روما، كانبيرا - أ ف ب، رويترز - تحوّل حلم انشاء محكمة دولية لجرائم الحرب الى حقيقة مساء اول من امس عندما أُقر في روما نظام المحكمة الجنائية الدولية، وذلك على الرغم من معارضة الولاياتالمتحدة. وكان مقرراً ان تتم حفلة التوقيع مساء امس في روما في حضور الامين العام للأمم المتحدة كوفي عنان. وكان المؤتمر الذي عقدته الاممالمتحدة في روما شهد تطورا مفاجئاً في يومه الاخير، عندما قام مسؤول رفيع في الوفد الاميركي بمحاولة اخيرة لإعادة صوغ القرار لتهدئة المخاوف من محاكمة القوات الاميركية في "محكمة لا تراعى فيها مبادئ القانون والعدالة". لكن المحاولة ارتدّت على اصحابها علناً، عندما اطاح تصويت الوفود في ختام المؤتمر الذي استمر خمسة اسابيع، بالتعديلات الاميركية بغالبية ساحقة بلغت 120 صوتاً مقابل معارضة سبعة اصوات وامتناع 21 دولة عن التصويت، موجها بذلك ضربة قوية للقوة العظمى الوحيدة في العالم. معارضة أميركية - إسرائيلية وقال السفير الاميركي ديفيد شيفر: "نحن لا نقبل بمفهوم السلطة القضائية العالمية ولا بتطبيق بنود هذا النظام على دول لا تنضم اليه". وأكد مجددا رغبة الولاياتالمتحدة في حماية صلاحيات مجلس الامن، مشيراً الى ان أي هيئة لا يمكن ان تحل محل المجلس حسب ميثاق الاممالمتحدة. ودعا المحكمة الى عدم محاولة الحد من سلطات المجلس. وعزلت واشنطن بذلك عن غالبية حلفائها بمعارضتها انشاء محكمة جرائم الحرب الدولية التي نادت بانشائها بريطانياواستراليا، إذ انشقت بريطانيا وروسيا وفرنسا الاعضاء في مجلس الامن عن الصف الاميركي وساندت تأسيس المحكمة. وجاءت النتيجة انتصارا لأوروبا ودول الكومنولث وافريقيا واميركا اللاتينية وآسيا. وترك قرار انشاء المحكمة الولاياتالمتحدة في الخندق نفسه مع ليبيا التي تصفها واشنطن بانها "دولة مارقة وراعية للارهاب". كذلك صوتت اسرائيل ضد القرار بسبب وجود فقرة تعتبر الاستيطان في الاراضي الفلسطينية جريمة حرب. واكد رئيس الوفد الاسرائيلي الياكيم روبنشتاين ان الحكومة الاسرائيلية لا تستطيع القبول بأن يدرج بين اخطر الجرائم "قيام قوة محتلة بنقل جزء من سكانها المدنيين بطريقة مباشرة او غير مباشرة داخل الاراضي التي تحتلها". واضاف: "انها مناورة سياسية جديدة" و"رمز لتسييس المحكمة". ترحيب أوروبي وفي المقابل، رحب وزير الخارجية البريطاني روبن كوك "بحرارة" بأنباء الاتفاق في روما، معتبراً أنه "خطوة تاريخية وانا سعيد لان بريطانيا قامت بدور رائد في تحقيقها". ورحبت فرنسا ايضا بقرار انشاء المحكمة، وقال ناطق باسم وزارة الخارجية الفرنسية ان وزير الخارجية هوبير فيدرين يرحب ب "النتيجة الرائعة" لمؤتمر روما. كذلك رحبت استراليا بقرار انشاء المحكمة مؤكدة ان ذلك يحقق هدفا قديما للحكومة. وقال وزير الشؤون الخارجية الكسندر دونر في بيان: "هذا انتصار عظيم للذين كافحوا بجدية زمنا طويلا لضمان الا يفلت مرتكبو ابشع الجرائم في حق الانسانية من العقاب". ورحب صندوق رعاية الطفولة التابع للأمم المتحدة يونيسيف بقرار انشاء المحكمة، لكنه قال ان البند الذي يحدد الحد الادنى لسن التجنيد في الخدمة العسكرية ب 15 عاماً مضلل ومتناقض. تسوية ويمثل نظام المحكمة تسوية بين مطالب نحو ستين دولة تدعمها مئات من المنظمات غير الحكومية التي جاءت الى روما على امل انشاء محكمة لا تترك مسؤولاً في دولة ما متهم بجرائم حرب من دون عقاب من جهة، وبين مجموعة دول مختلفة الدوافع، لكنها متفقة في الاهتمام باقامة محكمة محدودة الطموح والوسائل من جهة اخرى. وفي النتيجة اعلن انشاء محكمة "قد تشكل تقدما تاريخيا على طريق العدالة الدولية، لكن نظامها ما يزال يحتاج الى جراحة جذرية لجعل المحكمة عادلة وجديرة بالثقة وفاعلة"، حسب منظمة العفو الدولية. وخلافاً لمحكمتي الجزاء الدوليتين للنظر في جرائم الحرب في يوغوسلافيا السابقة ورواندا، واللتين شكلتا للنظر في حوادث جرت في فترة ومنطقة محددتين، ستكون المحكمة الجنائية الدولية دائمة وتكلف محاكمة المتهمين بارتكاب اربع جرائم خطيرة هي الابادة والجرائم ضد البشرية وجرائم الحرب والعدوان في اي مكان من العالم. ويمكن لهذه المحكمة ان تنظر في جرائم كانت تمر حتى الان من دون عقاب لعدم وجود نص يقر ملاحقة مرتكبيها مثل الجرائم الجنسية والتعذيب والعبودية. لكن لم يتم التوصل الى اتفاق لادراج الارهاب وتهريب المخدرات بين هذه الجرائم. ثغرات واشار عدد كبير من اعضاء المنظمات غير الحكومية الى ان النص الحالي يتضمن ثغرات خطيرة. وذكروا مثالاً على ذلك الوضع في كوسوفو. فاذا وافقت بلغراد على نظام المحكمة قد تطلب عدم محاكمتها لاحتمال ارتكابها جرائم حرب لمدة سبعة اعوام، واذا قررت عدم ابرام النص فلا يمكن ان يتم شيء من دون موافقتها. وفي الحالين يمكن لبلغراد ان تتخلص من ملاحقة المحكمة سبعة أعوام على الاقل. وقال مندوبون ان فاعلية النص الذي يتسم بانه تقني الى ابعد حد أو ضعفه، سيظهران عند تطبيقه عملياً. وسيجري توقيع النص في روما حتى تشرين الاول اكتوبر المقبل، ثم في الاممالمتحدة في نيويورك حتى 31 كانون الاول ديسمبر عام 2000. وسيدخل نظام المحكمة التي سيكون مقرها لاهاي، بعد ستين يوما من تسليم الدول وثائق مصادقتها الى الامين العام للأمم المتحدة. ولا يمكن لهذه المحكمة ان تهتم سوى بالجرائم التي سترتكب بعد دخول نظامها حيز التنفيذ.