ينطوي الانفجار الذي تعرض له حزب "الاحرار" المصري من الداخل اخيراً على دلالات تتجاوز بكثير واقعة الصراع على رئاسة حزب رحل رئيسه الذي قاده منذ تأسيسه. فهذا الصراع الذي نشب حاداً ومسلحاً لم يكن غير متوقع، لأنه مظهر من مظاهر ازمة خانقة تهدد بانهيار الاحزاب الرئيسية في مصر، وليس فقط الاحزاب الهامشية التي هي اقرب الى تجمعات شللية منها الى تنظيمات سياسية حقيقية. وكان حزب "الاحرار" عند تأسيسه في العام 1976 احد اهم الاحزاب السياسية في مصر، وظل كذلك لسنوات عدة، ورغم ان الخط البياني لمساره كان في اتجاه الهبوط، الا انه لم يتحول الى حزب هامشي. وظل له دور على الساحة السياسية التي دخلت في حال ركود شديد منذ مطلع التسعينات. وبقى طرفاً اساسياً في اعمال التنسيق مع أحزاب المعارضة الاساسية الاربعة الوفد والتجمع والعمل والناصري، والتي تشمل غالباً جماعة "الاخوان المسلمين" والشيوعيين، وهما تياران مازالت المشروعية محجوبة عنهما حتى الآن. ولكن انفجار حزب "الاحرار" يكتسب مغزى يتجاوز حجمه وموقعه، وهو ان وصول الصراع في داخل الاحزاب الى حد الانقسام واستخدام السلاح ليس مقصوراً على الاحزاب الهامشية التي تعرض معظمها اما لتجميد رسمي بقرار من لجنة شؤون الاحزاب الى حين الفصل في الصراع على الرئاسة، أو لجمود تام بسبب استحالة ممارسة نشاط في ظل احتدام هذا الصراع. وكان حزب "العدالة الاجتماعية" هو الاخير الذي قررت اللجنة تجميده في نيسان إبريل الماضي، ما اوقف نشاطه الوحيد وهو اصدار اسبوعية "الوطن" التي ذاع صيتها لنجاحها في استغلال احتياج السوق الى صحف جديدة تسد فراغاً تعجز الصحف القومية والحزبية عن ملئه. وفي ظل هذا الفراغ، اقبل القراء على صحف تقدم مزيجاً من النميمة والفضائح والجنس والابتزاز، وكان من بينها تلك الصحيفة التي وصل حجم توزيعها عشية تجميد الحزب الى 150 الف نسخة اسبوعياً، وهذا رقم كان يأتي في المرتبة التالية مباشرة للصحف القومية ويتجاوز الصحف الحزبية جميعها بمسافة بعيدة. ولكن خرقت هذه الصحيفة خطوطاً حمراء، من خلال امعانها في نشر النميمة والفضائح ما دفع جهات عدة للمساهمة في تفجير حزب العدالة من داخله واخذ هذا التفجير الشكل المعتاد في سيناريو الانفجارات الداخلية للاحزاب الهامشية، وهو الصراع على رئاسة الحزب ولجوء كل من المتصارعين الى عقد مؤتمر حزبي عام لا بد ان يكون مصنوعاً في غياب العضوية الحقيقية. ولكن الجديد الذي كان متوقعاً، او على الاقل لم يكن غير متوقع، هو انفجار حزب "الاحرار" من الداخل بالطريقة نفسها مع اختلاف في التفاصيل بطبيعة الحال. ويعني ذلك ان ظاهرة انفجار الاحزاب المصرية من داخلها ليست مقصورة على احزاب الهامش، فها هو الحزب، الذي كان اول الاحزاب التي تم الاعلان عن تأسيسها في ظل الانتقال من التنظيم الواحد الى التعددية المقيدة في منتصف السبعينات، ينفجر فور رحيل مؤسسه الذي تولى رئاسته لأكثر من عشرين عاماً دون منافسة. والمهم هو أن هذا الانفجار لم يحدث بسبب اختلال اساسي في الاجراءات التي تم اتخاذها لاختيار رئيس جديد. فقد تم تطبيق لائحة الحزب والإعداد لانتخاب هذا الرئيس الى جانب شاغلي باقي المناصب الاساسية. ولكن إذ بعضو انضم الى هذا الحزب حديثاً يلجأ الى القضاء لوقف