؟ضربت امطار من النيازك نيويورك وباريس وعموم دول شرق آسيا خلال الاسبوع الماضي بينما كانت الولاياتالمتحدة تحتفل بالعيد 222 للاستقلال. المحتفون من الناس توجهوا الى شاطئ هانينغتون بيتش في لوس انجليس يراقبون الالعاب النارية، بينما كانت النيازك تضرب سريعاً آثار الحياة على الارض، تحطم رؤوس ناطحات السحاب، تخترق المباني، تحفر خنادق في الارض، ترفع الشاحنات في الهواء او تطيح ببرج ايفل الباريسي قبل ان تقضي على المدينة بأسرها. "يوم الآخرة"، اسم الفيلم الذي يشتمل على كل هذه الكوارث واكثر منها، ضرب صالات السينما بقوة مستفيداً من ايام عطل العيد مسجلاً في خمسة ايام 52.9 مليون دولار… وهو امر يدعو للغبطة لولا انه يدعو ايضاً للحذر. فبالمقارنة مع ما حصده فيلم "يوم الاستقلال" في الفترة ذاتها قبل عامين 84 مليون دولار ومع ما حصده "رجال في الاسود" في الوقت نفسه العام الماضي 79.3 مليون دولار، فإن المبلغ "الكبير" الذي جمعه "يوم الآخرة" او "ارماجدون" لا يملأ عين شركة ديزني التي كانت تتطلع الى افتتاح اكبر من هذا. والسبب هو ان المغامرة اكبر حجماً من غيرها، فتكلفة "يوم الآخرة" بلغت 140 مليون دولار، وهذا ما يجعله اغلى انتاج تكبدته شركة ديزني في تاريخها. الى ذلك صرفت الى الآن نحو 75 مليون دولار على شؤون الدعاية والترويج ما يعني ان المبلغ المسجل في الاسبوع الاول، ويصل 60 في المئة منه فقط الى ديزني والباقي يذهب لصالات السينما، كاف لملء جيب ديزني الاصغر، بل ويوحي بأنه اذا ما كان هذا الرقم المسجل هو الاعلى، فان الانحسار المتوقع بدءاً من الاسبوع الثاني عادة، سيترك الفيلم في العراء بإيراد كلي يقلّ عن المطلوب لتغطية هذه التكاليف. هذا ما حدث سابقاً مع "غودزيللا" الذي جمع للآن نحو 130 مليون دولار وبصعوبة ملحوظة. وبذا يكون فيلمان من اكبر افلام الموسم انفجرا بخسائر شبه جسيمة. فهل يعني ذلك ان الجمهور ملّ من الافلام المكلفة وضجيح المؤثرات والنمطية المعتادة التي توفرها هوليوود بلا كلل؟ ومع انه لا يزال من السابق لأوانه الخروج بتأكيد مطلق، الا ان المؤشر الوحيد حتى الآن يعزز مثل هذا الرأي. سلاح قاضٍ... فعلاً! ... وهذا الاسبوع تنجلي الارقام الاولى لفيلم كبير آخر توفره شركة ورنر بعنوان "سلاح قاتل 4" هو ايضاً فيلم كبير الانتاج نحو 130 مليون دولار انما يتبع سلسلة الافلام التي تقاسم بطولتها كل من ميل غيبسون وداني غلوفر منذ العام 1987: مزيج من الأكشن البوليسي والكوميديا، اذا ما كان هذا هو الاسم الفعلي للتهريج الذي يتحلى به معظم اجزاء هذا المسلسل الذي يصل هنا الى حدّ الثرثرة والبلاهة المغالى فيه الاحتفاء بهما. مغامرة ورنر مع "سلاح قاتل 4" لا تقل خطراً من مغامرة ديزني مع "يوم الآخرة" ذلك ان ورنر اخفقت منذ نحو عام في تحقيق ضربة تجارية ناجحة، وهي الآن بحاجة الى استعادة موقعها كأكثر شركات هوليوود ربحاً بعد ديزني حالياً المركزان الاول والثاني محطّ منافسة بين ديزني وفوكس وصوني. لكن الى ذلك، فان تكلفة "سلاح قاتل 4" تتعدى المرتسم والمعلن. فميل غيبسون قبض 25 مليون دولار لقاء عودته الى دور الشرطي الارعن بينما تقاضى زميله داني غلوفر 12 مليون دولار. وعلاوة على ذلك، فإن غيبسون وغلوفر