بما أن حمى بطولة كأس العالم لكرة القدم ما زالت مسيطرة على الأجواء والنفوس فإن من الناس تشبيه ما يجري في لبنان الآن من شد وجذب وتسخين باللعب في الوقت الضائع دون ان نعرف من الذي سينجح في النهاية في تسجيل "الهدف الذهبي" أو الوصول الى مرحلة "الركلات" بحيث يعلن فوز من يسجل أكثر ويسدد كرات في ملعب الآخرين. ويبدو ان جميع الجمهور والضغوط الرامية لتبريد الأجواء حتى يمر موسم الاصطياف على خير لم تنجح وعاد التسخين الى الواجهة وبرزت الخلافات والاتهامات ومحاولات الضرب تحت الحزام في سباق حاد يسبق عملية الحسم في انتخابات الرئاسة اللبنانية بحلول الموعد المحدد لظهور الدخان الأبيض أو الرمادي اعتباراً من منتصف تشرين الأول اوكتوبر المقبل. والغريب أنه في كل مرة يفتح بها باب معركة ما يصب جام الغضب على بيروت، وكأن اعمارها أو تطويرها صار تهمة خطيرة تفوق تهمة الخيانة؟ وتدور التساؤلات وكأنها اكتشفت مستمسكات وأدلة دامغة تصب كلها على رأس بيروت: لماذا المطار الحديث؟ وكيف تم توفير الأموال للطرق والأوتوسترادات والأنفاق؟ ولماذا الانفاق على مشاريع بيروت والاهتمام بتطوير الوسط التجاري؟ وما الفائدة من قصر المؤتمرات أو المباني الحكومية اللائقة؟ ولكن لماذا بيروت بالذات تثير مثل هذه الضجة مع أن من يثيرها يعرف تماماً أنها تعرضت لشتى أنواع التخريب والدمار وأعمال الحقد التي ارتكبت ضدها، من تدمير لبناها التحتية خلال الحرب، الى قصف منشآتها ومرافقها واجتياحها من قبل العدو الإسرائيلي، ومن استباحة أرواح سكانها خلال قصفها الوحشي أبان ما كان يسمى "حرب التحرير"، وخلال كل مراحل الحرب القذرة. وبعد كل هذا ألا تستحق هذه العاصمة الجميلة اهتماماً من الجميع، والتفاتة من كل الفئات لرد الجميل لها وتضميد جراحها وطلب السماح منها على الجرائم التي ارتكبت ضدها من قبل امراء الحرب والميليشيات. فبيروت ليست لفئة واحدة ولا لمذهب معين بل هي للجميع، وكانت وستبقى عاصمة لكل لبنان وللعرب بوجهها الحضاري ودورها المميز في تحقيق الوحدة الوطنية واحباط مخططات اصحاب المطامع التقسيمية والعقد المذهبية والطائفية. والمؤسف ان مثل هذه الحملات تتزامن مع الكشف عن شبكة ارهابية عميلة لإسرائيل كانت تخطط لاشعال نار الفتن وزرع الدمار في بيروت وغيرها عن طريق تفجير القنابل وإثارة النعرات الطائفية ومحاولة ضرب العلاقات المميزة بين سورية ولبنان لتحقيق أغراض اسرائيل ونياتها الخبيثة بعد انكشاف خدعة الموافقة على القرار 425 وعرض الانسحاب من الشريط المحتل. مرة أخرى، ان اسرائيل لن يهدأ لها بال إلا إذا عادت الفتنة الى لبنان، وهي ستتآمر مجدداً لوقف مسيرة الاعمار والانماء ومنع لبنان من استعادة دوره الاقتصادي والتجاري والسياحي والفكري والثقافي، لقد فشلت كل مؤامرات فصل المسارين، وجاء كشف المخطط الارهابي ليوجه صفعة جديدة لاسرائيل وعملائها لتضاف الى الصفعات الأخرى التي تلقتها في لبنان. ولكن المؤامرة لم تنتهِ فوصولاً بعد.
خلجة آه من فرحة أحلامي وخوف ظنوني كم أناديك وفي لحني حنين ودعاء!