اجراءات الانتخاب، ثم يستخدم القوة لتنفيذ حكم قضائي حصل عليه بالفعل، مما ادى الى نشوب اشتباك يوم 23 أيلول سبتمبر الماضي استخدمت فيه اسلحة بيضاء وعصي فضلاً عن ماء النار، مما اسفر عن اصابة ستة اشخاص، وتدخل النائب العام لإخلاء مقر الحزب الذي شهد الاشتباك وغلقه. وليس هناك ما يمنع حدوث مثل هذا السيناريو، مع اختلاف هنا او هناك في بعض تفاصيله او الكثير منها، في حال رحيل رؤساء باقي الاحزاب الرئيسية الذين تجاوزوا جميعهم السبعين، وتخطى بعضهم الثمانين. فالمشكلة ليست محصورة في المصالح الشخصية الصغيرة التي اثارت الصراعات على رئاسة الاحزاب الهامشية منذ تأسيس كل منها، وادت الى دخولها دائرة النسيان منذ اللحظة الاولى. صحيح ان طابع هذه الاحزاب، الذي يختلف عن الاحزاب الرئيسية، ساهم في ذلك من حيث انها تجمعات او شلل صغيرة يضم كل منها عدداً من المعارف لا يلبث ان يدب الخلاف بينهم على المناصب الحزبية، ثم يتصاعد الى صراع تتفاوت حدته حسب حجم المكاسب الممكنة من وراء هذه المصالح. فلا تعبر هذه الاحزاب الهامشية عن تيارات او اتجاهات سياسية وفكرية، بخلاف الاحزاب الرئيسية التي تمثل جزءاً يعتد به من تضاريس الخريطة السياسية مطروحاً منها التيارات الاسلامية والشيوعية المحجوبة عنها المشروعية، كما ان مؤسسي الاحزاب الهامشية هم وافدون جدد على الساحة السياسية من دون مقومات ذاتية او موضوعية تكفل لهم مكان عليها، ما جعلهم في داخلها رسمياً رغم انهم خارجها فعلياً. ولا يستثنى من ذلك غير المرحوم عليّ الدين صالح، مؤسس حزب "مصر الفتاة الجديد" ورئيسه الاول، والذي يرجع دوره السياسي الى حركة "مصر الفتاة" في الاربعينات، فضلاً عن انه انضم الى حزب "العمل" عقب تأسيسه في العام 1978، ثم انشق عليه وأسس حزباً كان هو الاستثناء الوحيد بين الاحزاب الهامشية من حيث تعبيره عن توجه سياسي واضح. ولكن لم يلبث ان دبّ الصراع بين الحلقة الضيقة المؤسسة له، واخذ يتفاقم الى ان صار هو الحزب الوحيد الذي يتنازع الآن اكثر من عشرة اشخاص على رئاسته. وفي غياب قاعدة عضوية للحزب، صارت قيادته هي قاعدته، والعكس، كما هي حال الاحزاب الهامشية. ورغم ان الاحزاب الرئيسية في المعارضة فقدت معظم قواعدها تباعاً، مازال لدى كل منها آلاف قليلة من الاعضاء. وقد تكثر هذه الآلاف قليلاً او تقل، ولكنها تظل محدودة للغاية مقارنة بما كانت عليه عضويتها في مستهل التعددية المقيدة، ورغم عدم توافر اي معلومات موثوقة عن حركة العضوية في احزاب المعارضة الرئيسية يبدو حزب "العمل" هو الوحيد من بينها الذي يستقبل اعضاء جدداً في الفترة االاخيرة وبخاصة من بين الخارجين عن صفوف بعض جماعات العنف، ولا سيما "الجماعة الاسلامية" بعد تخليهم عن العمل المسلح. وربما انضم عدد ما من الاعضاء الجدد الى احزاب اخرى في المعارضة. ولكن حتى في هذه الحال، يظل ذلك العدد قليلاً للغاية ولا يكاد يذكر، وبخاصة حين مقارنته بالخارجين منها احباطاً من العمل العام ويأساً من عودة الحيوية الى هذه الاحزاب. اما الحزب الوطني الحاكم فهو مستغني اصلاً بالجهاز الاداري للدولة عن اي عضوية فاعلة، بل وحتى عن بناء تنظيم حزبي متماسك. ورغم كل الفروق بين الاحزاب الرئيسية والهامشية، يظل انفجارها من الداخل على نحو ما