والمنتج جويل سيلفر والمخرج مايكل باي متعاقدون على اساس حصص من الايرادات. وغير معروف ما إذا كانت الحصص تحسم قبل او بعد حسم التكاليف. وفي الحال الأولى، فإن الفيلم بحاجة الى نحو 350 مليون دولار من الايرادات قبل أن تسد ورنر تكلفته، وفي الثانية فإن 250 مليون دولار ستكون مقبولة كحد أدنى، انه في سعي ورنر الى تقديم فيلم ناجح مع غيبسون وباقي العناصر الثمينة في الفيلم، اضطرت للموافقة على الشرط الاصعب وهو دفع حصص من الايرادات قبل حسم التكلفة. "سلاح قاتل" في العام 1987 جلب في ايامه الثلاثة الاولى نحو 7 ملايين دولار. الجزء الثاني 1990 حقق 40.3 مليون دولار في الفترة ذاتها، والثالث 1992 حقق 33.2 مليون دولار. والمتوقع الآن لهذا الجزء الرابع رقم يراوح بين 35 و45 مليون دولار في الايام الثلاثة الاولى. "ذهب مع الريح" يعود كما ذهب على رغم كل هذه الزوابع التجارية وحسابات الارقام، فان الكثير من مبدأ "السينما للسينما" لا يزال متوافراً على شكل افلام جديدة ذات توجهات فنية، وعلى نحو اعادات لأفلام قديمة انتجت عندما كانت التجارة تتم ضمن شروط ذوقية مختلفة، وعلى نحو مهرجانات ومناسبات سينمائية خاصة. "ذهب مع الريح" الذي يُعاد عرضه هذه الايام هو احد تلك الافلام التي انتجت وفق توجه جماهيري عام لا يخلو من تلك اللمسات الفنية الشاملة التي تنجلي عن صياغة القصة وبناء الاحداث وتطوير الشخصيات تبعاً لها. "ذهب مع الريح" بنسخة مرممة الصوت والصورة والالوان، هو اكثر فيلم في تاريخ السينما الاميركية بيعاً للتذاكر التي لو كان سعرها في العام 1939 يساوي سعرها اليوم لفاق مجموع ما حققه الفيلم من ايرادات بليوني دولار في الولاياتالمتحدة فقط مقابل اقل من بليوني دولار بقليل جمعها فيلم "تايتانك" للآن من عروضه المحلية والعالمية. لكن "ذهب مع الريح" الذي تعاقب على اخراجه كل من سام وود وجورج كيوكر ثم فيكتور فلمنغ، أكثر من فيلم ناجح في اطار دراما تاريخية كبيرة الانتاج. ومشاهدته اكثر من مرة خلال السنوات العشرين الماضية المرة الاولى في العام 1978 حملت لهذا الناقد اكثر من معنى ووجهة نظر. في المرة الاولى بدا الفيلم حكاية ملحمية للحرب الاهلية الاميركية، ومن ضمنها قصة حب بين ابنة الجنوب سكارلت فيفيان لي وبين آشلي لزلي هوارد المجد وغير المقنع. في المرة الثانية بدا الامر بأسره ميلودراما من الحب والحرب تحفظها من السقوط معايير انتاجية اقدم عليها ديفيد سلزنيك وفي باله تحقيق اكبر واضخم انتاج اميركي لحينه على الاقل. التقدير الحقيقي للفيلم ورد في المرة الثالثة عندما سرقت شخصية سكارلت الاهتمام بأسره، فاذا الفيلم اساساً عنها بينما الحرب الاهلية في الخلفية. سكارلت هي فتاة الجنوب الممزقة بين محيطها النبيل الذي تريد التمسك به وبين المتغيرات الاجتماعية التي يحارب الجنوب الاميركي ضدها درءاً للانصياع للمتطلبات المرتبطة بها، وفي مقدمها المساواة المدنية بين السود والبيض ومنح العبيد حريتهم وحقهم في العدالة الاجتماعية. الفيلم مقصر في منح شخصياته السوداء اية مساحة من التعبير في الحرب التي يخوضها الشمال والجنوب على طرفي النقيض. في نهاية المطاف فإن حكاية سكارلت وشخصيتها هما المحور الاساسي للفيلم بأسره، مرغريت