يخطىء من يظن ان اسرائيل قد تراجعت عن قرارها تصعيد المواقف في جنوبلبنان أو تراخت في تنفيذ الأهداف التي رسمتها عند الاعلان المفاجىء عن قبول القرار الدولي رقم 425 القاضي بالانسحاب من الشريط الحدودي في جنوبلبنان بعد تكبيله بشروط تفرغه من معناه ومبناه. وتسعى من خلالها لفصل المسارين اللبناني والسوري والعودة من الباب الخلفي بعد التظاهر امام العالم بأنها خرجت من الباب الأمامي. هذه الشروط التي بدت وكأنها "قطبة مخفية" تفضح القرار الإسرائيلي والنيات المبيتة حيث يبدو في العلن بريئاً لا غاية منه سوى اعادة أراضي لبنانية محتلة منذ أكثر من عشرين عاماً وترك "الجمل بما حمل" ولكن الحقيقة تؤكد ان هذا القرار ظاهره الرحمة وباطنه العذاب. ومع هذا يعتبر كل متابع للشأن اللبناني، بل وكل لبناني أن هذا القرار ليس جديداً ولا يتضمن أي عنصر إيجابي يثير الاهتمام، فمطامع اسرائيل في جنوبلبنان قديمة قدم المؤامرة الصهيونية الكبرى على فلسطين، ومن قرأ مذكرات موشيه شاريت قبل نصف قرن يدرك حقيقة هذه المطامع وقدم هذا المخطط الذي كان يبحث عن ضابط طائفي خائن لوطنه ليسيطر على الجنوب ويكون عميلاً لإسرائيل لتحقيق هدفين: الأول إثارة الفتن الطائفية التي تؤدي الى تقسيم لبنان، والثاني فصل الجنوب والتمهيد لسيطرة اسرائيل عليه بشكل مباشر أو بالواسطة لسرقة مياه الليطاني والحاصباني والوزاني واستغلال ثرواته المائية والطبيعية وفق المخطط الصهيوني الاستعماري التوسعي. تدعي اسرائيل الآن انها لا مطامع لها في لبنان وأنها تريد فقط مفاوضات معه لوضع ترتيبات أمنية مع أن القرار 425 ينص على الانسحاب التام والفوري بلا مفاوضات ولا شروط فيما يضع القرار 426 آلية التنفيذ المناطة بالأمين العام الذي يمكن أن يقود الاتصالات اللازمة لتنفيذ القرار وبحث "الترتيبات" من دون وصفها بالأمنية. و"الأمن" هو مسمار جحا الذي تحاول اسرائيل أن تأخذ كل شيء وتسيطر على كل ما يقع يدها عليه، لتصل الى تحقيق الأمور الأخرى التي تحقق مطامعها وبينها المياه والتطبيع والسيطرة على المقاليد والتحكم بالشاردة والواردة. وكانت دخلت لبنان عدة مرات وفق ذرائع أمنية حتى أن غزوها للبنان صيف عام 1982 كان يحمل عنوان "سلام الجليل" كما أنها أطلقت على الشريط المحتل اسم "الشريط الأمني". ولهذا من غير المستبعد أن تصعد اسرائيل في جنوبلبنان عسكرياً وسياسياً وأمنياً، وليس من المستبعد أن تستأنف التآمر الداخلي بإثارة الفتن والحوادث الأمنية لتخريب مسيرة الاعمار وموسم الاصطياف وارباك النظام اللبناني الواقف على عتبة الاستحقاق الرئاسي. وهناك عدة تحركات داخل مجلس الأمن وخارجه لتنفيذ هذا المخطط الذي يتفق عليه كل الأطراف في اسرائيل من جنرالات وأحزاب وسياسيين وأولهم أريل شارون السفاح الذي استباح بيروت عام 1982 وصاحب المشكلة الأساسية الناجمة عن الاحتلال الحالي. لقد دخل نتانياهو عهده وهو يحمل شعار "لبنان أولاً" ثم أطلق عدة بالونات اختبار للفتنة مثل "جزين أولاً" وغيرها، والآن يبدأ التصعيد حاملاً قناع قبول القرار 425 والرغبة بالانسحاب... ولكن من سيقبل الشروط التعجيزية... وعلى من ستقرأ المزامير؟ لقطة هذا الدعاء من طاغور: يا رب لا تجعلني جزّاراً يذبح الخرفان، ولا تجعلني شاة يذبحها الجزّارون.