حدث في حزب "الاحرار" بغض النظر عن تفاصيله احتمالاً وارداً بالنسبة الى الاحزاب الرئيسية. فالمشكلة، كما سبقت الاشارة، ليست فقط في المصالح الصغيرة التي تفجر الصراعات في داخل الاحزاب الهامشية. فاحتدام الصراع بين هذه المصالح هو نتاج للازمة الناجمة عن ادراك ان تأسيس حزب جديد لم يعد فقط صعباً، وانما صار مستحيلاً، وهذا هو ما يدفع الى تصاعد الصراع وانفلاته من اي قواعد ينبغي الالتزام بها في ادارة اي خلاف. وهذا الدافع للصراع من اجل مصلحة شخصية صغيرة في حزب هامشي هو نفسه الذي يمكن ان يؤدي الى انفجار احزاب رئيسية اذا لم يصل المتنازعون في داخلها الى تفاهم على خلافة رئيس الحزب عقب رحيله. وفي كل حزب من هذه الاحزاب متنازعون لأسباب سياسية او شخصية، وليس هناك ما يمنع انفجار الصراع بينهم حاداً الى غير حد، لأن جميعهم يعلمون انه لا امل في تأسيس حزب جديد لمن يخسر الصراع. وهذا هو جوهر الازمة التي تهدد بانفجار الاحزاب الرئيسية مثلما حدث للهامشية. الازمة تكمن في عدم إمكان تأسيس حزب جديد، مما يؤدي الى زيادة الطلب على الاحزاب القائمة. وحين يزيد الطلب على العرض زيادة شديدة، لا بد ان تحدث ازمة في الاقتصاد او السياسة. ولو كان تأسيس احزاب جديدة ممكناً، ما وصل النزاع على حزب "الاحرار" الى ما وصل اليه. فالناس يتقابلون، منذ الأزل، على الموارد الشحيحة او النادرة. ولولا "الشح الحزبي"، لأخذت الخلافات على رئاسة حزب "الاحرار" منحى آخر. وتزامن هذا الانفجار مع اعلان لجنة شؤون الاحزاب رفض طلب جديد قدمه مؤسس حزب "الوسط" المهندس ابو العلا ماضي لتأسيس حزب "الوسط المصري". وجاء رفض الطلب الجديد في ايلول سبتمبر الماضي بعد اربعة شهور على تأييد محكمة الاحزاب في ايار مايو الماضي رفض اللجنة الطلب الاول لتأسيس حزب "الوسط"، وكأنما كان كل من اللجنة والمحكمة على الخط نفسه في رفض طلبات تأسيس احزاب جديدة في السنوات الاخيرة. فقد رفضت اللجنة المزيد من الطلبات لتأسيس احزاب جديدة مثل حزب "النهضة" وحزب "السلام والتنمية"، فضلاً عن "الوسط المصري". كما ايدت المحكمة رفض اللجنة لأحزاب اخرى مثل "حزب السادات" و"حزب الحياة" و"حزب المصريين المغتربين" وادى ذلك الى تأكيد الاعتقاد في ان تأسيس حزب جديد صار مستحيلاً، وليس فقط صعباً، وبعد ما كان رفض حزب "الوسط" ينظر اليه من منظور الخشية من تداعيات منح المشروعية لفريق ينتمي الى الإسلام السياسي أصبح التفسير الأكثر شيوعاً لهذا الرفض يربطه بالجمود الشديد الذي صارت عليه الساحة السياسية لأسباب في مقدمتها منع قيام احزاب جديدة يمكن لبعضها ان يحرك هذه الساحة اذا ظهر الى النور. فهذا هو المنبع الاول للازمة، التي لا مخرجاً منها والحال هكذا غير تخفيف القيود المفروضة على العمل الحزبي، وخصوصاً تلك المتعلقة بتأسيس الاحزاب. واذا كان تخفيف القيود على العمل الحزبي يقتضي اصلاحاً سياسياً لا يتوافر اي مؤشر على امكان تحقيقه في المدى القصير، يصير ضرورياً اتخاذ إجراء عاجل لإنقاذ ما يمكن انقاذه من النظام الحزبي المصري. وهذا القانون القانون 40 لسنة 1977 بنظام الاحزاب السياسية من اكثر القوانين التي ادخلت عليها تعديلات، ولكن كانت التعديلات الستة التي اجريت بين العامين 1979 و1994 كلها في اتجاه