ميتشيل كتبت رواية انثوية/ نسائية عن بطلة جسدتها فيفيان لي بكل جدارة. واختيار هذه الممثلة البريطانية وحده كان حدثاً، فسلزنيك فضلها بعد بحث طويل شمل عدداً كبيراً من نجمات هوليوود المعروفات حينها بينهن كلوديت كولبرت وكارول لومبارد وبت دايفيز وجين هارلو وجين آرثر وجوان كروفورد وميريام هوبكنز من بين أخريات. ثلاثة عشر ترشيحاً للاوسكار فاز منها الفيلم بثماني جوائز أهمها اوسكار افضل فيلم، واوسكار افضل ممثلة لي واوسكار أفضل مخرج فليمنغ واوسكار افضل سيناريو سيدني هوارد واوسكار افضل تصوير ارنست هولر وراي ريناهان. آخر مرة عُرض الفيلم جماهيريا كانت العام 1989. لكن هذه المرة مختلفة لأن النسخة المعروضة هي كما صوّرت اساساً هناك نسخ عُدّلت لتناسب الشاشة العريضة ولانها دخلت عصر الكومبيوتر اذ رممت بمساعدته فإذا بالألوان اكثر حدة وما خبا منها عاد مبرقاً: الازرق ازرق والأحمر أحمر وهكذا… "ذهب مع الريح" لم يشبهه بالأمس أي فيلم ولا يزال فريداً من حيث قصته وموضوعه كما من حيث الاستعدادات الانتاجية له: 3 ساعات و43 دقيقة من العرض، اكبر مجمع تصوير بني لفيلم اذ احتوى على 53 بناية كاملة وكيلومتر من الشوارع، اكثر من 50 دوراً ناطقاً والوف الممثلين من الكومبارس، احد عشر كاتباً اشتغل على العمل. بعض هذه الملامح نجدها اليوم في "تايتانك" مع النهاية الاقل من سعيدة والانتاج المكلف والطول الزمني للعرض وحقيقة ان الفيلمين يتعاملان مع قصة حب على خلفية كارثة حقيقية. المعاني المحدودة اخيراً، فان بعض ما هو معروض في الاسواق من أعمال يصطلح على تسميتها بالفنية مرت على شاشة مهرجان "كان". ولا يوجد نموذج للاختلاف في الرأي بين النقّاد الذين يؤمون "كان" والنقاد المحليين الذين يستقبلون الفيلم العائد من هناك افضل من ذلك الذي يوفره فيلم "هنري فول" لهال هارتلي. في "كان" أجمع العديد من النقاد العرب والعالميين على انه واحد من الافلام التي لمعت فنياً ومنهجاً وحكاية. والحقيقة ليست بعيدة مطلقاً من ذلك، فهو في حكايته التي تدور في رحى قيام رجل جوال في الزمان والمكان بتطوير شخصية رجل آخر حبيس مكانه وزمانه، والنقلة التي يمر بها كلاهما في حياتيهما، اشتمل على وصف لما يقع في عالم النشر والوسائل البديلة له الكومبيوتر والانترنت وقدرة هال هارتلي على اثارة الاهتمام بشخصياته لا تزال على عهدها من القوة كما كانت في افلامه السابقة. من ناحية اخرى، يمكن للمرء ان يتجاهل كل ذلك في غياب اهتمام هارلي بتقديم المحتوى الادبي الذي يدور حول الفيلم الذي يقلب حال شخصياته جميعاً، أنه أمر مزعج ان يبني فيلم ما موضوعه على موهبة شخصيته الرئيسية الادبية من دون ان يقدم منها ما يُسمع او يُقرأ على الشاشة. فتبقى غامضة من دون لزوم او عناية. وبما انها ليست رمزية فإن تغييبها ليس علامة ذكاء. آراء النقّاد هنا، ذات الغالبية المعارضة للفيلم، دارت في معظمها حول غموض الفيلم غير المبرر، كذلك حول عدم الانتماء الى اي مما يدور. لكن بالاضافة الى ذلك، هناك حقيقة ان الفيلم، إذ يبدو منعشاً وذا اسلوب مغاير، الا انه في الوقت ذاته مقيد بنظام تعبيري يقصد ان يحدّ من حركة شخصياته وبالتالي من تآلف المشاهدين مع محيطها ناهيك معها اساساً.