يقال ان انتاج موسيقى الراي ينفصل شيئاً فشيئاً عن الأصل، عن المنبع الذي صدر عنه في بلدان الشمال الافريقي. المغني الجزائري الشاب مامي يرى أن اللون الحديث يستفيد كثيراً من اتجاهه الحالي، بالجمع بين الانتاج الاصلي وما يفرضه التطور من استعمال آلات حديثة، والاقتباس من موسيقى أجنبية: "لقد وسع هذا دائرة الانتشار، وجلب جمهوراً أكبر. وأضفى على الراي صبغة العالمية، كما حدث مع الريغي وغيرها من موسيقى السود في افريقيا". الشاب مامي يستعد لتقديم حفلة في قاعة "رويال فيستفال هول" في لندن ضمن مهرجان الجاز العالمي مساء غد الاحد. وهو يعتبر، الى جانب أسلوبه الخاص من أنشط المنتجين الموسيقيين، فقد صدرت له أسطوانة رابعة جديدة "مالي مالي"، وقام اخيراً بجولة في فرنسا حيث يعيش، ويستعد لحفلة كبرى في هولندا. واليوم الذي تحدثنا فيه في لندن كان على موعد لتقديم أمسية خاصة في جنوبفرنسا. باختصار، هناك انفتاح على الموسيقى العربية والآسيوية في لندن. وقد جاءت الشيخة ريميتي منذ أسابيع. ويضم مهرجان الجاز فرقاً إفريقية عدة، منها مجموعة "أوركسترا ناشيونال دو باريس" التي تتكون من موسيقيين من شمال افريقيا، وقد صارت لهم شهرة في الاذاعات الاوروبية. تحولت موسيقى الراي الى وشاج يجمع بين المهاجرين، خصوصاً في فرنسا. واذا كان الانتماء حالة انسانية مهتزة عند الجيل الثاني من المهاجرين في أوروبا، فالموسيقى صارت تحل مكانه شيئاً فشيئاً، والذي يحضر حفلات خالد أو مامي يدرك كيف أن الجمهور المغاربي في فرنسا، خصوصاً الجزائريين، تثيره الاغاني عن الوطن أكثر من أية مواضيع أخرى. ولا تخلو اسطوانة الراي من مقطوعة عن الحنين الى البلاد، كما نسمع في اسطوانة "مالي مالي" الجديدة التي تشمل ضمن أغانيها الملونة مقطوعة "بلادي" وتعبر عما تعانيه الجزائر من محنة الحرب والتفرقة. ويذكّرنا المغني بأن موسيقى الراي مرت بمراحل، وتطورت من لون بدوي متقلب الى عالم المدينة المستقر والمتنوع. وكانت مدينة وهران جاهزة في السبعينات لاستقبال هذا اللون بالتشجيع وفتح مجال الحفلات أمام المغنين في وقت كان أداؤهم يقتصر على الاعراس والحفلات الخاصة. ومن المفارقات أن الراي لم يحصل على صوت له إلا في المهرجانات العالمية التي نظمت في الجزائر. فساهمت في ظهور عدد من الفنانين الشبان الذين طوروا فن الراي على طريقة فرق مغربية مثل "ناس الغوان" و "جيل جيلالة". الا انه سرعان ما تحول الى موسيقى للديسكو، فصار وعاءً يستقطب أنغاماً عدة بمجرد ظهورها في الساحة الغربية. هذا الاقتباس ليس سلبياً عموماً لو أنه كان مهضوماً، أو أن وسائله تتحول الى آفاق للإبداع. الانتشار الحالي للراي يشجع على المزيد من المؤثرات، ليس في الانغام أو الايقاع، بل في الانواع الموسيقية وأساليب الاداء، ومنها "الراب" الذي يستخدمه مامي للمرة الاولى، وهو نوع يعتمد على الانشاد، وقد يلعب فيه الايقاع دوراً ثانوياً. و من هنا يرى المغني أنه يبحث عن وسائل الاقتراب من الفرد بإعطائه صوتاً في أغانيه، فاختار أن يجعل مقطوعة "باريزيون من الشمال" عن معاناة العنصرية في فرنسا، ويرى أنها مرحلة ستعطي أغانيه صوتاً آخر في المستقبل.