قبل ثلاث سنوات صححنا هنا خطأ كان شائعاً مفاده ان "جيروسيك بارك" للمخرج ستيفن سبيلبرغ هو صاحب أعلى ايراد بين أفلام العالم. كان الفيلم حينها جديداً وناجحاً اذ جمع في سرعة مذهلة 357 مليون دولار من أميركا و557 مليون دولار من العالم ما جعل مجموع ما حصده دولياً 914 مليون دولار، وهو رقم مرتفع جداً بلا ريب. لكن الخطأ كان الوقوف عند هذا الايراد بحد ذاته وتجاهل نقطة مهمة: قبل 60 سنة اجتذب فيلم "ذهب مع الريح" أكثر من 100 مليون مشاهد أميركي. هذا في وقت كان سعر التذكرة لا يزيد عن 25 سنت. وهو لم يرتفع عن الدولار الا مع بداية العام 1960 ليصل حين أطلق سبيلبرغ فيلمه ذاك الى 8 دولارات. معنى ذلك انه لو كان سعر التذكرة لفيلم كلارك غيبل وفيفيان لي، الذي نال ثماني جوائز أوسكار من أصل 12 ترشيحاً، موازياً لسعر التذكرة المباعة لفيلم "جيروسيك بارك"، أو لأي فيلم خلال السنوات العشرين الأخيرة، لكان حقق أكثر من 800 مليون دولار من السوق الأميركية وحدها. اليوم تأتي الأرقام المعدّلة لتؤكد هذا الكلام. فقد وضعت مجلة "فاراياتي" في عددها الأخير الصادر في الأسبوع الماضي جدولاً يتبين منه تصدر الفيلم الذي تكلف أقل من أربعة ملايين دولار، قائمة أعلى الايرادات اليوم اذا ما تم تعديل سعر التذكرة حسب ارتفاع أسعارها الحالية. وحسب هذه القائمة فإن "ذهب مع الريح" لا يزال على قمة العروض الأميركية مسجلاً على حساب السعر المعدّل 1.299 بليون دولار أي أكثر مما حققه "جيروسيك بارك" الرقم 25 حسب هذه اللائحة بنحو 900 مليون دولار. وحسب هذه القائمة فإن المركز الثاني يذهب حثيثاً لفيلم وولت ديزني "سنو وايت والأقزام السبعة" 1937 بإيراد قدره 1.034 بليون دولار، وفيلم "حرب النجوم" في المركز الثالث بپ812 مليون دولار أيضاً مع تعديل نسبة بيع التذكرة ما بين العام 1977 واليوم. وبمعزل عن تعديل الايرادات لتناسب ارتفاع ثمن التذاكر في العشرين سنة الأخيرة، فإن "حرب النجوم" هو الذي يحتل المركز الأول أميركياً 461 مليون دولار بينما يقع "تايتانيك" في المركز الثاني بما مجموعه 407 ملايين، علماً بأن هذا الفيلم لا يزال يحصد الايرادات بقوة بعد 11 أسبوعاً من بداية عروضه والمسألة مسألة وقت قصير قبل ان يصل هو الى المركز الأول. وعلى ذكر "تايتانيك" فإنه من الضروري اليوم ملاحظة ان ايراداته العالمية وصلت الى 933 مليوناً أي انه تجاوز "جيروسيك بارك" بنحو 29 مليون دولار، وهو لا يزال منطلقاً بقوة على رغم تراجعه في فرنسا الى المركز الثاني جامعاً فيها أكثر من 66 مليوناً في سبعة أسابيع. الفيلم الذي احتل مكانه منذ اسبوعين هو "أروقة الزمن - الزائران 2". وهو الجزء الثاني من الفيلم الفرنسي الناجح "الزائران" الذي عرض بنجاح كبير نسبياً قبل خمس سنوات. لكن باخرة فيلم "تايتانيك" تمضي بقوة غير معهودة في كل مكان من استراليا الى بريطانيا ومن البرازيل حتى منطقة الخليج مروراً بايطاليا وهونغ كونغ واليابان وبولندا. وهو جمع في الأسبوع الماضي 59 مليون دولار من الأسواق العالمية، وحتى في فرنسا يتوقع له ان يعود الى المركز الأول بعد ان يخف الاقبال الفوري على الفيلم الفرنسي. في رحلة الفيلم، هناك معايير كثيرة تغيرت أو لنقل أن باخرة "تايتانيك" أبحرت في مياه لم يسبقها اليها أحد. ومرد هذا النجاح يكمن في مزج عناصر مجتمعة. من ناحية، هناك توق الناس الى