يرى الناقد السينمائي المصري طارق الشناوي أن أفلام عاطف سالم (1927 - 2002) هي أصدق تعبير عن حال السينما المصرية في لحظات توهجها وترددها... بتألقها وانحسارها... بإصرارها على أن تتنفس على رغم الكثير من الصعاب التي تحاول أن تكتم أنفاسها، كما يرى في سينما عاطف سالم الكلاسيكية التي لا تخلو من لمحات التجديد وتتحرر شوقاً للخروج عن القاعدة. ويرصد الشناوي للقارئ عبر كتابه «عاطف سالم... جعلوني مخرجاً» أن ثمة علاقة فنية خاصة جمعت بين عاطف سالم ونجيب محفوظ حيث شارك الأخير في كتابة سيناريو لأفلام عدة أخرجها عاطف سالم بينها «جعلوني مجرماً» و «النمرود» و «احنا التلامذة» (وهو الفيلم الذي ناقش الانحرافات التي يتعرض إليها الشباب بصدقية وواقعية)، ولكن يظل أهم لقاء جمع بينهما هو فيلم «خان الخليلي» عام 1966 والذي ناقش فلسفة الحياة والموت والقدر الذي يلاحق الإنسان والمفاجآت القاسية التي تعدها الحياة له، وخلال هذا العمل قدم سالم نبض راوية نجيب محفوظ والذي صار أحد أهم الأفلام في تاريخ السينما المصرية. ومن المؤكد أن ثمة صراع دار بين سالم المخرج الذي يريد أن يعبر عن مكنونات نفسه وأن يقول للوسط الفني أن هناك مخرجاً جديداً اسمه عاطف سالم والطرف الثاني من الصراع وهو السوق السينمائي الذي يفرض قانونه على الجميع بخاصة على المخرج وكان فيلمه «جعلوني مجرماً» 1954 بطاقة تعارف بين المخرج والجمهور، كما كان شهادة تقدير لمخرج شاب أصبح بعد ذلك مخرجاً قديراً، حيث أثار الفيلم قضية اجتماعية مهمة وشائكة راصداً الجريمة وأسبابها. يومذاك من فرط صدقيته نجح الفيلم في جعل القانون المصري يرفع السابقة الأولى من الصحيفة الجنائية للمتهم، كما شارك سالم صلاح أبو سيف وكمال الشيخ وحلمي رفلة ونيازي مصطفى في إخراج فيلم «سنة أولى حب» 1976. ويضيف الشناوي: دفع عاطف سالم بكثير من النجوم والنجمات في بداية المشوار بينهم نبيلة عبيد عبر فيلم «المماليك» 1965 ومحمود عبدالعزيز «ضاع العمر يا ولدي» وفردوس عبدالحميد «البؤساء» 1978 وإيهاب نافع من خلال «الحقيقة العارية» 1963، ثم وفاء سالم «النمر الأسود» 1984. كما امتلك عاطف سالم القدرة على إعادة اكتشاف طاقات أخرى لدى نجومه ومنهم عماد حمدي الذي قدمه بدور أقرب للكوميديا عندما جسد دور الأب في فيلمه الشهير «أم العروسة» 1963 وأيضاً فريد شوقي في فيلم «ومضي قطار العمر» 1978 والذي يعتبر بمثابة تغيير لمسار فنان كبير لقب ب «وحش الشاشة». وخلال الكتاب يعترف عاطف سالم بأن له أخطاءه الفنية لكونه خضع لمبدأ المجاملة خلال بعض أفلامه، فأحياناً لم يكن راضياً على السيناريو ومع ذلك يقبل بالإخراج، لكنه ظل من المؤمنين أن المخرج في شكل خاص والفنان عموماً لا ينبغي عليه الاعتزال طالما كان محتفظاً بلياقته الفنية. ويكشف الشناوي خلال صفحات كتابه أن عاطف سالم راودته فكرة تقديم فيلم اسمه «الصديقان» يسرد خلاله علاقة الزعيم الراحل جمال عبدالناصر وصديقه المشير عبدالحكيم عامر، بيد أن الظروف الإنتاجية حالت دون استكماله كما يكشف خلاله أن السينما كانت الأداة الوحيدة التي مكنته من التعبير عن مكنونات نفسه وعن طفولته وشبابه وطموحاته، وأيضاً إحباطاته، فيما كانت تيمة العائلة هي الملعب الدائم الذي كان يحلو له أن يتناوله. بينما كان البشر في علاقاتهم وصراعهم هم أبطاله على الشاشة وهؤلاء الناس هم الذين جعلوا من عاطف سالم مخرجاً.