يشهد موسم الاصطياف في لبنان السنة الجارية ازدهاراً قلّ نظيره في وقت يعاني البلد أزمة اقتصادية خانقة وركوداً منذ اعوام عدة على رغم صلابة المباني التي تنهض في الوسط التجاري وبعض انحاء العاصمة. وإذا كان محللو الشأن اللبناني ادرجوا مصطلح "السقف الواطئ" تفسيراً للعجز عن التقدم على أي جبهة كانت، فان وزير الزراعة اللبناني السيد شوقي فاخوري، الذي التقته "الحياة" في لندن، يعزو اسباب الركود الاقتصادي الى "الخيارات الاقتصادية للحكومات المتعاقبة التي تمحورت حول اعادة احياء قطاع الخدمات في لبنان، والتي تبين لاحقاً انها غير صحيحة خصوصاً بعد تعثر عملية السلام الاسرائيلية - العربية، اذ كان احرى بنا اعتماد سياسة تنموية متوازنة ورصد موارد محددة للصناعة والزراعة، خصوصاً ان اتفاق الطائف اقر مقولة التنمية المتوازنة للقطاعات الاقتصادية والمناطق اللبنانية كافة". وأضاف فاخوري ان "الحرب اللبنانية انتهت بالقضاء على دور لبنان الخدماتي في المنطقة لأن هذا الدور يتأثر كثيراً بالعوامل الخارجية ويهتز لأول هبة ريح على عكس القطاعين الزراعي والصناعي اللذين عاشا على هامش اهتمامات الدولة اللبنانية، والتي رصدت لهما في موازناتها السنوية نسباً متواضعة جداً لا تتجاوز الواحد في المئة". وأشار الى ان "موازنة التعليم التقني والفني ضئيلة، وتشير احصاءات مصرفية للعام 1997 الى ان حجم التسليف لقطاع الخدمات بلغ 60 في المئة مقارنة بعشرة في المئة للصناعة و2.5 في المئة للزراعة. والركود الناجم عن هذه الخيارات يدفعنا الى استعمال احتياطاتنا من النقد الاجنبي لاستيراد ما نحتاج اليه، اذ تبلغ قيمة الواردات اللبنانية ثمانية بلايين دولار منها بليونا دولار واردات زراعية. وأفاد فاخوري ان فاتورة الركود الاقتصادي الناجم عن الحرب سيدفعها الشعب اللبناني، لكن ذلك "يجب الا يمنعنا من اعادة بناء الاقتصاد في شكل متوازن على رغم ضخامة الدين العام، وعدم قدرتنا على رصد المال الكافي كما كنا نفعل في الماضي. فالاعتمادات اللازمة لتعزيز الوضع الانتاجي في لبنان غير متوافرة في الوقت الراهن، وللأسف ينشط القطاع الخاص اللبناني حالياً من دون دعم حكومي، وكل ما استطعنا فعله هو مجرد الحماية عبر اقرار الروزنامة الزراعية وزيادة الجمارك على السلع الواردة الأمر الذي اغضب "الغات" والاتحاد الأوروبي، لكننا شرحنا لشركائنا التجاريين خصوصية الوضع اللبناني وهشاشته بسبب خروجه من حرب مدمرة امتدت 20 عاماً". وقال فاخوري انه قدم الى مجلس النواب برنامجاً لتقديم قروض زراعية، ولا تزال الحكومة تبحث عن الدعم المالي لهذا البرنامج "فالمال الذي كان في حوزتنا صرفناه على البنى التحتية التي اعتبرت حاجة اولية في البلد، وأنا اعتقد انه كان علينا صرف بعضه على القطاعات الانتاجية عملاً بنظرية الانماء المتوازن. وبالنسبة الى الزراعات البديلة، قال فاخوري ان ذلك "ليس مسؤولية الحكومة اللبنانية وحدها اذ على الاطراف المتضررة في الغرب وتحديداً اميركا واليابان والاتحاد الأوروبي المساهمة معنا كما تفعل مع دول اخرى تنشط فيها زراعة المخدرات. ولبنان الذي قضى عملياً على زراعة المخدرات لم يتلق شيئاً يستحق الذكر من الدول المانحة أو من برنامج الأممالمتحدة الذي أرأسه شخصياً. و"ثورة الجياع"، وإن كانت ترمي الى تحقيق اهداف سياسية الا انها انطلقت من تذمر شعبي وغليان تشهدهما منطقة البقاع". وأكد الوزير اللبناني ان حكومته رصدت مبلغ 150 بليون ليرة لبنانية لدعم منطقتي البقاع وعكار، لكنه اقر بضرورة رفع هذا المبلغ الى نحو 300 مليون دولار لرفع القدرات الانتاجية لهاتين المنطقتين. وقال فاخوري انه قدم برنامجاً زراعياً الى الحكومة ينفذ على مرحلتين مدة الواحدة ثلاث سنوات وتنتهي الأولى بحلول السنة 2000. وبالنسبة الى اتفاقية التسيير العربية قال فاخوري انها "لا تنطبق على لبنان نظراً الى وضعه الاستثنائي كما ان التشرذم السياسي في العالم العربي ينعكس سلباً على التنسيق الاقتصادي ويغيبه كلياً". وأشار الى المشادة التي وقعت بينه وبين الوفد التركي اثناء انعقاد المؤتمر الاقليمي للمياه قبل نحو شهرين في دمشق "عندما تقدمت تركيا بطرح يخالف ميثاق الأممالمتحدة حول هذا الموضوع إذ ان انقرة تريد حرية التصرف بالمياه النابعة من أراضيها وكأنها ثروتها القومية ولها الحق في املاء شروط استعمالها على الآخرين". وتحدث فاخوري عن زيارته الاخيرة لبغداد فقال ان لبنان مستعد لاستثمار خبراته وأمواله في العراق في مجال البتروكيماويات والزجاج وصناعة السكر وغيرها لو توافرت الضمانات والحوافز اللازمة لذلك. وذكر ان ازمة البطيخ مع الأردن قد حلّت وانه سيستقبل وفداً اردنياً في 30 الشهر الجاري لتوقيع اتفاق زراعي جديد.