لم تكن هذه المرة "مزحة سخيفة" مررها أحدهم الى شاشة التلفزيون؟. نعم رحل فريد شوقي الذي كان تلقى خبر وفاته الكاذب قبل اربعة اسابيع بسخرية اشتهر بها قائلاً: "إنها مجرد بروفة لكنها جعلتني أرى محبة الناس لي قبل ان أرحل فعلاً، وهذا هو أهم شيء". وعلى أية حال لم يكن شوقي يتوقع هذه النهاية السريعة، فأول من أمس طلب من ابنته رانيا وهو على فراشه في مستشفى السلام الدولي في ضاحية المعادي، ان تحضر كعكة ضخمة حتى يحتفل بعيد ميلاده ال 76، لكن القدر لم يمهله لذلك، كما لم يمهله حتى يحقق مشاريعه الفنية ومن بينها فيلم "اولاد الشوارع" الذي كان مقرراً ان يتولى بطولته أمام ابنته رانيا على أن تتولى عملية الانتاج ابنته ناهد والاخراج ابنته عبير في اولى تجاربها السينمائية. وكان يحضّر لإعادة مجموعة من أشهر الاعمال المسرحية للراحل نجيب الريحاني، إضافة الى مسلسل من تأليفه عنوانه "روبابيكيا". أكثر من 250 فيلماً قدمها شوقي - الذي غيبه الموت مساء أول من أمس - في نحو نصف قرن. وهو ولد في حي السيدة زينب الشعبي في القاهرة العام 1922، وحصل على دبلوم الهندسة التطبيقية، ثم عمل كاتباً في مصلحة الاملاك الاميرية، والتحق في معهد التمثيل، الذي كان أسسه الفنان زكي طليمات وتخرج فيه العام 1944 مع كل من عمر الحريري وشكري سرحان وصلاح نظمي. بدأ فريد شوقي الذي اشتهر بألقاب عدة منها: "وحش الشاشة" و"ملك الترسو"، اولى خطواته السينمائية العام 1946 عندما أسند اليه يوسف وهبي دوراً صغيراً في فيلم "ملاك الرحمة"، الذي تولى وهبي نفسه بطولته واخراجه، أمام راقية ابراهيم وفاتن حمامة. والطريف أن شوقي لعب في الفيلم دور ضابط شرطة ولم يكن يعرف حينها بأنه سيصبح "أشهر شرير" في السينما المصرية وبأن الجماهير ستطلق عليه لقب "وحش الشاشة". وظل شوقي يلعب ادواراً هامشية في افلام عدة حتى جاءته فرصة البطولة المطلقة العام 1952 في فيلم كتب بنفسه قصته هو "الأسطى حسن" للمخرج صلاح ابو سيف، لتتوالى بعد ذلك بطولات عدة له وليحصره المخرجون في ما بعد في ادوار الشر وافلام "الأكشن" مثل "رصيف نمرة خمسة" لنيازي مصطفى، و"حميدو"، و"سلطان"، و"هارب من الايام" وغيرها. لكنه استطاع رغم ذلك تحقيق افلام عدة جيدة بعضها اصبح علامات في السينما المصرية مثل "جعلوني مجرماً" 1954 لعاطف سالم و"وبورسعيد" 1957 لعزالدين ذو الفقار و"الفتوة" في العام نفسه لصلاح ابو سيف، و"باب الحديد" 1958 ليوسف شاهين، و"بداية ونهاية" 1961 اصلاح ابو سيف. وفي منتصف السبعينات قرر "الوحش" تغيير جلده بأن تحول الى تقديم أفلام تتسم بالطابع الانساني الميلودرامي مثل "وبالوالدين إحسانا"، و"ومضى قطار العمر"، و"لا تبكي يا حبيب العمر"، و"قطة على نار". واستطاع شوقي ان يكتسب شعبية كبيرة عبر أدواره خصوصاً في اوساط البسطاء الذين لقبوه ب"ملك الترسو" الذي كان أحب ألقابه الى قلبه. إضافة الى عمله في السينما المصرية، كان شوقي أول ممثل مصري يعمل في السينما التركية وقدم في العام 1968 خمسة افلام تركية دفعة واحدة هي "عثمان الجبار" و"شياطين البوسفور" و"رجل لا يعرف الخوف" و"مغامرة في اسطنبول" و"الحسناء والوحش" كما عمل في فيلمين انتاج مصري - ايطالي مشترك هما "الصقر" 1950 و"كريم ابن الشيخ" 1963. وعلى رغم امتلاك شوقي لمواصفات جسدية أهلته للعب أدوار تاريخية مهمة في افلام "فارس بني حمدان" و"وا إسلاماه" و"رابعة العدوية" و"عنتر بن شداد"، إلا انه لم يستطع ان ينافس أقرانه كمال الشناوي وعماد حمدي وأنور وجدي على لقب "فتى الشاشة الاول" او ادوار "الجنتلمان". باستثناء فيلم "السقا مات" لصلاح ابو سيف العام 1977 لم يقدم شوقي عملاً يترك بصمة في حقبة السبعينات، غير انه في الثمانينات تعاون بشكل محدود مع مخرجي الواقعية الجديدة، فقدم مع عاطف الطيب "ملف في الآداب" و"قلب الليل"، ومع محمد خان "خرج ولم يعد"، ومع رأفت الميهي "عيون لا تنام". وحصل شوقي على جائزة افضل ممثل اكثر من عشر مرات. وقدم للتلفزيون مسلسلات عدة من تأليفه وبطولته منها: "الشاهد الوحيد" و"عم حمزة" و"صابر يا عم صابر" و"البخيل وأنا" و"العرضحالجي". وقدم للمسرح نحو 20 عملاً منها: "الدلوعة" و"الشايب لما يدّلع" و"شارع محمد علي" وهي آخر أعماله المسرحية. وتزوج اربع مرات: الاولى من زينب عبدالهادي، والثانية من سنية شوقي، والثالثة من الفنانة هدى سلطان التي شاركته بطولة افلام عدة، والرابعة من السيدة سهير ترك، وأنجب أربع فتيات، وكان يحب اللقب الذي أطلقه البعض عليه "ابو البنات". وشيعت جنازة الفقيد ظهر امس من مسجد عمر مكرم وسط القاهرة في حضور آلاف من المواطنين وعشرات الفنانين، وسيقام سرادق العزاء في الساحة المواجهة لمسجد الدكتور مصطفى محمود في ضاحية المهندسين.