجان بضمير، يقدم نشاطاته في شعار مساعدة القضايا الانسانية، مثل توفير التعليم للاطفال في افريقيا، ومساندة اللاجئين، والقضايا الملحّة في البيئة، اضافة الى إتاحة فرصة واسعة أمام الفنانين الافارقة والآسيويين ومن أميركا اللاتينية في عروض المهرجان التي يقدمها في إيطاليا والبرتغال وجنوب إفريقيا واستراليا، اضافة الى أميركا. للمرة الاولى يشارك المغني الجزائري قدة شريف حضرية الذي قدم على الخشبة الرئيسية حفلة مشوقة. و رغم البداية الهادئة، فقد استطاع صوته أن يحرك في الجمهور حماسة، وخصوصاً في مقطوعة "أريدو ولا أجيدو"، ثم انطلق منها الى أنغام بربرية في "علاش تخمم"، ومنها الى أغنية شرقية "ياللي صافي". كل هذا في مسحة من موسيقى "الراي" المطعمة بأنغام من "ريغي" والجاز، ما أضفى على الحفلة روح العالمية، قادت الجمهور الى الرقص في الهواء الطلق. افريقيا كانت حاضرة بالموسيقى وبالهموم أيضاً. وكذلك كان التشوق لمعزوفات عبدالله ابراهيم الذي يعتبر احد كبار الموسيقيين الأفارقة في العالم. وغنى سيكوتا بامبيونو من غينيا مع فرقته عن المجاعة والكوارث الطبيعية التي تصيب القارة من فترة لأخرى، من دون أن يشعر الجمهور أنها عناصر غير مناسبة، لأنه كان يقدم ما سمعناه سيمفونية افريقية يتلاحم فيها النغم والموضوع مع قيمة العزف والأداء.