تقف عملية السلام في ايرلندا الشمالية الآن عند مفترق طرق محفوف بمخاطر تهدد بنسفها من اساسها وبعودة العنف المسلح على نطاق واسع الى الاقليم الذي يشهد منذ نحو اسبوع اعمال عنف كريهة منها ما استهدف كنائس كاثوليكية وكثير منها 500 هجوم استهدف قوات الأمن. ولكن العنف لم يتحول بعد صراعاً شاملاً بين القوات شبه العسكرية لكل من الوحدويين البروتستانت والجمهوريين الكاثوليك. وبعدما قطعت عملية السلام شوطاً جيداً على طريق النجاح بموافقة غالبية كبيرة من الايرلنديين في الشمال وفي الجمهورية على مبادئ العملية من خلال استفتاءين في الشمال والجنوب ثم بتشكيل المجلس التشريعي لايرلندا الشمالية جاء موسم المسيرات التقليدية، خصوصاً مسيرات البروتستانت التي تنظمها سنوياً جماعة الپ"اورانج"، ليظهر مدى هشاشة العملية واحتمال انهيارها على مذبح الحزازات التاريخية القديمة. ومع ان هناك مسيرات "خضراء" ايضاً للجمهوريين الكاثوليك في ايرلندا الشمالية، فان المسيرات التي تنذر دائماً بشحنات استفزاز قوية هي المسيرات البروتستانتية التي يتشح منظموها بأوشحة برتقالية اللون ترمز الى الملك الانكليزي ويليام اوف اورانج الذي هزم في معركة كبرى عام 1690 سكان ايرلندا الاصليين الكاثوليك وانتصر للمستوطنين البروتستانت وواصل البطش بالكاثوليك وتجريدهم من ممتلكاتهم واراضيهم. وهذه المسيرات البروتستانتية التي يمر بعضها عبر أحياء وشوارع يقطنها الكاثوليك الذين باتوا اقلية في الشمال تشكل بالطبع استفزازاً مهيناً للكاثوليك الجمهوريين الذين ما زال يداعبهم حلم اعادة توحيد ايرلندا. وقد اشتعلت الأزمة الحالية بسبب تشكيل الحكومة البريطانية في الآونة الاخيرة لجنة لبتّ أمر المسيرات لجهة منعها او الموافقة عليها او تغيير خطوط سيرها التقليدية، وذلك في خطوة ارادت بها الحكومة ابعاد الانتقادات عنها بايهام نفسها بأنها شكلت لجنة مستقلة محايدة ستقبل بقراراتها. لكن اللجنة اغضبت الجميع حتى الآن بموافقتها على مسيرة بروتستانتية عبر منطقة كاثوليكية في بلفاست ومنعها واحدة اخرى اكبر يقوم بها تنظيم اورانج منذ العام 1807 من كنيسة درمكري الى بروتاداون عبر شارع غارفاغي الذي يقطنه الكاثوليك. ولقد ثارت ثائرة البروتستانت منذ منع هذه المسيرة التي كانت مقررة الاسبوع الماضي ولم يهدأوا الى الآن. وفي الوضع الحالي يقف حزب شن فين ومن ورائه الجيش الجمهوري الايرلندي هادئاً تاركاً غلاة البروتستانت الوحدويين الذين يرفضون كل خطوة يرون فيها اضعافاً لروابط الوحدة مع بريطانيا ليغرقوا في اعمال العنف اكثر فأكثر ويشتبكوا مع قوات الامن المكلفة منعهم من تنفيذ مسيرتهم. وفي هذا الوضع نفسه بات مركز الوزير الاول في مجلس ايرلندا الشمالية زعيم حزب وحدويي ألستر بروتستانتي محرجاً في ضوء الانقسامات في صفوف البروتستانت وصار بوسع القس ايان بيزلي المعادي لكثير من بنود اتفاق السلام ان يعيّره بقبول اتفاق بدأ يفرض قيوداً على حريات البروتستانت الدينية والمدنية. وكتبت امس استاذة فلسفة هي الدكتورة ميري مدجلي عن مسيرات البروتستانت وموضوع الحرية، قائلة ان الحرية المركزية بالنسبة الى ايرلندا الشمالية هي حرية الناس في ان يعيشوا احراراً من الاهانات في جو غير مشحون بالاحتقار او الكراهية. وفي دعوة الى البروتستانت الى تغيير رموز انتمائهم قالت ان حقيقة ان يكون المرء قد ارتكب خطأ من قبل لا يمكن ان تكون مبرراً لتكرار الخطأ، مشيرة الى ان مجتمعات انسانية كثيرة تخلت عن تقديم قرابين بشرية كانت تضحي بها في عصور التخلف. وتتركز الانظار الآن اكثر ما تتركز على رئيس الوزراء البريطاني توني بلير لمعرفة ان كان سينجح في ايجاد مخرج من الورطة الحالية فيما يقترح معظم المحللين حل لجنة المسيرات والاستعاضة عنها بلجنة مشتركة من البروتستانت والكاثوليك المعنيين بالمسيرات