تضييق الانفتاح السياسي وليس توسيعه. والاصل هو ان يكون للأفراد الحق في تأسيس وادارة مختلف اشكال التنظيم والتجمع السياسي السلمي. وقد اقر الدستور المصري، في تعديل مادته الخامسة في العام 1980، وجود الاحزاب. ولكن القانون الذي ينظمها لا يرتفع على مستوى هذه المادة، والتي تقيم النظام السياسي على اساس تعدد الاحزاب. وتعتبر هذه المادة الدستورية معطلة تقريباًَ، لأن النظام السياسي مازال لا يقوم على اساس هذا التعدد من الناحية الفعلية. فهو نظام تم تصميمه اعتباراً من دستور 1956 على اساس عدم جود ازاب، اي اقيم على بنية واحدية هي السمة العامة لهيكله. وحين تم تعديل الدستور لينص على تعدد الاحزاب، لم يواكب ذلك اي اصلاح في بنية النظام السياسي. بل ان التعديل الدستوري تم بعد نحو اربع سنوات من إقرار وجود احزاب متعددة. فكان وجود الاحزاب خلال تلك السنوات 1976 - 1980 غير دستوري، ومع ذلك لم يكن هناك اي فرق حتى الآن بين وجود الاحزاب في وضع غير دستوري او في وضع دستوري، لأن هيكل النظام السياسي لا يتيح استيعابها في اطاره. فكان لزاماً ان تظل اقرب الى ديكور لا احتياجاً حقيقياً له، وليس مهماً ان يكون الديكور قوياً او ضعيفاً. ولكن ضعفه خلق مشكلات مجتمعية سيظهر مدى حدتها في سنوات قادمة، لأنه حال دون ان تساهم الاحزاب في استيعاب تأثيرات التغير الاجتماعي العميق الذي شهدته مصر خلال السنوات العشرين الاخيرة. ولذلك فإن ضرورة تعديل سريع في قانون الاحزاب لا تصدر من منظور حقوقي يؤكد ان حرية تأسيس الاحزاب هي حق طبيعي للبشر باعتباره جزءاً من الفطرة التي فطر الله الناس عليها، رغم اهمية هذا المنظور. فالتعديل المطلوب ضروري للخروج من ازمة شديدة تهدد النظام الحزبي، ولذلك يمكن ان يقتصر على المادة الثامنة المتعلقة بتشكيل لجنة شؤون الاحزاب السياسية، واختصاصاتها، والطعن على قراراتها. وهناك اتفاق واسع داخل الجماعة السياسية وفي الاوساط القانونية على ان التشكيل الحالي للجنة يجعلها اقرب ما تكون الى هيئة حكومية. فهي تتكون من ثلاثة وزراء العدل والداخلية والدولة لشؤون مجلس الشعب وثلاثة من رؤساء الهيئات القضائية السابقين أو نوابهم أو وكلائهم يصدر باختيارهم قرار من رئيس الجمهورية. ويرأسها رئيس مجلس الشورى الذي يتحتم ان يكون من الحزب الحاكم على الاقل الى حين تحقيق اصلاح سياسي غير منظور الآن. ونقترح أن يعاد تشكيل هذه اللجنة بحيث تكون برئاسة رئيس محكمة النقض، على ان يصير اعضاؤها من فئتين: الاولى رجال قانون ترشحهم الاحزاب السياسية القائمة، بعد تقسيمها الى مجموعات في كل منها ثلاثة احزاب يرشح كل منها احد رجال القانون ليكون عضوا في اللجنة التي يتم تغيير عضويتها كل عامين. اماالفئة الثانية فتضم ثلاثة من رؤساء الهيئات القضائية السابقين او نوابهم، ويتم انتخابهم كل عامين بواسطة الجمعية العمومية لنادي القضاة. ورغم ان إعادة تشكيل اللجنة على هذا النحو يكفل غالباً توافر قدر مقبول من الحيدة في عملها، يظل ضرورياً كذلك اعادة النظر في طريقة الطعن على قراراتها. فالطريقة الحالية تقوم على تشكيل محكمة خاصة بالأحزاب تضم الدائرة الاولى للمحكمة الادارية العليا الى جانب عدد مماثل من الشخصيات العامة يصدر باختيارهم قرار من وزير العدل