أثارت مسودة قانون المطبوعات التي اعدتها الحكومة الأردنية عاصفة احتجاجات في الأوساط الصحافية والنقابية والسياسية باعتبارها تراجعاً عن الديموقراطية وحرية التعبير. ومن المتوقع ان تنهي الحكومة غداً السبت قراءتها لمسودة القانون وسط تشديد على سرية مواده الستين، وقد سحبت نسخ المسودة من الوزراء قبل انتهاء جلسة مجلس الوزراء الثلثاء الماضي خشية تسريبها. الا ان مضمون "المسودة" تسرب بعد ان قرأها وزير الاعلام على مجلس نقابة الصحافيين. يقول نائب نقيب الصحافيين حلمي الأسمر بعد اطلاعه على مسودة القانون: "لا يمكن لأي صحافي ان يقبل بها. انها كفيلة بنسف كل ما تحقق للصحافة الأردنية منذ عام 1989، وهي عودة الى الاحكام العرفية بلا مبرر". وتبلغ مواد القانون الجديد 60 مادة يعطي 40 منها صلاحيات مطلقة لمدير المطبوعات بتعليق صدور الصحف. واقامة الدعاوى عليها، وسحب تراخيصها. وترفع مسودة القانون رأس مال تأسيس الصحيفة اليومية من 300 ألف دينار الى مليون دينار ، وتلزم الصحف بإيداع كفالات بنكية اليومية مئة ألف دينار والاسبوعية خمسين ألف دينار للاقتطاع منها في حالة تغريم الصحيفة. وتحظر المسودة نشر أفكار وآراء ومواقف النقابات المهنية والجمعيات الخيرية والمنتديات الثقافية في أي شأن يخرج عن نطاق اختصاصها. واعتبر عبدالله حسنات رئيس تحرير صحيفة "جوردان تايمز" ليبرالية تصدر بالانكليزية مسودة القانون "مضادة لتوجه القيادة الأردنية بتعميق الديموقراطية". ويوضح ان الملك حسين "تحدث بوضوح عن ضرورة مناقشة القوانين قبل ان تصل الى مجلس النواب، فلماذا تعد الحكومة قانوناً بهذه السرية وبهذه القسوة!". أما النقابات المهنية التي زارها الملك حسين أخيراً واشاد برؤسائها ووصفهم بأنهم "شباب واعد متحمس"، فأعلنت من خلال مجلس النقباء انها في حالة انعقاد دائم. وقال المهندس حسني أبو غيدا نقيب المهندسين رئيس مجلس النقباء: "ما سمعنا عن مشروع القانون يتناقض مع الانفتاح الذي بدأه جلالة الملك متجاوزاً كل العقبات، مثبتاً انه يسبق الحكومات بشوط طويل". وطالب الحكومة "بأخذ العبرة من تجربة مشروع صناديق الادخار" الذي تراجعت عنه الحكومة. واعتبر ان حرمان النقابات المهنية من إبداء رأيها في القضايا العامة "تعدٍ على توجهات جلالة الملك الذي اجتمع مع النقباء واستمع لهم واعطى درساً ما بعده درس لكل من يريد ان يغلق أبواب الحوار". وقال المراقب العام لجماعة الاخوان المسلمين عبدالمجيد ذنيبات ان قانون المطبوعات والنشر "الموقت" الذي اوقفته محكمة العدل العليا كان "أحد الأسباب الرئيسية في مقاطعة القوى السياسية المهمة للانتخابات"، معتبراً "السرية البالغة" التي التزمتها الحكومة أمراً "يزيد من ابتعادها عن الحس الشعبي ويعمق من عزلتها". واعتبر النائب محمود الخرابشة وسطي مقرر لجنة التوجيه الوطني في البرلمان أن "مسودة" القانون الجديد "اعتداءً صارخاً على الحريات العامة وتراجعاً للديموقراطية والتعددية". وأكد ان "لا ضرورة لمشروع القانون الجديد، فالقانون الحالي يفي بالغرض مع امكانية اجراء بعض التعديلات". وقال المحامي هاني الدحلة امين سر المنظمة العربية لحقوق الانسان الذي ترافع ضد القانون "الموقت" سابقاً ان مسودة القانون الجديد "تتناقض مع احكام الدستور" وتصادر "حق التقاضي". وكان الدحلة ومحامين آخرين كسبوا قضيتهم لدى محكمة العدل العليا التي "أوقفت" قانون المطبوعات الموقت لعدم دستوريته. ويعتقد مراقبون سياسيون ان قضية قانون المطبوعات "سياسية بالدرجة الأولى"، فحكومة الدكتور عبدالسلام المجالي ستبقى في حالة "إقرار" مسودتها وسترحل ان فشلت. والذي سيحدد ذلك توجهات القيادة الأردنية التي حققت "اختراقات" سياسية طمأنت الشارع والنخب. وسبق ان صدرت الارادة الملكية بتعيين طاهر حكمت رئيساً للمجلس القضائي، وهو عين ومحام ووزير عدل سابق معروف بپ"الليبرالية". وتم صوغ معظم بنود قانون المطبوعات لعام 1993، الذي تفاخر به الصحافة الأردنية، في مكتب "المحامي" طاهر حكمت بالاشتراك مع وزير الاعلام الأسبق ابراهيم عزالدين. كما ان الاجواء الاقليمية المتلبدة تتطلب انفراجاً داخلياً، فالعراق شرقاً ما زالت مأساته تؤرق الأردن اقتصادياً وأمنياً، والى الغرب ما زال رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو يغامر بمستقبل السلام وسورية شمالاً ما تزال تدير ظهرها. ويستبعد المراقبون ان تستطيع حكومة الدكتور عبدالسلام المجالي تحقيق "انفراج داخلي" ذلك انها اصطدمت بالصحافة منذ الأيام الأولى لتشكيلها، وكانت عاملاً اساسياً في مقاطعة المعارضة الاسلامية للانتخابات. وانتقدها الملك حسين علناً في الفترة الأخيرة. غداً السبت تبدأ الدورة الصيفية الاستثنائية لمجلس الأمة الأعيان والنواب، وهو نفس اليوم الذي يتوقع ان تنهي فيه الحكومة مسودتها. وقد دعا الملك حسين الصحافيين الى مائدة الغذاء في اليوم ذاته، وما سيقوله لهم سيحدد مصير "مسودة" القانون ومصير الحكومة ايضاً.