انتهت في 24 تموز يوليو 1998 القمة ال 14 لمجموعة السوق الاقتصادية المشتركة في جنوب أميركا اللاتينية التي يطلقون عليها اسم "ميركوسور"، وتضم الأرجنتينوالبرازيل والباراغواي والأوروغواي كدول كاملة العضوية، إضافة إلى التشيلي وبوليفيا كدول متضامنة. انعقدت هذه القمة في مدينة اوسوايا الأرجنتينية برئاسة الرئيس الأرجنتيني كارلوس منعم ولم تتوصل إلى حلول جذرية لعدد من المشاكل الاقتصادية التي تواجه هذا التكتل الذي يطمح إلى تشكيل قوة اقتصادية لها وزنها السياسي، خصوصاً مشكلة السوق المفتوحة التي تطالب بها البرازيل لبيع انتاجها من السكر في دول السوق، وهو ما تعارضه الأرجنتين باعتبارها المنتج المنافس لهذه المادة في دول التكتل. شهدت القمة قبل وأثناء عقدها مناقشات ساخنة بين الدولتين، إذ اتهم كل جانب منافسه بتزييف الحقائق في ما يختص بهذا الموضوع، إضافة إلى اتهامات متبادلة حول الدعم الذي تقدمه كل دولة لعدد من الصناعات المنافسة لجذب الاستثمارات إليها، كما هو الحال في صناعة السيارات، لأن قوانين التكتل الاقتصادي "ميركوسور" تقرر حدوداً معينة لهذا الدعم. إلا أن محاولات كل دولة جذب الاستثمارات الأجنبية، دفعت بها إلى تقديم تنازلات للشركات الراغبة في فتح مصانع فيها، مع تقديم دعم مادي في شكل اعفاءات ضريبية كبيرة، على رغم مخالفة ذلك للقواعد التي تحكم التبادل بين دول مجموعة "ميركوسور". أما بالنسبة لموضوع السكر، كانت هناك تصريحات ساخنة لعضو اللجنة البرازيلي جوزيه بوتافوغو غونثالفيس اتهم فيها الأرجنتين بعدم احترام القواعد التي تم الاتفاق على تطبيقها بين الجميع. وأشار اثناء المباحثات الجانبية التي انعقدت على هامش القمة، إلى ان الأرجنتين متفوقة في مجالات زراعية عدة، منها منتجات الألبان واللحوم والفواكه والخضار والحبوب، وان تلك المنتجات تحصل على حصة كبيرة من السوق بين دول التكتل الاقتصادي ميركوسور، خصوصاً السوق الارجنتينية بينما تعارض أن يكون للسكر البرازيلي المميزات نفسها. إلا أن مسؤولين في قطاع انتاج السكر في الارجنتين ردوا على التصريحات البرازيلية بقولهم إن انتاج البرازيل من السكر يتفوق على انتاج الارجنتين بمعدل 1 إلى 15، مما يجعل خطر فتح الأسواق الأرجنتينية أمام السكر البرازيلي بلا حدود خطراً على الانتاج المحلي الأرجنتيني، ويهدد بالقضاء عليه. ونظراً لهذه الخلافات التي جعلت تلك القمة في مهب الريح، أو على الأقل حدت من امكانات نجاحها، قرر رؤساء دول "ميركوسور" التركيز على الجوانب السياسية في محاولة لتجميل المحصلة النهائية لهذه القمة، إذ تم التركيز في البيان الختامي على ما اطلقوا عليه اسم "اتفاق السلام"، الذي يؤكد على أن الديموقراطية هي الطريق الوحيد نحو الوصول إلى السلطة في تلك المنطقة، وتطبيق ذلك بعد السماح لأي حكومة غير منتخبة في المشاركة في عضوية "ميركوسور". إضافة إلى اعلان منطقة تكتل "ميركوسور" منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل. وكانت التصريحات الصادرة عن الوفود الرسمية تحاول التأكيد على أن هذا الاتفاق السياسي يهدف إلى قطع الطريق أمام الانقلابات العسكرية التي سادت في تلك المنطقة خلال الخمسين عاماً الماضية. ويرى المراقبون الذين يتابعون الأوضاع في تلك المنطقة، ان مثل هذا الاعلان السياسي الصادر عن تجمع اقتصادي إنما يعكس الخلافات التي سادت القمة الأخيرة، إضافة إلى أن التأكيدات على الديموقراطية كطريق وحيد للحكم في دول تلك المنطقة مسألة غير مهمة، خصوصاً أن بعض هؤلاء الرؤساء الذين يجلسون على كرسي السلطة في بلادهم تحت راية الديموقراطية يخرقون قواعد الديموقراطية التي تضعها الدساتير التي سمحت لهم بالوصول إلى السلطة، ويطالبون اليوم بالحفاظ عليها. ويضرب المراقبون مثالاً على ذلك، محاولات الرئيس كارلوس منعم ترشيح نفسه لفترة رئاسية ثالثة، على رغم ان دستور بلاده يقرر صراحة ان مثل هذه الخطوة غير دستورية، لكن الرئيس منعم يبدو مصمماً على تحقيق هدفه، حتى لو كان ذلك على حساب الاستقرار السياسي في بلاده، إذ أعد العدة لذلك من طريق اجراء تغييرات في عضوية المحكمة الدستورية العليا، أبعد فيها كل المعارضين له ووضع مكانهم قضاة تابعين يمكنهم تفسير مواد الدستور وفق رغبة الرئيس منهم تمهيداً لإعادة منعم ترشيح نفسه على رغم عدم دستورية ذلك. النتيجة الايجابية الاقتصادية الوحيدة التي نتجت عن قمة دول "ميركوسور" الإصرار على الحوار مع الاتحاد الأوروبي ككتلة واحدة، وأن يشمل الاتفاق كل منتجات دول "ميركوسور" على قدم المساواة مع منتجات دول الاتحاد الأوروبي، إذ أكد الرئيس الحالي لدولة "ميركوسور" ورئيس الدورة المقبلة البرازيلي فرناندو انريكي كاردوسو على أن أي اتفاق بين دول الاتحاد الأوروبي ودول تكتل "ميركوسور" لا بد أن يشمل مختلف المنتجات، وكل القطاعات بلا استثناء. أبرز أحداث قمة "ميركوسور" في هذه الدورة وجود رئيس جنوب افريقيا نيلسون مانديلا كضيف شرف، وبهذه المناسبة تم توقع اتفاق نوايا مبدئي يهدف إلى السعي لإقامة علاقات تجارية مستقبلية كاملة ومفتوحة بين مجموعة دول "ميركوسور" و13 دولة افريقية تقع إلى الجنوب من خط الاستواء.