بعد موافقة المجلس الاعلى للهيئات القضائية على الكشوف الخاصة بالشخصيات العامة المنظمة وفقاً لحكم المادة 28 من القانون رقم 95 للعام 1980 بشأن حماية القيم من العيب. وهذا تشكيل لمحكمة خاصة بالفعل، رغم ان القانون لا يشير الى ذلك. وهذا التشكيل معيب ولا مبرراً له، لأنه ليس هناك منطق في اضافة شخصيات عامة الى هيئة محكمة قائمة بالفعل. وهذا التشكيل يجعل المحكمة موضع شك قبل ان تنظر في الطعن على اي من قرارات لجنة الاحزاب، الامر الذي يتعارض مع ما ينبغي ان يتواقر للقضاء من ثقة فيه واحترام له ويقين في عدالته. كما ان هذا التشكيل يجعل التقاضي على درجة واحدة، ويحرم الطاعن على قرار لجنة شؤون الاحزاب من الحق في الاستئناف او الطعن على حكم المحكمة. وهذا حق يكفله الدستور ضمنياً على الاقل في مادته رقم 165 التي تجعل المحاكم مختلفة الأنواع وكذلك الدرجات. فاختلاف درجات المحاكم هو ضمان كفله الدستور تحقيقاً للعدالة، ولا يصح ان يهدر قانون الاحزاب ما اتاحه الدستور للمواطنين. ولذلك نقترح ان يكون الطعن على قرارات لجنة شؤون الاحزاب امام مجلس الدولة بشكل طبيعي من دون اي تشكيل خاص، اي امام محكمة القضاء الاداري ثم الادارية العليا. وعندئذ، يمكن التطلع الى حركة ستدب بالضرورة في الجسد الميت للحياة الحزبية في مصر، سيكون في امكان الطامحين الى ممارسة دور سياسي مشروع تأسيس احزاب جديدة، وسيفرض ذلك على الاحزاب الرئيسية القائمة الآن إعادة النظر في ادائها. كما سيتيح لقطاعات فيها الخروج وتأسيس احزاب يتطلعون الى ان تكون اكثر حيوية. وفضلاً عن ذلك كله، لن يبقى دافع للصراع حتى الموت على رئاسة هذا الحزب او ذاك. فإذا رحل رئيس الحزب س او ص وتصاعد الخلاف على خلافته، سيكون في امكان من لا يحصل على المنصب ولا يستطيع العمل مع من حصل عليه ان يخرج ليؤسس حزباً جديداً يرأسه. - خريطة الاحزاب السياسية في مصر : يمكن التمييز في خريطة الاحزاب المصرية بين مجموعتين هما الاحزاب الاساسية والاحزاب الهامشية، وهذا التصنيف هو المدخل الاكثر ملاءمة لفهم واقع الاحزاب المصرية التي يعطي عددها المرتفع 14 حزباً انطباعاً زائفاً عن النظام الحزبي في مصر. فإلى جانب الحزب الحاكم الوطني الديموقراطي هناك اربعة احزاب معارضة فقط يجوز اعتبارها اساسية، واقدمها هو حزب "التجمع" برئاسة خالد محيي الدين الذي نشأ منبراً داخل التنظيم الواحد الاتحاد الاشتراكي في العام 1974، ثم صار حزباً مع تحويل المنابر الى احزاب في العام 1976. وهو حزب يساري بدأ بتحالف بين تيارات ماركسية وناصرية، ثم غلب عليه الطابع الماركسي، غير ان التفاعلات الاخيرة في داخله تدفع في اتجاه اشتراكي ديموقراطي. وهناك حزبان آخران "الوفد" برئاسة فؤاد سراج الدين و"العمل" برئاسة ابراهيم شكري تأسسا في العام 1978. ويعبر حزب "الوفد" عن اتجاه وطني ذي طابع ليبرالي امتداداً للحزب الذي قاد الحركة الوطنية في مصر عقب انتهاء الحرب العالمية الاولى وحتى ثورة 1952. اما حزب "العمل" نشأ امتداداً متطوراً لحركة "مصر الفتاة" الراديكالية التي لعبت دوراً في الحركة الوطنية قبل 1952. ولكنه اتجه تدريجياً صوب الاسلام السياسي معبراً عن توجه فيه يختلف عن "الاخوان المسلمين". ويعتبر الحزب "الناصري" برئاسة ضياء