الملحمة الرومانسية التي يؤمنها الفيلم وهو يسرد مصير الباخرة المأسوي. ومن ناحية اخرى، هناك جودة العناصر الانتاجية مجتمعة كما معظم العناصر الفنية مع جاذبية القصة وأبطالها. ومن جهة ثالثة، هناك الفضول العفوي للمشاهدين الذي يقاوم التحليل القائم على ادعاء المعرفة، وهو الفضول الذي يشترك فيه المشاهدون من أية منطقة جاؤوا. والى جانب ذلك كله، هناك تشابه جدير بالانتباه بين "ذهب مع الريح" و"تايتانيك": كلاهما فيلم رومانسي، كلاهما يدور في رحى كارثة الحرب الأهلية في الأول وغرق الباخرة في الثاني، وكلاهما يقع في الماضي يلاحظ الناقد ليونارد كلادي ان حكاية كل منهما تعود الى نحو 80 عاماً قبل سنة انتاج كل منهما، وكلاهما ليس فيلما تحضره في ساعتين، اذ ان مدة عرض "ذهب مع الريح" الذي أخرجه فيكتور فليمنغ بعد ان عمل سام وود وجورج كيوكر عليه ايضاً تبلغ 220 دقيقة، بينما تصل مدة عرض "تايتانيك" لجيمس كاميرون الى 194 دقيقة. لكن ليس كل فيلم تجاوز الثلاث ساعات يعتبر عملاً ناجحاً تجارياً حتى ولو كان جيداً. خذ مثلاً فيلم كيفن كوستنر "ساعي البريد" الذي تبدأ وورنر بتوزيعه عالمياً بحذر بعد اخفاق شديد صاحب عروضه الأميركية. "ساعي البريد" **** من خمسة ملحمة من نوع آخر. انه فيلم عن الحياة في العام 2013 بعد انفجار نووي يحول الحضارة التي نعرفها الى خراب. لا تتوقع مؤثرات خاصة ونماذج آلية متقدمة أو أي خدع تذكرك بسطوة التقنية على السينما وتفريغها من الفن. ساعي البريد رجل بلا اسم يؤديه كوستنر يجول في الغرب الأميركي القاحل متنقلاً من بيئة صحراوية الى اخرى، وفي كل مكان يتوقف فيه وبغله يحاول توفير قوته بتقديم مشاهد مسرحية من أعمال شكسبير. هذا الى ان يلقي الجنرال غير الرسمي اذ لا حكومة أميركية آنذاك القبض عليه ليضمه الى مجموعة السجناء العاملين تحت أمرته. لكن ساعي البريد ينجح في الهرب ويلجأ ليلاً الى شاحنة صدئة اتقاء للبرد. هناك، وهو جالس الى جانب هيكل عظمي، يكتشف ان الشاحنة الصغيرة هي سيارة بريد وان الميت ساعي بريد وحقيبته المليئة بالرسائل لا تزال بالقرب منه. يتقمص شخصيته في الصباح مرتدياً ملابسه، ويتقدم صوب مدينة محصنة بسور فيقتنع أهلها بروايته ويعتقدون فعلاً بأنه ساعي البريد الذي عينته الحكومة الفيديرالية الجديدة. انه يحيي الأمل البائد بعودة الحياة الى مفهوم "الوطن" والحكومة. واذ يؤدي هذا الى التفاف الناس من حوله، يدفع بالجنرال لمحاولة اكتشاف الحقيقة غير مدرك ان هذا المدعي ليس سوى سجينه الهارب. لكن الرسالة التي يحاول "ساعي البريد" ايصالها ليست ضائعة وسط تصوير ستيفن ويندون أو التصاميم والمناظر التي وضعتها ايدا راندوم. وتجدها في محاولة بث روح المواطنية في أوصال المشاهدين. طبعاً هي روح مواطنية أميركية، ما يعني ان الأميركي يقدرها أكثر بكثير مما قد يقدرها غير الأميركي من المشاهدين. مشكلة الفيلم في الواقع ليست هنا، بل في ان هذه الرسالة السياسية التي يسعى الى تجسيدها باثاً في المشاهد الأميركي حب الوطن والسعي الى حماية القيم الأميركية الأساسية تبدو للبعض خطابية وغير "آنية" للتعامل مع مشاكل اليوم. هذا الجانب يكمن في رد الفعل الجمهور وليس في الفعل نفسه الفيلم. اما ما هو مسؤولية حتمية للفيلم فيقع في عدم معرفة كوستنر لوسيلة تضمن توازن الادلاء برسالته واغناء المشاهد بايحاءاتها التاريخية والمجازية طوال الوقت. أمير مصر أو ملك صهيون؟ أحد الأفلام المرتقبة ملحمي من نوع آخر. فيلم من انتاج ستيفن سبيلبرغ عبر استوديو "دريمووركس" الذي أسسه قبل عامين مع ديفيد غيفن وجيفري كاتزبيرغ بعنوان "أمير مصر" من المتوقع ان يباشر بعرضه في نهاية هذه السنة. وكاتزبيرغ هو رئيس الانتاجات سابقاً في استوديو "وولت ديزني" الذي يحكمه مايكل آيزنر، وكان ترك على خلاف وله في المحاكم دعوى مرفوعة قيمتها 90 مليون دولار، وأسس مع سبيلبرغ وغيفن ستوديو "دريمووركس" الذي كان أول ستوديو يتم انشاؤه منذ أيام انشاء الاستوديهات في هوليوود: مترو غولدوين ماير، يونايتد ارتستس، كولومبيا، وورنر، يونيفرسال، باراماونت، فوكس وديزني. ومفهوم الاستوديو يختلف كثيراً عما يعتقده كثيرون هنا. انه ليس فقط الأرض التي يتم عليها تصوير الأفلام ذا لم يُرد لها الخروج الى الشارع والأماكن الحقيقية، بل أيضاً المصنع الكبير الذي تجتمع تحت مظلته شركات الانتاج والتوزيع والذي يتولى عملية "تصنيع" الفيلم كاملاً من التبني الى شاشات العروض مروراً بالصرف عليه وعلى عمليته الترويجية والدعائية. "أمير مصر" رسوم متحركة وهذه لم تعد تأتي رخيصة التكلفة كما الحال حتى 30 سنة مضت، اذ تكلف 60 مليون دولار، أي تماماً كمتوسط تكلفة صنع فيلم حي من نوع الحركة والمغامرات. لكن المضمون قد لا يكون سمناً وعسلاً بالنسبة الى التاريخ كما تعلمه المصريون والعرب عن حضارة الفراعنة وحفظوه. انه فيلم ديني عن موسى. والدين وسينما الكرتون لم يجتمعا سابقاً على نحو ملحمي، وعلى الأغلب لم يجتمعا مطلقاً. لكن نظرة سبيلبرغ هنا متخمة دينياً، والأنباء الأولى تفيد بأن التاريخ المعروض هو ذاك المستوحى من التلمود. بل ان البعض هنا لا يخفي اعتقاده بأن سبيلبرغ يقدم موسى كداعية أول للصهيونية أو "كملك صهيون" كما ذكرت قبل أسابيع الناقدة سوزان فلوزنزنا في صحيفة "يو. اس. أي. توداي". لكن الآلة الدعائية المبكرة للفيلم تقول ان "دريمووركس" جلبت 360 زعيماً دينياً من أنحاء العالم للاطلاع على السيناريو ومنحه البركة. الرقم أساساً يدعو للشك، ذلك لأن الفتوى فيه ليست بحاجة الى أكثر من نحو اثني عشر عالماً دينياً يمثلون الديانات الثلاث بطوائفها وربما بعض الديانات الأخرى غير السماوية. هناك حالياً ستة عشر فيلماً كرتونياً آخر في مراحل مختلفة من الانتاج. "وولت ديزني" لديها خمسة من بينها "حياة بقة" الذي بوشر بانتاجه قبل عام كامل وينتهي بعد عام ونصف العام و"مملكة الشمس" و"طرزان" الذي لم ينته بعد وكان دخل مرحلة الانتاج في 15/1/1996. مؤسسة "دريمووركس" ذاتها لديها ثلاثة في التصوير. و"وورنر" عملان أولهما للعرض "طلب كاميلوت" الذي يقوم بيرس بروسنان وغبريال بيرن وسير جون غيلغود بتقديم الخدمات الصوتية له. وهناك فيلم واحد لشركة "فوكس" هو "الكوكب الثلجي" وهي كانت أطلقت بنجاح ملحوظ في العام الماضي "آناستاسيا" الذي كان باكورة ستوديو كرتوني أسسته حديثاً بتكلفة يقال انها بلغت 100 مليون دولار. اما الأفلام الأخرى فمستقلة من بينها فيلم كرتوني بعنوان "سندباد ما وراء حجاب الضباب" الذي لن يكون جاهزاً قبل العام 2000، وفيلم "الملك وأنا" المقتبس عن فيلم بالعنوان نفسه أخرجه بلا أثر يذكر وولتر لانغ في العام 1956، وهو بدوره كان إعادة صنع فيلم "أنا وملك سيام" الأفضل فنياً والذي اخرجه جون كرومويل سنة 1946.