لا يمل قادة الأحزاب وقوى المعارضة في مصر من اتهام الحكومة بالجمود، ولا يتوقفون عن ترديد الانتقادات لبقاء عدد من الوزراء في مناصبهم فترات تكاد تصل الى عقدين. وفي حين يستعد الحزب الوطني الحاكم لعقد مؤتمره العام السنوي في 20 الشهر الجاري، بدأت صحف المعارضة باعادة العزف على النغمة نفسها ومطالبة الحكومة والحزب الحاكم بتفعيل النشاط السياسي وتوسيع "الهامش الديموقراطي"، واعطاء الجيل الجديد الفرصة للمشاركة في العمل السياسي والتنفيذي. وفي هذا السياق فإن عبارة مثل "تجديد الدماء"، و"المستقبل للشباب" تصبح من المفردات التي لا تخلو منها مقالات وتحليلات تنشر في الصحف الحزبية. ولأن المثل الشعبي المصري يقول "من كان بيته من زجاج عليه ألا يقذف الآخرين بالطوب"، فإن الحكومة وصحيفة "مايو"، التي يصدرها الحزب الوطني الحاكم، لا تتوقفان عن الرد بقسوة على "إدعاءات ومزاعم" المعارضة. وترد عبارات مثل "إعاقة مسيرة التنمية" و"ترديد الاسطوانات المشروخة" و"العجز عن طرح أفكار تفيد المجتمع" في سياق الرد على المعارضين. وبين انتقادات المعارضة ورد الحكومة يبقى الشباب ممتنعاً عن الخوض في معارك سياسية، ووفقاً لدراسات اكاديمية فإن أكثر من 80 في المئة من المصريين لا يشاركون في العمل السياسي في شكل مباشر، كما أن أكثر من نصف الشباب لا يعرفون شيئاً عن الأحزاب أو النظام السياسي في البلاد. واللافت أن غالبية أحزاب المعارضة السياسية وقواها صارت تعاني مشكلات داخلية تتعلق باعتراض قطاع واسع من اعضائها على بقاء "الزعماء" القدامى على رأس هذه الاحزاب، وإذا كان التيار الإسلامي، وفي مقدمه جماعة "الإخوان المسلمين"، يعاني الصدام مع السلطة، فإن أصحاب هذا التيار لا يعتبرون ان ذلك الأمر يمثل تهديداً له، بل على العكس يرى بعضهم أن الصراع مع السلطة "يقوي التيار ويضعه في بؤرة الضوء ويدفع بوسائل الإعلام الى ملاحقة أخبار الاعتقالات وأنباء المحاكمات". "الإخوان" يعانون أزمة أخرى تتعلق بالصراع بين جيلين يضم الأول شيوخ الجماعة وزعماءها الأوائل، وعلى رأسهم المرشد السيد مصطفى مشهور ونائبه المستشار مأمون الهضيبي اللذان تجاوز عمرهما 75 سنة، في حين يضم الثاني شباب الجماعة وكوادرها ممن شاركوا في العمل السياسي العلني، من خلال الاتحادات الطالبية والنقابات المهنية. ولا يمكن تجاهل أزمة حزب "الوسط" في هذا السياق. ولا يختلف الوضع كثيراً بالنسبة الى حزب "العمل" المتحالف مع "الإخوان"، فرئيسه المهندس ابراهيم شكري ولد في 29 أيلول سبتمبر 1916، وكان نائباً قبل ثورة تموز يوليو 1952، وهو الرئيس الوحيد للحزب منذ تأسيسه نهاية السبعينات. وعلى رغم حدوث تحول في اتجاهات الحزب الذي تأسس كحزب اشتراكي قومي ثم صار حزباً إسلامياً فإن شكري ظل في موقعه بل قاد التحول بنفسه! ولا يختلف الأمر كثيراً بالنسبة الى حزب "التجمع" اليساري الذي يرأسه السيد خالد محيي الدين، وهو من مواليد 17 آب اغسطس 1922 وإذا كان سقوط الشيوعية وانحسار الفكر الماركسي شكل صدمة للحزب فإن "القيادة" لم تتغير والأهداف لم تتبدل. وظل محيي الدين، الذي كان واحداً من أبرز الضباط الأحرار ممن شاركوا في ثورة تموز، في موقعه منذ تأسيس الحزب على رغم "بيريسترويكا" و"غلاسنوست". والحال في "الوفد" الليبرالي اكثر استفحالا، فزعيم الحزب السيد فؤاد سراج الدين الذي شغل منصب وزير الداخلية قبل الثورة لم يختر خليفة له بعد، على رغم انه وفقاً لموسوعة الشخصيات المصرية الرسمية، من مواليد 2 تشرين الثاني نوفمبر 1910. حتى بعض من كانوا مرشحين لخلافته توفوا، والباقون بدأ الأمل لديهم يقل شيئاً فشيئاً. وإذا كان الحزب "الناصري" الذي يرأسه السيد ضياء الدين داود، أحد رموز ثورة تموز، شهد قبل سنوات قليلة معارك وصراعات واسعة بين قادته وجيل الشباب من محبي جمال عبدالناصر، فإن السيطرة دانت لداود ورفاقه. وعلى رغم أنه من مواليد 27 آذار مارس 1926 فإن الانتخابات الداخلية دائماً تسفر عن بقائه على رأس الحزب. أما حزب "الأحرار" الذي يرأسه السيد مصطفى كامل مراد فنجا قبل نحو سنتين من معركة مماثلة انتصر فيها مراد وبقي على قمة الحزب. ولا يشعر المصريون بنشاط لپ"الأحرار" اللهم إلا تراخيص الصحف التي يؤجرها الحزب لكل من يرغب، مستغلاً القانون الذي يحظر على الاشخاص اصدار الصحف ويبيحه للاحزاب الشرعية فقط. ومراد من مواليد 28 تشرين الثاني 1927 وتحالف حزبه مع "الإخوان" لفترة، ودخل مع الناصريين في جبهة لفترة أخرى على رغم أن المواد التي تنشرها صحيفته الرسمية تدعو الى الليبرالية والحرية الفردية وتناصر سياسة التخصيص. ويبقى "الأمة" اكثر الاحزاب المصرية إثارة للجدل، فزعيم الحزب السيد احمد الصباحي جاوز الثمانين، ولا يشعر المصريون بنشاط للحزب أو رئيسه باستثناء المواقف المثيرة للضحك التي يسببها، مثل هواية قراءة الكف والفنجان التي يمارسها الصباحي، أو مطالبته الحكومة بدعم مالي حتى يتمكن الحزب من ممارسة نشاطه ويصبح قادراً على معارضتها!