بدأت تأثيرات الأزمة الاقتصادية في جنوب شرقي آسيا على مشاريع الغاز في منطقة الخليج في الظهور، بعدما أدت الى تباطؤ الطلب العالمي على النفط ودخلت الاسعار الى مستويات متدنية. فقد أعلن مسؤولون في "شركة عُمان لتسييل الغاز" أنهم لا يزالون يبحثون عن زبائن جدد بعد قرار تايلاند إلغاء صفقة إمداد ضخمة بسبب أزمتها الاقتصادية التي قلصت معدلات الاستهلاك في قطاع الطاقة. أما قطر التي تنفذ أكبر مشروع لتسييل الغاز الطبيعي في العالم فيبدو ان مفاوضاتها مع شركة "انرون" الاميركية لانشاء مصنع تسييل ثالث وصلت الى طريق مسدود. وذكرت مجلة "ميس" التي أوردت الخبر هذا الاسبوع ان سبب الفشل يعود الى عدم وجود مشترين آسيويين. وكانت "انرون" بدأت مفاوضات مع شركة رأس لفان القطرية عام 1995 لتنفيذ مشروع تسييل في حقل غاز الشمال بكلفة تبلغ نحو خمسة بلايين دولار لانتاج خمسة ملايين طن سنوياً. وقال مسؤول في شركة نفط خليجية: "من الطبيعي ان ترى مثل هذه المشاريع النور فقط اذا ما تم ضمان تصدير معظم الانتاج، وإلا فإنها لن تكون مجدية لأن مشاريع تسييل الغاز تتطلب استثمارات ضخمة". وأضاف: "أعتقد ان بعض مشاريع الغاز الكبيرة في الخليج قد تؤجل بسبب تباطؤ النمو على الطلب في منطقة جنوب شرقي آسيا لأنها تشكل السوق الرئيسية لغاز دول الخليج". ويتم تصدير أكثر من 90 في المئة من انتاج الغاز المسيل في الامارات الى اليابان، فيما بدأت قطر شحن الانتاج في أول مشروع تسييل فيها الى اليابان ودول آسيوية أخرى. وستبدأ سلطنة عمان تصدير نحو 4.1 مليون طن الى كوريا الجنوبية و700 ألف طن الى شركة "أوساكا" اليابانية حالما يتم تشغيل مصنعها في مدينة صور الجنوبية. وتستهدف دول الخليج السوق الآسيوية نظراً الى قربها الجغرافي من المنطقة وحصولها على شروط أفضل لجهة الاسعار وفترة التعاقد والتوقعات السابقة بتسارع النمو على الغاز. لكن من المتوقع ان يسجل النمو معدلات أقل في ضوء الأزمة المالية التي عصفت بمعظم دول جنوب شرقي آسيا وأدت الى تراجع الطلب العالمي على النفط بأكثر من 500 ألف برميل يومياً. وقال مسؤولون في "شركة تسييل الغاز العمانية" انهم يبحثون عن مشترين محتملين في الصين ودول آسيوية أخرى منذ اشهر بعد إلغاء تايلاند لمذكرة تفاهم تستورد بموجبها 2.2 مليون طن من الغاز المسيل سنوياً. وأشاروا الى احتمال التوصل الى عقود إصدار جديدة على رغم الأزمة الآسيوية، لكنهم أوضحوا ان المشروع سيتم افتتاحه في موعده حتى وان لم توقع أية عقود في هذه الفترة. وذكر خبراء نفطيون ان قطر ستتأثر أكثر من غيرها من دول المنطقة بالأزمة الآسيوية وقيام مشاريع تسييل جديدة في اليمن ودول اخرى خارج الشرق الأوسط، وذلك لضخامة الاستثمارات المخطط لها في حقل الشمال. وأفاد أحد الخبراء "لا شك ان قطر ستعيد النظر في تلك المشاريع في حال استمرار الأزمة الآسيوية لأنها بنت خططها على قوة الطلب في تلك المنطقة. اذ استهدفت حجم انتاج يصل الى 30 مليون طن سنوياً واستثمارات تناهز 15 بليون دولار، ولا أعتقد ان وضع السوق الآسيوية الآن مناسب لتنفيذ هذه المشاريع". وتمتلك قطر ثالث أكبر احتياطات غاز طبيعي في العالم بعد روسيا وايران وتقدر بأكثر من عشرة تريليونات متر مكعب 333 تريليون قدم مكعب. وفي حال تنفيذ المشاريع الثلاثة في حقل الشمال فإنها ستصبح أكبر منتج للغاز المسيل في العالم. وتم تنفيذ المشروع الأول وهو مصنع قطر غاز بمشاركة شركة "موبيل" الاميركية التي تساهم كذلك بنسبة 25 في المئة من المشروع الثاني وهو راس لفان المتوقع تشغيله سنة 1999. وقالت مصادر نفطية ان هذه المشاريع ستؤدي الى زيادة كبيرة في الدخل الوطني لقطر وتمكنها من تلافي الهزات في سوق النفط نظراً الى ان عقود أمداد الغاز تمتد لفترة طويلة 25 سنة وتشمل معدلات أسعار ثابتة نسبياً. ووضعت قطر عقود توريد الغاز المسيل مع شركات عدة في اليابان وكوريا الجنوبية، ولكنها لم تتوصل الى اتفاق ملموس مع الهند على رغم المفاوضات المستمرة، مما أدى، على ما يبدو، الى تعثر المشروع المزمع تنفيذه مع شركة "انرون". ورجحت المصادر ان تواصل قطر تنفيذ المشروع الثاني، ولكن ليس بطاقته الكلية قبل توقيع اتفاقات امداد جديدة تتيح لها التشغيل الكلي للمشروعين. واضطرت قطر الى الاقتراض من الاسواق الدولية لتمويل مشاريع حقل الشمال مما رفع اجمالي ديونها الخارجية الى 5.7 بليون دولار عام 1997 بنسبة 79 في المئة من اجمالي الناتج المحلي. وعلى رغم الأزمة الآسيوية، يعتقد خبراء طاقة خليجيون بأن مشاريع تسييل الغاز في الخليج تبقى ذات جدوى وستدر أرباحاً طائلة على المدى البعيد على اساس ان الطلب على الغاز كطاقة نظيفة ينمو بسرعة أكبر من النفط، ويتوقع تسارع هذا النمو على حساب مصادر الطاقة الأخرى. وقال أحدهم: "على المدى القصير، ربما يتأثر قطاع الغاز في الخليج بالأزمة الآسيوية، ولكن الحال لن تكون كذلك على المدى البعيد وستشكل مشاريع الغاز مصدراً رئيسياً للدخل في المنطقة في وقت يواجه قطاع النفط حالاً من عدم اليقين بسبب ضخامة الانتاج العالمي ومحاولات إيجاد مصادر بديلة والحد من الاستهلاك عن طريق فرض الضرائب وغيرها".