الدين داود هو الرابع بين احزاب المعارضة الاساسية وقد تأسس بموجب حكم قضائي في العام 1992، بعد ان رفضت لجنة شؤون الاحزاب الترخيص له. وهو يعبر عن التيار الناصري القومي وميراث ثورة 1952. وكان حزب "الاحرار"، الذي صار مجمداً فعلياً عقب احتدام الصراع على رئاسته في ايلول سبتمبر الماضي، واحداً من احزاب المعارضة الرئيسية، وكان تأسس برئاسة مصطفى كامل مراد، مثله مثل حزب "التجمع"، منبراً داخل التنظيم الواحد، ثم تحول الى حزب قاد المعارضة لفترة قصيرة قبل ان يتراجع دوره ويصغر حجمه تدريجياً. اما الاحزاب الثمانية الاخرى فهي احزاب على هامش النظام الحزبي، بمعنى انها تقبع في دائرة النسيان التام او شبه التام، وتعتبر مجهولة لدى كثير من المثقفين والسياسيين وليس فقط في اوساط الجمهور. فقليل هم، حتى من بين المثقفين، من يعرف مجرد اسمائها كاملة. فهي اقرب الى تجمعات شللية لم يجتذب اي منها عضوية يعتد بها، او حتى عضوية على الاطلاق. فقد اسس كل منها عدد من المعارف، لم يلبث ان دب الخلاف بينهم على المناصب الحزبية ثم تصاعد الى صراع تتفاوت حدته من حزب الى آخر. وهي لا تعبر، باستثناء خزبي "الخضر" و"مصر الفتاة الجديد" في ايامه الاولى في مطلع التسعينات، عن اتجاهات سياسية واضحة. وحصلت جميعها على الترخيص بموجب احكام قضائية خلال النصف الاول من العقد الجاري، باستثناء حزب "الامة" الذي حصل على حكم بتأسيسه في العام 1983. ولم يشتهر هذا الحزب الأمة بشيء مثل اجادة رئيسه احمد الصباحي قراءة الكف وتفسير الاحلام. وهو احد احزاب الهامش القليلة التي لم تنفجر داخلياً، وينطبق ذلك ايضاً على حزب "التكافل الاجتماعي" برئاسة الدكتور اسامة شلتوت، والحزب "الاتحادي الديموقراطي" برئاسة ابراهيم ترك، وهذا الاخير نشأ متميزاً بدعوته الى التكامل مع السودان، وحمل اسماً مماثلاً لأحد الحزبين السياسيين في السودان، ولكنه لم يمارس اي نشاط جاد في هذا المجال او غيره. ورغم ان حزباً رابعاً من احزاب الهامش مصر العربي الاشتراكي برئاسة جمال ربيع لم ينفجر، الا ان مشاكله الداخلية ادت الى تجميده كلياً تقريباً. والطريف ان هذا الحزب كان هو الحزب الحاكم في الفترة 76 - 1978 قبل ان يؤسس الرئيس الراحل انور السادات الحزب الوطني. وعندئذ قرر دمج حزب "مصر" في الحزب الجديد. ولكن عدداً محدوداً من قادة حزب "مصر" رفضوا واصروا على استمرار حزبهم. ولجأوا الى القضاء الذي حكم لمصلحتهم في العام 1991. ولكن تفرغ رئيس الحزب لنزاع قضائي مع الحزب الوطني على المقرات التي كانت للأول ثم آلت الى الثاني، وهي كانت اصلاً تابعة للتنظيم السياسي الواحد. تبقى بعد ذلك اربعة احزاب ظل اولها الشعبي الديموقراطي مجمداً منذ تأسيسه الى العام الماضي بسبب النزاع على رئاسته. ومازال ثانيها مصر الفتاة الجديد مجمداً سبب نزاع مماثل وصل عدد اطرافه حتى الآن الى 11 متنازعاً. وتم اخيرا الوصول الى اتفاق لتسوية نزاع على رئاسة حزب "الخضر" ادى الى تجميده لأكثر من ست سنوات عقب تأسيسه بحكم قضائي في نيسان ابريل 1990 ولم يتأكد بعد ان هذا الاتفاق سيكفل إنهاء النزاع الذي ادى مثله الى تجميد حزب "العدالة الاجتماعية" في نيسان ابريل الماضي. * كاتب مصري، رئيس تحرير "التقرير الاستراتيجي العربي"