ثمة لهجة جديدة في الخطاب الاميركي ازاء ايران، الا ان الرئيس محمد خاتمي اصاب بقوله ان الافعال أعلى صوتاً من الاقوال. الادارة الاميركية رفعت فعلاً شبح العقوبات عن شركات نفط فرنسية وروسية وماليزية تنفذ مشاريع ضخمة في ايران، وهي تتحدث الآن عن الغاء القانون الذي يفرض عقوبات على الشركات الاجنبية التي تتعامل مع ايران وليبيا. فإذا زدنا الى هذه "الافعال" مد وزيرة الخارجية السيدة مادلين اولبرايت يد المصالحة لايران، فاننا قد نخرج بانطباع ان العلاقات دخلت مرحلة دفء حقيقي. هل هذا صحيح؟ الجواب، للأسف، لا، فالاميركيون كما لمح الرئيس الايراني لم يقدموا شيئاً محسوساً، حتى انه يمكن القول ان رفع العقوبات عن شركات النفط سببه الضغط الأوروبي، والفرنسي خصوصاً، لا أي قناعة اميركية بتقديم مبادرة عملية. والاحتواء المزدوج باق على الرغم من رفض العالم كله له. هناك خلاف في الادارة على ايران، ففريق في داخلها يضم اولبرايت ورئيس مجلس الأمن القومي ساندي بيرغر، يقول ان ايران تغيرت فعلاً بعد انتخاب خاتمي ويجب مساعدتها على الاستمرار، بخطوات مشجعة مقابلة. وهناك في المقابل فريق "اسرائيلي" يعترف بأن ايران تغيرت، الا انه يضيف انها لم تغير موقفها من امتلاك اسلحة دمار شامل، وانها لا تزال تؤيد الارهاب وتعارض العملية السلمية. كيف يمكن ان تتوقف ايران، او اي دولة عربية او اسلامية قادرة، عن طلب اسلحة نووية، مع وجود هذه الاسلحة في اسرائيل؟ قرأنا الاسبوع الماضي تقديرات اميركية تقول ان اسرائيل تملك من اليورانيوم المشبّع ما يكفي لانتاج 70 قنبلة نووية، مع وجود معلومات اخرى تقول انها تنفذ سراً برنامجاً واسعاً لانتاج اسلحة كيماوية وبيولوجية اسرائيل ليست بعيدة عن القنبلة النووية الهندية رغم اصرارها على الانكار، وقد قامت وفود عسكرية هندية بزيارات متتالية لاسرائيل، حتى ان وزير الدفاع اسحق موردخاي طلب من الصحف التقليل من اهمية العلاقة العسكرية بين الهند واسرائيل. واسرائيل لا تملك ترسانة نووية وحسب، بل تملك وسائل ايصالها الى اهدافها. ويقال ان الصاروخ جريكو، اي اريحا، يستطيع ان يحمل طناً في رأسه، اي ما يكفي وزناً لقنبلة نووية، ومداه حوالى 4.500 كيلومتر، ما يعني الوصول الى بنغلادش، لا باكستان وحدها. وإذا كان هذا لا يكفي، فاسرائيل اشترت اخيراً ثلاث غواصات المانية تستطيع حمل صواريخ نووية. وتجري الآن تجارب في بحر الشمال على الغواصة الاولى من هذه هل يريد القارئ العربي مثلاً آخر على "فضائل" النظام العراقي على هذه الأمة؟ الحكومة الألمانية اعلنت انها قررت تمويل بناء اثنتين من هذه الغواصات، عندما انتشر خبر تزويد شركات المانية العراق بمواد كيماوية وأسلحة غير تقليدية، وهي ما استعمل النظام ضد شعبه وأعطى الحكومة الألمانية العذر الزائف للاضرار بنا. وتزعم مصادر اسرائيلية ان ايران تملك اربع قنابل نووية حصلت على المواد لها مهربة من روسيا سنة 1992، وهو من نوع زعم الحكومة الألمانية لتبرير موقفها. ولم تحرك الولاياتالمتحدة ساكنا لوقف البرنامج النووي الاسرائيلي، بل ساعدته لأن المفاعل اشتري من فرنسا، ولكن اكثر المادة النووية سرق من الولاياتالمتحدة، وزعمت الادارات الاميركية المتعاقبة انها لم تكن تعرف. ومع ذلك فالادارة الاميركية اليوم تمارس ضغطاً على نطاق العالم كله لوقف انتشار الاسلحة النووية في كل بلد باستثناء اسرائيل. وهناك في داخلها من يقف ضد تحسين العلاقات مع ايران بزعم انها لم تكف عن السعي للحصول على اسلحة نووية بعد انتخاب الرئيس خاتمي. الرياء في الموقف الاميركي والانحياز الواضح لا يحتاج الى تعليق، ولكن نضيف ان غالبية الشعب الايراني انتخبت محمد خاتمي وتؤيد برنامجه الاصلاحي الليبرالي، فاذا لم تغتنم الولاياتالمتحدة الفرصة، فهي ستخسر للمرة الثانية في مواجهة الجمهورية الاسلامية. ولو ان الادارة الاميركية كلفت من يتابع لها كأس العالم لكانت غيرت رأيها، ففي المباراة المشهورة بين الفريقين الايراني والاميركي، وقف كل عربي ومسلم وكثيرون حول العالم مع ايران بشكل يتجاوز المشاعر الكروية بكثير. وكان حجم التأييد لكل كرة ايرانية مخيفاً، او لعله حجم المعارضة لأميركا، كما رأينا في عصر حيث لا تتمتع ايران بشعبية كبيرة، فالسياسة الاسرائيلية الهوى التي يمارسها من وراء الستار يهود اميركيون ولاؤهم الوحيد لاسرائيل ولهم قدرة احباط عمل وزيرة الخارجية وأركان الادارة كافة، ستولد احقاداً ان لم تنفجر اليوم فغداً او بعد غد. وإذا كانت الولاياتالمتحدة صادقة في منع انتشار الاسلحة النووية في الشرق الأوسط او غيره، حتى لا يكون الانفجار القادم نووياً، فعليها ان تبدأ باسرائيل، بدل الضغط على دول تحاول ان تحمي نفسها.