أعلن زعيم جبهة القوى الاشتراكية الجزائرية المعارضة السيد حسين آيت أحمد أمس قبوله التسوية التي طرحها الرئيس اليمين زروال للمشكلة التي أثارها بدء تطبيق قانون تعميم اللغة العربية في الجزائر. ورأى ان هذه التسوية التي تقوم على تطبيق القانون "تدريجاً" مقبولة. وقال آيت أحمد في مقابلة مع "الحياة" في لندن ان قانون التعريب ليس سوى غطاء لالهاء المواطنين عن المشكلة الاساسية التي يعانيها البلد وهي قضية عودة الأمن. وكشف ان حزبه تلقى تهديدات من "الحركة البربرية المسلحة" التي ظهرت في نهاية الشهر الماضي. وأبدى خشيته من ان تكون أجهزة في السلطة وراء هذه المنظمة القبائلية المتطرفة. وفي ما يأتي نص المقابلة: ما هي أسباب معارضتكم قانون تعميم استخدام العربية؟ - ان حزبنا حزب وطني، له تاريخ عريق في الدفاع عن وحدة الجزائر واللغات الوطنية، عربية أو امازيغية. وقد سبق لنا في العام 1980 ان نظمنا تظاهرات صاخبة ولكن سلمية، عُرفت بپ"الربيع الامازيغي". شرارة تلك التظاهرات كانت القمع الذي كانت تتعرض له الامازيغية التي نرى ان المحافظة عليها وصونها يصبان في إطار المحافظة على الوحدة الوطنية، وفي إطار التعددية سواء كانت لغوية او حزبية. لكننا حوّلنا تظاهرات 1980 الى تظاهرات للمطالبة بالديموقراطية. وكانت السلطة في ذلك الوقت تُطبق سياسة فرّق تسد. وبهدف تفريق تلك التظاهرات المنادية بالديموقراطية، عمدت السلطة الى زرع الحساسيات بين المناطق الجزائرية، فوزّعت خريطة تظهر فيها "الدولة البربرية". كان ذلك عملاً هداماً القصد منه تشويه صورة الحركة القبائلية واظهارها على انها عنصرية وغير وطنية. واننا نرى اليوم ان ما يحصل في شأن التعريب ما هو إلا وسيلة سياسية ليس هدفها حصول تعريب حقيقي، بل إقصاء اللغة الامازيغية وإشغال الرأي العام الجزائري بمشكلة أخرى غير المشكلة التي يعانيها، وهي مشكلة وقف النزف الدموي وايجاد حل سلمي ديموقراطي للأزمة. ومع اغتيال المطرب القبائلي معطوب الوناس وبدء فرض التعريب شعرنا ان هناك خطراً على هذه المنطقة منطقة القبائل. وكادت تحصل ثورة لدى الناس في تلك المنطقة. خشينا ان تتطور حركة الاحتجاج الى اعمال عنف. لذلك فكّرنا في تنظيم مسيرات سلمية للتعبير عن رفض ما يحصل، والتأكيد اننا دعاة وحدة وطنية. تقولون انكم تتحدثون من منطلق وطني، لكن الواقع ان حديثكم ينطلق من واقع منطقة معينة في الجزائر، هي المنطقة القبائلية فقط. فكيف تفسرون ذلك؟ - الجزائر ليست في مرحلة انتقالية نحو الديموقراطية. اننا في مرحلة تطبيع الأمر الواقع. بعد الانتخابات المزيفة التي جرت في 1997، حاول النظام ان يحصر نشاط حزبنا في مناطق القبائل للايهام باننا حزب جهوي. لكن الواقع اننا حزب وطني اسقط النظام لوائح مرشحيه بالتزوير في كثير من المناطق. ان كلامنا ينطلق من واقع وطني عام. ندافع عن الديموقراطية والتعددية والعدل. لذلك يريد النظام ان يقضي علينا وعلى قوى المعارضة الحيّة في الجزائر. عندنا اقتناع أكيد بان السلطة تريد التخلص من حزبنا. لقد غضبت من اصرارنا على حصول تحقيق في المجازر. وهذا خط احمر لدينا. لكن النظام لا يريد ان يحصل التحقيق. نريد من المجتمع الدولي ان يقف مع الجزائر مثلما وقف مع قضيتي نيجيريا وكوسفو. لا نريد منه تدخلاً اجنبياً عسكرياً. نريد ان تتخذ المجموعة الدولية موقفاً لحماية الشعب الجزائري. هل تعتقد ان ما يحصل يستهدف منطقة القبائل وحزبكم؟ - اننا متيقنون من ذلك. انها مؤامرة استراتيجية كبرى هدفها التخلص من المعارضة الديموقراطية. نعتقد ان ما حصل يستهدف القضاء على قلعة من القلاع الوطنية. ويجب ألا ننسى ان تلك المنطقة القبائل كانت قلعة لتحرير البلاد. كان من المستحيل ان يجتمع مؤتمر لجبهة التحرير الوطني في آب اغسطس 1956 في منطقة أخرى غير منطقة القبائل مؤتمر الصومام. لكنكم جزء من مجموع المنطقة القبائلية إذ ان العديد من البربر ليست عندهم مشكلة مع التعريب؟ - الجزائريون كلهم تقريباً قاسوا من افلاس المدرسة ويتهمون الحكم بأنه ينافق في قضية التعريب. ان التظاهرة التي قمنا بها اليوم امس في الجزائر هدفها ان نُرجع القضية الى جوهرها اي تجنيد الجزائريين في سبيل وقف النزيف. المشكلة لا يستحيل حلها اذا وجدت الارادة لايجاد حل سلمي وللمصالحة. هل تخشون حصول حرب اهلية بسبب قضية التعريب؟ - لا نخشى ذلك. ولكن الحرب الاهلية موجودة حالياً. قبل الانقلاب كانت المشكلة قائمة بين المجتمع ونظام الحكم، بين الديموقراطية والديكتاتورية. فاذا بالمعادلة تنقلب بعد الانقلاب. فالمواجهة يُنظر اليها على انها بين الجيش والاسلاميين. لم يعد للديموقراطية دور. واليوم يريدون خلق معادلة أخرى هي بين القبائل والعرب. ولكن المجتمع الجزائري بعيد عن ذلك. واعتقد ان هذا تلاعب شيطاني لن نقع فيه. والحمد لله ان الثقة التي بنيناها مع سائر المواطنين الجزائريين ستمنع اللعب على هذا الموضوع، إلا اذا لجأت الحركة الجديدة التي تُسمى الحركة البربرية المسلحة، الى استعمال العنف والاغتيالات. لقد حصل امس اتصال هاتفي بالامين الوطني للاعلام في جبهة القوى الاشتراكية سمير بوعكير. قال له المتحدث بلغة فرنسية ممتازة: لماذا ذهبتم لرؤية رئيس الجمهورية اليمين زروال؟ فاجابه: من انت؟ فرد بانه ممثل الحركة البربرية المسلحة التي تظهر للمرة الاولى. وأضاف: تريدون ان تقوموا بتظاهرة فاعدوا انفسكم. فنحن نحضر للقيام بعمل ما. لقد وجه لحزبنا تهديداً. وقد ابلغنا السلطة بذلك لتقف عند مسؤوليتها. من وراء المنظمة في رأيكم؟ - لا نعرف ولن نعرف. فاغتيالات عديدة حصلت ولم نعرف من المسؤول عليها. هناك عقوبات حصلت من دون جرائم وجرائم من دون عقوبات. نعرف ان هناك استخداماً لبعض الجماعات المسلحة. ولا نستبعد ان يكون بعض اجهزة الدولة وراء هذه المنظمة. وربما دفع اخفاق نظام الحكم في هدم حركتنا، الى استخذام تلك المنظمة. ولكن هل تقصد ان ليس هناك متطرفون في الحركة البربرية؟ - بالطبع هناك متطرفون.ولكن يستحيل ان لا تعرف السلطة بوجود هذه الحركة المتطرفة اذا كانت موجودة. ما هي المطالب التي قدمها حزبكم لزروال؟ - أكدنا له ان استراتيجيتنا مبنية بالكامل على العمل السلمي ورفض العنف. في الظروف الصعبة نرى ان من واجبنا الاتصال بالحكم بهدف دفع رئيس الدولة الى اتخاذ اجراءات لتهدئة الوضع ووقف تصاعد مشكلة اللغة والبحث عن حل سلمي للازمة في اطار شامل. في احلك الظروف، عندما اغتيل معطوب الوناس لم يدل رئيس الدولة باي تصريح بينما دان العالم كله تلك الجريمة. ولكن في الوقت نفسه اردنا ان نقول للرأي العام اننا حزب وطني، على رغم أخذنا مواقف ظرفية لأنه لا يمكن التهرب من مسؤولياتنا. وقال رئيس الجمهورية، خلال اللقاء، ان تطبيق التعريب سيتم بطريقة تدريجية. لكن لماذا لم يقل ذلك من قبل؟ الحل الحالي، كما قال الرئيس زروال، ان يكون التطبيق تدريجياً. وليس لنا مانع في ذلك. ما نخشاه ان يؤتى بالبعثيين الذين تخلصت منهم الدول العربية ويحوّلوا الى كلياتنا مع بعض الاصوليين والديكتاتوريين. وهذا يشوه مجدداً اللغة العربية. لقد توليت مهمة الاشراف على السنة المدرسية الاولى بعد الاستقلال. لم نرد ان تتكرر معنا اخفاق التجربة المغربية التي قام بها محمد الفاسي حيث تم التعريب بلا اساتذة ولا كتب. القضاء على الفرنسية لا يكون بالارتجال أو الانتقام. ولا يمكن النجاح بتضييع اللغة العربية وخسارة مكسب اللغة الفرنسية. كنت اطلب من الدول العربية ان ترسل الينا مدرسين غير الذين ارسلوهم الى المغرب. فلا نريد ان يحلوا مشكلة البطالة عندهم بارسال الاساتذة الينا. نريد أفضل الاساتذة لنكوّن افضل الطلاب ليصبحوا افضل الاساتذة ونكوّن مدارس ومؤسسات ونعد العدة جيداً لتعليم العربية. التطبيق التدريجي معقول. نُخرّج النخب ثم نعمم التدريس بالعربية. ولكن التعليم باللغة الامازيغية مهم جداً أيضاً للاعتراف بالتعددية، وفي الوقت نفسه عدم احتقار المواطنين الذين قاموا بواجبهم خلال المرحلة التحريرية. من قتل معطوب الوناس؟ - يستحيل ان تتحدد مسؤولية الاغتيال. انه اغتيال شنيع نندد به. وللأسف لم يحصل تحقيق لكشف المسؤولين. الملاحظ ان اغتيال معطوب يشبه اغتيال المونسنيور كلافري في وهران في 1996. من كان يعرف ان كلافري الذي ذهب ليرى وزير الخارجية الفرنسي في العاصمة سيعود فجأة الى وهران وفي الوقت نفسه يعود الى داره فتفجر فيه القنبلة؟ ومن كان يعرف ان معطوب عاد الى الجزائر ويعرف الطريق التي سلكها. بما ان الدولة تقول ان جماعة اسلامية كانت تحوم في المنطقة فلماذا لم تحمه؟ هذه تساؤلات ننتظر الاجابة عنها وقد اثارها وفد حزبنا مع رئيس الجمهورية. على كل حال، نحن لا نكرر الاتهام الذي وجهه التجمع من اجل الثقافة والديموقراطية بزعامة سعيد سعدي لجهة اتهام الاسلاميين بقتل معطوب. إننا بالطبع نستنكر الاجرام الذي يقوم به بعض الاسلاميين. لقد يئسنا من القول ان الاسلاميين وراء كل شيء. ليس الاسلاميون من يقتل. انه نظام الحكم أيضاً. لماذا؟ لأن سياسته مبنية على الكذب. فاغتيال الرئيس محمد بوضياف يدفع الناس الى اعتبار ان من يقتله يقتل غيره. يقال ان السلطة طرحت التعريب لسحب ورقة من يد الاسلاميين. - سياسة الحكم تتميز بتنوع الاهداف. والهدف الاساسي للحكم التخلص منا ومن الديموقراطيين. نحن وطنيون. واتهامنا باننا انفصاليون تسهّل ان تكوّن حول السلطة جبهة من معارضي "الانفصاليين" وتجنيد الشعب مع الوحدة الوطنية. هل تعارضون قيام دولة بربرية؟ - لم ينجح الاستعمار الفرنسي طوال أكثر من قرن في ذلك. ان الثورة الاخيرة التي قامت في الجزائر ضد الاستعمار في 1870 قامت بها القبائل. مستحيل ان ينجح اليوم ما فشل بالامس. لكن نظام الحكم ربما يدفع بعض الجهات الى التطرف والى تأسيس حركات تحاول ايجاد بوادر انفصال. لكنن نثق ان الشعب سيصمد. وما دمنا في الساحة فاننا سنكون اول من يقف في وجه محاولات ضرب الجزائر في وحدتها ومستقبلها. ما رأيكم في زيارة الوفد الدولي الى الجزائر في 22 تموز يوليو الجاري؟ - اننا نعتقد انها مناورة من طرف الحكم للحيلولة دون ارسال لجنة دولية للتحقيق. النظام لا يريد ذلك ، وهذا دليل على ان ضمائرهم غير مرتاحة. فلو كانوا ابرياء من المجازر لما كان يجب ان يعارضوا التحقيق. ان الوفد الزائر لن يحقق شيئاً