الكتاب: الفلسطينيون في لبنان وسورية المؤلفة: حلا نوفل رزق الله الناشر: دار الجديد - بيروت 1998 تركز هذه الدراسة على موضوع الوجود الفلسطيني من الناحية الديموغرافية في كل من لبنان وسورية بين 1948 و1995، انطلاقاً من الواقع الذي شهد بعد النكبة الفلسطينية في اواخر الاربعينات نزوح مئات الالوف من الفلسطينيين الى الشمال باتجاه لبنان وسورية اللذين احتضنا اكبر التجمعات النازحة خارج الضفة الغربية والاردن في تلك الفترة. وهو موضوع حساس ومتشابك ترتبط به مجموعة من الاعتبارات السياسية والاجتماعية والامنية، خصوصاً لبنان الذي تعرض فيه الوضع الفلسطيني لسلسلة من التطورات الدراماتيكية بعضها داخلي الحرب الاهلية اللبنانية وحرب المخيمات، مثلاً وبعضها خارجي الغزو الاسرائيلي للجنوب في العام 1978 واحتلال العاصمة بيروت لفترة وجيزة في العام 1982. وزاد في تعقيد هذا الوضع ان اتفاقات اوسلو بين السلطة الفلسطينية وبين الدولة اليهودية لم تلحظ او انها قررت تأجيل البحث في موضوع عودة الفلسطينيين النازحين. هذه المقدمة الموجزة لا تعني ان الباحثة حلا رزق الله تتناول في كتابها الاحصائي الميداني الجوانب السياسية للوجود الفلسطيني في لبنان وسورية، بل هي تركز على اربعة محاور: نمو السكان والهجرة الخارجية، عوامل النمو الطبيعي - الخصوبة والوفيات، تركيب السكان حسب الجنس والعمر وحسب الحالة النزوحية، التوزيع الجغرافي والحركية الداخلية.ومع ذلك فان مثل هذه المحاور لم تتم او تتطور بمعزل عن الظروف السياسية في كل من لبنان وسورية، وهي ظروف تركت آثاراً جذرية في التركيبة الاجتماعية للفلسطينيين، خصوصاً في لبنان ابتداء من الشهر التي اعقبت هزيمة حزيران يونيو العام 1967 وحتى اليوم. وتوضح الباحثة في مقدمتها هذا الجانب بالقول: "وما يهمنا في اطار هذه الدراسة هو تطور الوضع الديموغرافي للفلسطينيين المقيمين في لبنان وسورية خلال الفترة الممتدة من 1948 الى 1995. ولهذه الدراسة اهمية خاصة، اذ ان قسماً كبيراً من الفلسطينيين في لبنان وسورية قد حافظ على الجنسية الاصلية حصلت نسبة ضئيلة جداً من الفلسطينيين المقيمين في سورية على الجنسية السورية، اضافة الى تجمّع نسبة مهمة منهم في المخيمات. وقد اعطي الفلسطينيون في سورية حقوقاً مساوية لحقوق المواطنين السوريين، وشكلت دائرة لشؤون اللاجئين تُصدر اوراقهم الثبوتية، كما تصدر ايضاً للراغبين في السفر وثيقة سفر تجدّد كل سنتين. وكان الحصول على هذه الوثائق اصعب من الحصول على بطاقات الهوية العادية. وخلافاً لما هو عليه الامر في لبنان، كان يُسمح للفلسطينيين الالتحاق بالجيش والعمل في الادارات الحكومية. صحيح انه لم يكن لدى الفلسطينيين مجال في الترقيات والوظائف كما بالنسبة الى السوريين، ولكن يبقى ان هذا التمييز هو اقل في سورية مما هو عليه في اي بلد عربي آخر. لم تكن ثمة حاجة الى تصاريح عمل، وكان لأصحاب المهن حرية ممارسة مهنهم كما للسوريين. ونظراً الى مستواهم التعليمي المرتفع نسبياً، كان يسهل، اجمالاً، على الفلسطينين ان يجدوا وظائف في المدن خلافاً للسوريين القادمين من الريف الذين كانوا يضطرون الى الهجرة الى لبنان بأعداد كبيرة بحثاً عن العمل". وتضيف قائلة: "ويمكن، في هذا الاطار، فهم تطور الوضع الديموغرافي للفلسطينيين المقيمين في سورية الذي لم يتأثر كثيراً بالهجرة ولم تطرأ عليه المتغيرات التي شهدها في لبنان نتيجة وضعهم القانوني المختلف، وموقف السلطات تجاههم، والمنافسة بين العمال اللبنانيين والفلسطينيين، وضمن وضع من التنمية اللامتوازنة والبطالة المزمنة وقدر كبير من اللامساواة. وجاء عدم استقرار الوضع السياسي اللبناني وخمس عشرة سنة من الحرب الاهلية ليزيدا عوامل التغيير ويعمقانها". وانطلاقاً من الاشكالات السياسية والاجتماعية المتعلقة بالوجود الفلسطيني في لبنان وسورية، فان الاحصاءات والبيانات الرسمية نادرة اجمالاً، وفي حال وجودها تكون ناقصة وغير واضحة لاعتبارات خاصة بكل من البلدين. فالباحثة تقول انها لم تستطع الحصول على الكثير من البيانات الاحصائية عن الفلسطينيين في لبنان وسورية: "وتجدر الاشارة الى انه، خلافاً لما هي عليه الحال في لبنان، اجريت في سورية الى اليوم اربعة تعدادات للسكان، لكننا لم نتمكن من الحصول سوى على نتائج التعدادين الاوليين 1960 و1970 في ما يتعلق بالفلسطينيين المقيمين. اما المصادر الاخرى التي اتيح لنا التوصل اليها - اذا استثنينا المسح الشامل للمخيمات عام 1982 ولمخيم اليرموك عام 1984 - فهي في غالبيتها تقديرات ومعطيات غير دقيقة او جزئية". ومع ذلك فثمة مواد احصائية خام تعتمد عليها المؤلفة لاجراء دراستها الميدانية، منها احصاءات "وكالة الاممالمتحدة لاغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الادنى" الاونروا، ودوائر "شؤون اللاجئين الفلسطينيين، و"المديرية العامة للامن العام" واجهزة منظمة التحرير الفلسطينية وغيرها. والارقام التي تقدمها هذه الجهات غير متناغمة، بل ومتناقضة في بعض الاحيان، الا انها تشكّل قاعدة يمكن الانطلاق منها لوضع صورة بانورامية للتركيبة الديموغرافية للفلسطينيين في لبنان وسورية. وتصل الباحثة الى مجموعة من النتائج، على رغم الاحباطات الكثيرة المحيطة بالبحث في هذه المسألة، منها ان عدد الفلسطينيين المقيمين في لبنان حالياً يراوح بين 400 و450 الفاً في حين يبلغ عددهم في سورية حوالى 300 الف، وكذلك تبين ان مستوى الخصوبة في المخيمات مرتفع بينما انخفض مستوى الوفيات الى معدلات متدنية ما يعني ان نسب التعداد في طريقها الى الارتفاع. ومع ان حلا نوفل رزق الله لا تحاول ان تستخلص الدروس السياسية من هذه الارقام، الا ان الاحصاءات التي جاءت في هذا الكتاب لا بد وان تؤثر بطريقة مباشرة في الصيغ السياسية المطروحة على مستوى المسألة الفلسطينية من جهة، وعلى مستوى التركيبة الداخلية لبلدان تشهد اشكالات اجتماعية كما في حالة لبنان مثلاً