تدل نتيجة الاستفتاءين في شمال ارلندا وجنوبها على اتفاق السلام في ارلندا الشمالية على ان غالبية كبيرة من سكان الجزيرة 71.12 في المئة صوتت ب "نعم" للتغيير ولاتفاق يكفل، اذا ما طبق بحسن نية، الخروج من شرنقة العنف الدامي الذي تبادله البروتستانت والكاثوليك على مدى السنوات الثلاثين الماضية. ولكن ينبغي التدقيق في معنى كلمة "الغالبية" عندما تستخدم في السياق الارلندي لنعرف مدى علاقتها بفرص نجاح اتفاق السلام او فشله في الفترة المقبلة. يشكل البروتستانت غالبية سكان ارلندا الشمالية، وهؤلاء يسمون الاقليم "ألستر" ابتعاداً بانتمائهم عن غالبية سكان الجزيرة وتأكيداً لالتصاقهم ببريطانيا ضمن المملكة المتحدة. وقد أدى التوصل الى اتفاق السلام في ارلندا الشمالية الى انقسامات مريرة في صفوفهم بسبب تخوف قسم كبير منهم من احتمال ضعف روابط الصلة ببريطانيا نتيجة المجالس المشتركة العديدة، في مجالات الاقتصاد والتجارة والسياحة والزراعة والصناعة، التي يقضي الاتفاق بإنشائها بين ارلندا الشمالية والجمهورية الارلندية. وفي الشمال المكون من مقاطعات ست سلخت عن الجزيرة الأم عشية استقلال الجمهورية الارلندية في العشرينات بات الكاثوليك اقلية تشكو من عدم المساواة في المعاملة ومن سطوة قوة شرطة ألستر الملكية ومن مسيرات البروتستانت السنوية التي تذكر الطرفين بانتصار الملك وليام أوف اورانج على الكاثوليك وتعميقه سياسات تجريدهم من أراضيهم وممتلكاتهم لمصلحة المستوطنين البروتستانت. ولقد حلم كاثوليك الشمال دائماً بإعادة توحيد الجزيرة ويبدو ان تصويت غالبية الكاثوليك في الشمال وفي الجمهورية ب "نعم" للاتفاق، برغم تعديل الجمهورية دستورها لالغاء مطالبتها بمقاطعات الشمال الست، انما هو تعبير عن الأمل بامكانية ان يؤدي الاتفاق في نهاية الامر الى توحيد الجزيرة، ان لم يكن جغرافياً، فعلى الأقل انسانياً - بخلق حقوق متساوية للجميع في الشمال وفي ظل تشابك مصلحي يرفع مستوى الحياة للجميع ويخفف غلواء الصراع الطائفي بما يشكل، ربما، بداية ظهور مشاعر انتماء لارلندا في صفوف البروتستانت الذين ما فتئوا يقولون انهم بريطانيون. سيكون لارلندا الشمالية مجلسها الاشتراعي اسوة باسكتلندا وويلز وسيجلس فيه الكاثوليك الى جانب البروتستانت. ولكن لا بد قبل ذلك من اجتياز مراحل معينة كلها صعبة. هناك مسألة اطلاق سجناء الجانبين الذين ارتكبوا اعمال عنف وقتل، وهذا لن يرضي اهالي الضحايا. وهناك اعادة تشكيل قوة شرطة الستر الملكية على نحو يغير اسمها لتكون شرطة الجميع ويغير تأليفها لتضم افراداً وضباطاً كاثوليك. وهناك، وهذا هو الأهم، نزع اسلحة الفئات المسلحة من الطرفين، خصوصاً الجيش الجمهوري الارلندي والمجموعات البروتستانتية شبه العسكرية. ولكن هل يطغى الرفاه الاقتصادي والاستثمارات التي وعدت بها ارلندا الشمالية على تركة التاريخ الثقيلة وعلى المشاعر القومية في ارلندا؟ ربما آن أوان وضع تلك التركة في خزنة حديد والالتفات للمستقبل.