ذكر كثير من الفرنسيين انهم لم يشهدوا مثيلاً للحفلات التي أقيمت بفوزهم بكأس العالم إلا عند تحرير مدينة باريس. هذا الربط بين الفريق الكروي وبين جنود التحرير استرعى انتباه الرئيس الفرنسي الذي أكد، بعد استعراض 14 تموز يوليو على ما سمّاه الطابع لا الثلاثي الالوان، وانما متعددها، الذي طبع الفريق "الفرنسي" والاستعراض "الفرنسي" والتحرير "الفرنسي". وليس من شك انه كان يقصد الاشارة الى الجنود الأفارقة والمغاربيين على الخصوص، الذين ساهموا في تحرير كثير من المدن الفرنسية، مثلما ساهم اخوانهم في كرة القدم في حصول فرنسا على الكأس. لعل ما دفع الرئيس الى تأكيد ذلك هو احساسه بأن ما يصنع "الهوية" الفرنسية بل وتاريخ فرنسا، ومن يدافع عن علمها وحريتها ووطنها و"مرماها"، ليس "الفرنسيون" وحدهم او على الأصح، ان الفرنسيين هوية متحركة مفتوحة، متعددة وليسوا وحدة منغلقة ساكنة ثابتة. لا شك ان هذا كان شعور كل من مارس وتابع المونديال. صحيح ان المونديال هو اموال واعلان واعلام وانفعالات ورياضة. لكنه كان ايضاً، ربما اساساً بالنسبة للكثيرين، تجربة هوية. وفي هذا الاطار تحدث البعض عن المفعول السياسي البعيد للمونديال الذي يقال انه انزل مكانة لوبن درجات كثيرة، بل انه "سيعمل على توحيد الفرنسيين وصيانة هويتهم التعددية". وربما لن نبالغ كثيراً ان نحن تحدثنا ايضاً الى جانب المفعول السياسي للمونديال عمّا يمكن ان ندعوه المفعول الميتافيزيقي. ذلك اننا عشنا خلال شهر واحد تجربة هوية لامحدودة. فقد كان الواحد منا يجد نفسه اليوم مع هذا البلد وهذا الفريق، كي ينتقل في الغد القريب الى فريق آخر ربما كان هو خصم بالامس. لا يعود هذا فحسب لما سمّي روحاً رياضية بقدر ما يرجع الى "تعدد الالوان" التي تتسم بها الهوية بما هي كذلك. الامر الذي يجعلني انتصر للفريق العربي ضد الفريق الافريقي اليوم، لكنني سأجد نفسي مع الفريق الافريقي غداً ضد بلد اوروبي، بل مع البلد الاوروبي مرة اخرى ضد بلد اوروبي آخر. وفي هذا المضمار قيل ان سكان الضواحي كانوا المستفيد الاكبر من انتصار فرنسا، وانهم لم يشعروا انهم فرنسيون بحق الا بعد فوز فرنسا. فكأن حصولهم على الهوية الفرنسية كان رهيناً بحصول فرنسا على الكأس بواسطة فريق تشكّل الفرقة وحدته وتطغى الوانه المتعددة على الالوان الثلاثة التي تشكّل العلم الفرنسي، كي ترسم علماً جديداً متعدد الالوان وتبني عالماً جديداً يتضح فيه ان الهوية استيهامات وفانتاسم. * كاتب وجامعي مغربي